ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مركز مدونة الحقوق العينية من التشريع العقاري
نشر في اليوم 24 يوم 26 - 04 - 2023

تقديم: يؤطر التشريع العقاري بالمغرب عددا من القوانين، ومن ذلك ظهير التحفيظ العقاري (12 غشت 2013) الذي تمم وعدل بالقانون رقم 14/07، والقانون رقم 00/18 الخاص بالملكية المشتركة للعقارات المبنية، والقانون رقم 00/51 المنظم للكراء المفضي إلى تملك العقار، والقانون رقم 00/44 المتعلق ببيع العقار في طور الإنجاز، وكذا بعض القوانين الخاصة كالقانون رقم 25/90 المتعلق بالتجزئات العقارية، والقانون رقم 12/90 المتعلق بالتعمير…
ضمن هذا السياق، شكل صدور مدونة الحقوق العينية وفقا للإطار القانوني رقم 08-39 حدثا تشريعيا بارزا، وذلك لمركزها الهام داخل التركيبة القانونية المنظمة للعقار، ولما عنيت به عموما من الجمع بين المقتضيات القانونية المطبقة على العقارات المحفظة منها أو غير المحفظة، وتنظيم الحقوق العينية العقارية المتعلقة بها.
وفقا لذلك، تسري مقتضيات المدونة على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار. وتطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 غشت 1913) بمثابة قانون الالتزامات والعقود فيما لم يرد به نص في هذا القانون، فإن لم يوجد نص يرجع إلى الراجح والمشهور وما جرى به العمل من الفقه المالكي.
وتتوزع مواد مدونة الحقوق العينية في كتابين بعد فصل تمهيدي خاص بأحكام عامة (م1-7)، ثم الكتاب الأول الذي يتناول الحقوق العينية العقارية (م8-221)، والكتاب الثاني الذي يعالج أسباب كسب الملكية والقسمة (م222-312)، وخُتم القانون بالمادة 333، والتي يَنسخ بموجبها هذا القانون ظهير 1915 المطبق على العقارات المحفظة، كما ختم بالمادة 334 حول بدء سريان العمل بهذا القانون بتاريخ 24 ماي 2012 ستة أشهر بعد صدوره بالجريدة الرسمية بتاريخ 24 نونبر 2011.
وبالنظر لإشكالية مقالنا المتعلقة بموقع مدونة الحقوق العينية من التشريع العقاري، فإن جوابا مستوفيا للمباحث المندرجة ضمن هذه الإشكالية، لابد وأن يتناول العلاقة بين المدونة والتشريع العقاري وفقا لمبحثين أساسين، يتعلق أولهما ببيان القانون العقاري أصلا قانونيا أساسيا للمدونة، في حين يرتبط ثانيهما برصد وتحليل مكونات مدونة الحقوق العينية ذات الصلة بالمادة العقارية.
القانون العقاري أصلا قانونيا أساسيا للمدونة
وفقا لهذا المبحث، يشكل القانون العقاري أصلا قانونيا أساسيا للمدونة، وذلك إلى جانب أحكام الفقه المالكي وقانون الالتزامات والعقود، نظرا لما تشكله أحكام الفقه المالكي من قاعدة لأحكام المدونة ومرجعية لقواعدها، والسند القضائي فيما لم يرد فيه نص بالمدونة؛ وهو ما حدا بالمشرع -من خلال المدونة- إلى تجاوز تكريس الفقه المالكي للازدواجية بين العقارين المحفظ وغير المحفظ في سياق الحقوق العينية الواردة على العقارات غير المحفظة، وذلك من خلال توحيد الأحكام الموضوعية المتعلقة بالعقار غير المحفظ، وإلغاء الازدواجية السائدة فيما يخص المنازعات العقارية المتعلقة به.
كما عبرت المادة الأولى من مدونة الحقوق العينية أن قانون الالتزامات والعقود يشكل المصدر الأول الذي يلي المدونة فيما لم يرد بشأنه نص، وهو ما جعل ل ق.ل.ع الأثر عليها في توثيق التصرفات العقارية وفي أسباب كسب الملكية العقارية.
إذ في شأن توثيق التصرفات العقارية، ووفقا للقانون 16-96 القاضي بتتميم المادة 4 من مدونة الحقوق العينية، فإن السياسة التشريعية في مجال توثيق التصرفات العقارية عمدت إلى القطع مع المحررات العرفية، وتكريس رسمية العقود إلى جانب المحررات الثابتة التاريخ المحررة من طرف مهنيين عينهم القانون.
