هدأت حدة القتال في السودان، الأربعاء، بين الجيش وقوات الدعم السريع، في ثاني أيام الهدنة الموقعة بين الطرفين في جدة، ما ينعش آمال السودانيين في فتح ممرات إنسانية وطرق للفرار من العاصمة. وكان الوسطاء الأمريكيون والسعوديون قد أعلنوا أنهم توصلوا بعد أسبوعين من المفاوضات، إلى هدنة تعهد الجانبان احترامها. لكن منذ بداية الحرب، تم الإعلان مرارا عن اتفاقات لوقف النار تعرضت للانتهاك في كل مرة. وبحسب بيانات موقع النزاعات المسلحة ووقائعها (أيه سي إل إي دي)، بلغت حصيلة القتلى منذ اندلاع الحرب في البلاد 1800 شخص سقط معظمهم في العاصمة وفي مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور. وفي العاصمة لا يزال دوي الانفجارات وأزيز الرصاص يتردد في أنحاء مختلفة منها على الرغم من تأكيد الجانبين المتنازعين التزامهما بالهدنة التي تمتد أسبوعا. وقال وسطاء إن "القتال في الخرطوم بدا أقل حدة … لكن المعلومات تفيد أنهما انتهكا" الهدنة منذ ليل الاثنين. ويفترض أن تتيح الهدنة التي وقع عليها الطرفان على هامش مباحثات في مدينة جدة السعودية، خروج المدنيين وإدخال مساعدات إنسانية إلى السودان. وقالت السودانية إحسان دفع الله لوكالة فرانس برس، إن "الهدنة أتاحت لي الوصول مع أمي المريضة إلى مستشفى أم درمان". وأضافت "لم تقابل أمي الطبيب أو تتناول الدواء منذ 20 يوما". وأرغمت الفوضى الملايين من سكان العاصمة على وجه الخصوص على ملازمة منازلهم للاحتماء من الرصاص الطائش وأعمال السرقة والنهب ولكنهم يعانون ندرة الماء والغذاء وانقطاع الكهرباء. وفي هذا الصدد قال خبير الأممالمتحدة المعني بحقوق الإنسان في السودان رضوان نويصر "يشعر الناس بالوحدة وأنه تم التخلي عنهم وسط النقص المزمن في الطعام ومياه الشرب … البلد كله أصبح رهينة". بعد الاتفاق على الهدنة، وجه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن رسالة إلى السودانيين قال فيها "إذا تم انتهاك وقف إطلاق النار، سنعرف". وتابع "سنحاسب المخالفين من خلال عقوبات نفرضها ووسائل أخرى متاحة لنا". من جهته، أكد المفو ض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك في تصريحات للصحافيين في جنيف، الأربعاء، أنه "على الرغم من اتفاقات وقف إطلاق النار المتتالية، لا يزال المدنيون يتعرضون لخطر الموت والإصابة". وأضاف "بين عشية وضحاها تلقينا تقارير عن طائرات مقاتلة في الخرطوم ووقوع اشتباكات في بعض مناطق المدينة، وكذلك في بحري وأم درمان". وتزامنا مع ذلك تتواصل هجرة السودانيين إلى البلدان المجاورة وعلى رأسهم مصر وتشاد وجنوب السودان. وأفادت منظمة الهجرة الدولية بأن عدد الفارين خارج البلاد بلغ 319 ألف شخص. حذر خبير الشأن السوداني أليكس دي وال من أن "مسار انهيار الدولة" يهدد الآن "بتحويل السودان كله، بما في ذلك الخرطوم، إلى ما يشبه دارفور قبل 10 أو 15 عاما". وأضاف دي وال في إشارة إلى ميليشيا الجنجويد التي انبثقت منها قوات الدعم السريع وقال "هذه هي البيئة التي ازدهر فيها حميدتي، حيث يحدد المال والرصاص كل شيء … هذا هو مستقبل السودان إذا استمرت" الحرب. وكانت وتيرة المعارك في إقليم دارفور غربي البلاد شديدة للغاية، إذ أفادت الأممالمتحدة أن أعمال العنف الأخيرة التي اندلعت في الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور دفعت 85 ألف شخص إلى النزوح وأدت إلى "إحراق جميع مراكز استقبال النازحين البالغ عددها 86 بالكامل". ومن جهتهم أعرب عاملو الإغاثة الطبية عن قلقهم بشأن النقص الحاد في الموارد، إذ تسبب القتال في تدمير ونهب معظم المستشفيات، خاصة في الخرطوم ودارفور. وقال جان نيكولا ارمسترونغ من منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية في بيان الأربعاء ""عقب تعرض أحد مستودعاتنا الطبية للنهب في الخرطوم، قطع التيار الكهربائي عن الثلاجات وأخذت الأدوية". وتابع "تدمرت سلسلة التبريد بأكملها، ففسدت الأدوية وباتت غير صالحة لعلاج أي مريض.". وأضاف ارمسترونغ "نشهد خرقا للمبادئ الإنسانية، والحيز الإنساني المتاح آخذ بالتقلص بشكل لم أشهده إلا نادرا". مثل العديد من المواطنين السودانيين، يخشى ياسر عبد العزيز الموظف الحكومي بمدينة شندي الشمالية "نشوب حرب أسوأ من صراعات الشرق الأوسط والاضطرابات التي شهدتها مناطق أخرى في القرن الإفريقي". وقال لفرانس برس "أخشى ألا يقف السيناريو القادم عند بلدان مثل سوريا أو ليبيا أو اليمن، بل نصل إلى السيناريو الصومالي، حيث تؤجج الناس العنصرية والقبلية".