أما بخصوص أسباب كسب الملكية العقارية فقد تبنت المدونة ما ورد في الفصل 974 من ق.ل.ع والذي يجيز ممارسة حق الشفعة بشأن كافة العقود العوضية كما عقود البيع، كما تبنت توجه قانون الالتزامات والعقود في حفظ حق القسمة باعتباره طريقة لانقضاء الشيوع، وذلك وفقا لما أكده الفصل 978 من ق.ل.ع من خلال نصه على أنه " لا يجبر أحد على البقاء في الشياع، ويسوغ دائما لأي واحد من المالكين أن يطلب القسمة…".
ولذات الاعتبار المتعلق بكون القانون العقاري أصلا قانونيا أساسيا للمدونة، فإن المشرع المغربي سيسعى من خلال نص المدونة إلى القضاء على ازدواجية القواعد المنظمة للعقارات من خلال إدماج العقارات غير المحفظة في البنية التشريعية بوضع تشريع شامل تخضع له العقارات المحفظة وغير المحفظة وكذلك التي في طور التحفيظ، مع ما كان لقانون العقارات في طور التحفيظ 44.00، وقانون الملكية المشتركة 18.00، وقانون الكراء المفضي إلى التمليك 51.00 من دور أساسي في الدفع بهذا الادماج للعقارات غير المحفظة.
على هذا النحو، يخضع العقار المحفظ للقانون 14.07 بتاريخ 22 نوفمبر 2011 المتمم والمعدل للظهير الأساسي المنظم للتحفيظ العقاري المؤرخ في 12 غشت 1913، والذي يهدف إلى تطهير العقار من كل التصرفات السابقة بعد تأسيس الرسم العقاري الذي يكتسي حجة مطلقة لا يمكن إخراج العقار منه، كما يخضع أيضا في ما يتعلق بالتنظيم للحق العيني للقانون رقم 39.08 .
أما العقار غير المحفظ، فبعد أن كان خاضعا لمقتضيات الفقه الإسلامي الذي نظم التصرفات الواردة عليه وكل ما تعلق بقواعد الحيازة والاستحقاق، فقد أصبح تنظيمه خاضعا لمدونة الحقوق العينية التي تأثرت إلى حد كبير بقواعد الفقه الإسلامي في تنظيم الحق العيني.
وفيما يتعلق بالعقار في طور التحفيظ، فيبقى خاضعا لأحكام مدونة الحقوق العينية، وبالرغم من كون وضعية هذا العقار تتسم بعدم الاستقرار بسبب النزاعات التي قد تنشأ عليه، إلا أن ذلك لا يترتب عليه جمود العقار، إذ يمكن أن ترد عليه مجموعة من التصرفات القانونية، والتي تتمثل في الرهن والهبة إضافة إلى البيع والوصي. وبالمقابل يلزم إيداع كل العقود المتعلقة بالتصرفات التي أبرمها صاحب مطلب تحفيظ العقار في طور التحفيظ لدى المحافظ على الأملاك العقارية.
من ثم، يظهر ما يهدف إليه المشرع من القانون 08-30 من سعي إلى تحقيق الاستقرار القانوني من خلال تجاوز ازدواجية القواعد المطبقة على الملكية العقارية وتوحيد المرجعية القانونية للقضاة؛ استقرار التعامل بالعقارات غير المحفظة بواسطة الحقوق العينية الواردة على العقار، سواء الأصلية (م9) أو التبعية (م10)؛ وأخيرا تسهيل إدماج العقارات غير المحفظة خاصة عند صدور نص متعلق بتسجيل الملكية.
مكونات مدونة الحقوق العينية ذات الصلة بالمادة العقارية
وسعيا منا إلى اعتماد عرض إجرائي لمكونات مدونة الحقوق العينية ذات الصلة بالمادة العقارية، بهدف بيان المقتضيات القانونية الإجرائية، التي نقصد بها القواعد القانونية القاضية-على نحو عملي-بتأطير العمليات العقارية ذات الصلة بقطاع التعمير، فقد ورد بالمدونة أولا، جملة من المبادئ بشأن المادة العقارية، والتي تتحدد في:
وحدة الحقوق العينية والتشريع العقاري، إذ تطبق المدونة ومن خلال منطوق فصلها الأول على الملكية العقارية وعلى الحقوق العينية الأصلية (م9) أو التبعية (م10)، سواء خضعت لنظام التحفيظ العقاري أم لا، ما لم تتعارض أحكامها مع التشريعات الخاصة بالعقار؛
مبدأ وحدة قواعد الإثبات، والتي تم توحيدها على مستوى العقار غير المحفظ، كما تم تنظيم قواعد الترجيح في منازعات التحفيظ العقاري والاستحقاق؛
عدم إمكانية نشوء حق عيني إلا بقانون، حيث أورد المشرع هذه الحقوق علة وجه الحصر، من ثم جاء منطوق المادة 11 من المدونة ناصا على أنه " لا يجوز إنشاء أي حق عيني آخر إلا بقانون "؛
إجبارية إبرام عقود رسمية للعمليات العقارية، وذلك من خلال المادة 4، التي وافقت ما نص عليه قانون العقارات في طور التحفيظ 44.00، وقانون الملكية المشتركة 18.00، وقانون الكراء المفضي إلى التمليك 51.00، باعتبار ذلك إلزاما قانونيا يمنع، تحت طائلة البطلان، تحرير المعاملات العقارية المتعلقة بالإنشاء، النقل، التعديل، الشطب، أو الإلغاء لحق عيني بموجب عقد عرفي. ومن ثم وجوب تحريرها بموجب محرر رسمي، أو بمحرر ثابت التاريخ من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض.
من ثم، فقد فعل المشرع حسنا من خلال المادة الرابعة من مدونة الحقوق العينية، عندما سعى إلى تحقيق الأمن التعاقدي، عبر فرض شكلية الكتابة على جميع البيوع العقارية، وحصر الجهات المخول لها تحرير مثل هذه العقود، وتحديده مضمون الخدمات المقدمة بما يحد من النزاعات الممكن أن تثار في وقت لاحق، على اعتبار ما تمثله الشكلية من حافز على الثقة وضمان للأمن والاطمئنان، وما تحميه من حقوق وتدعمه من التزامات، وما تساهم به من مواكبة دينامية المعاملات العقارية وما لها من تبعات اقتصادية واستثمارية.
غير أنه وفي إطار مناقشة الاستثناءات الواردة على المادة الرابعة من م.ح.ع بخصوص الشكلية في إبرام التصرف، فقد منح المشرع من خلال المادة الرابعة هامشا من الحرية في التصرفات العقارية، وذلك عندما أقر إمكانية أن تتم في محرر رسمي أو محرر عرفي يتم تحريره من قبل محامي مقبول للترافع أمام محكمة النقض، ما يجعل حرية اختيار شكل العقد مقيدة، وذلك من واقع فرض شكلية خاصة في بعض التصرفات، وعدم منح الحق في الاختيار بين المحرر الرسمي أو العرفي في تصرفات عقارية أخرى، وذلك في سعي للقضاء على ازدواجية المحررات في هذا الإطار، والاتجاه نحو فرض الرسمية مستقبلا.
فمن حيث إلزامية المحرر الرسمي في توثيق بعض التصرفات العقارية، نجد المشرع المغربي قد فرض توثيق بعض التصرفات العقارية بموجب محررات رسمية، بما شكل استثناء من حق الاختيار المنصوص عليه في المادة الرابعة من م.ح.ع ويمكن حصر هذه العقود التي أوجب المشرع المغربي ضرورة إبرامها في محررات رسمية في الهبة، وهو الأمر الذي تم تكريسه على المستوى القضائي، ونفس الأمر بالنسبة للصدقة والرهن الحيازي وعقد المغارسة وحق العمرى. وتأكيدا على هذه الإلزامية فقد رتب المشرع على مخالفتها بطلان التصرف من أساسه.
ويظل الاستثناء -المقرر تشريعيا- الوارد على إلزامية المحرر الرسمي في توثيق بعض التصرفات العقارية، ما يتعلق بإنشاء بالرهن الرسمي الاتفاقي. إذ جاء في المادة 174 من م.ح.ع ما يقضي بأنه " ينعقد الرهن الاتفاقي كتابة برضى الطرفين ولا يكون صحيحا إلا إذا قيد بالرسم العقاري. لا تسري أحكام المادة الرابعة على إنشاء أو نقل أو تعديل أو إسقاط الرهن الاتفاقي المقرر لضمان أداء دين لا يتجاوز قيمته المبلغ المحدد بنص تنظيمي ".
على أنه تجدر الملاحظة إلى إشكالية شمول المادة الرابعة لمسطرة الاقتناء بالتراضي للملك العام للدولة، والتي تلزم الدولة باللجوء إلى أشكال تعاقدية معقدة ومكلفة، نظرا للاقتناءات العديدة التي تجريها الدولة، وهو ما يفترض تعديلا للمادة الرابعة، أو للقانون المنظم للأملاك العمومية، وكذا قانون نزع الملكية.
وتجدر الإشارة كذلك إلى ما صدر بشأن تطبيق المادة 4، والتي سعى المشرع من خلالها -كما رأينا-إلى فرض صياغة الإرادة التعاقدية بالكتابة كشرط انعقاد وإثبات، مما لا يمكن معه استمرار التمسك ببطلان العقد بدعوى عدم احترامه شكليات المادة 4 من م.ح.ع، ويتعلق الأمر بالقرار الحديث لمحكمة النقض الصادر بتاريخ 12/01/2023، والذي دفع بعدم جواز التمسك بالبطلان المذكور من طرف المتسبب فيه ولو تعلق الأمر بقاعدة من النظام العام، وذلك وفقا للفصلين 230 و231 من ق.ل.ع، وكذا وفقا للقاعدة الفقهية القاضية بأن من سعى إلى نقض ما تم من جهته فسعيه مردود.
كما جاء ثانيا، وفي ذات سياق العرض الإجرائي لمكونات مدونة الحقوق العينية المتصلة بالمادة العقارية، ما نصت عليه المادة 9 من م.ح.ع، من مجموع الحقوق العينية الأصلية، وعلى رأسها حق الملكية وما يتصل به من العمليات العقارية التي تشكل موضوعا للتدبير الإداري لقطاع كالتعمير، والتي تهدف إلى احترام حق الملكية ومنع الحد من نطاقه وممارسته إلا في إطار القانون (الفصل 35 من الدستور)، ومن ثم تبني مصالحة عقارية مع المواطن لإشعاره عمليا بجدوى السياسة العمومية.
يتعلق الأمر وفقا لذلك بالتدبير الإداري لعملية التقسيمات العقارية، وذلك في علاقة بتدبير حالتي الشياع التي تشكل السبب الأوحد لقبول التقسيم تطبيقا للنص العام المتمثل في مدونة الحقوق العينية، وحق الشفعة باعتباره سببا لكسب الملكية والحفاظ عليها لصالح الشركاء من ضرر الخلطاء وفقا لأحكام الفقه الإسلامي والتشريع وجزء مهم من الفقه القانوني.
هذا ويعتبر حق الملكية وفقا لمدونة. ح.ع من أقوى الحقوق العينية الأصلية وأوسعها نطاقا، إذ تنص المادة 14 من مدونة الحقوق العينية على أنه: " يخول حق الملكية مالك العقار دون غيره سلطة استعماله واستغلاله والتصرف فيه ولا يقيده في ذلك إلا القانون أو الاتفاق ". وكما أنه قد تكون الملكية العقارية منفردة تمنح سلطة الاستعمال والاستغلال لشخص واحد بشكل تام ومطلق سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا، فقد تكون مشتركة أو مشاعة، بحيث يعد الشياع بمثابة وضع قانوني ناتج عن تعدد المالكين للحق العيني دون أن يختص كل منهم بجزء مفرز منه، على أن ينشأ الشياع اختيارا كحالة الشراء في الشياع، أو اضطرارا كحالة الخلف العام المرتبط وجوبا وتلازما بالإرث.
تبعا لذلك، يعتبر الشياع حالة استثنائية، إذ لا تعبر عن الصورة المثلى للملكية، وذلك لعرقلتها تداول الأموال العقارية، ومن ثم مساهمتها في جمود الأوعية العقارية، خلافا للدعوة الملكية الداعية على وجه التشديد إلى اعتماد السبل الكفيلة بتصفية العقار، وفقا لخطاب الملك محمد السادس يوم 11 أكتوبر 2019 بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الأولى من السنة التشريعية الرابعة. ولا شك أن القسمة العقارية واحدة من أهم سبل تصفية العقار وإدماجه في الدورة الاقتصادية، ومن ثم المساهمة في بناء ثقافة عمرانية مشروعة وفاعلة.
وتنتهي حالة الشياع بما حصره المشرع المغربي من أسباب في الفصل 977 من قانون الالتزامات والعقود، والتي حددها في الهلاك الكلي للشيء المشاع، أو بيع المالكين حصصهم لأحدهم أو بتخليهم له عنها، أو بإجراء القسمة. ولاعتبار القسمة أهم أسباب انقضاء الشيوع، فإن ذلك يجعلها وثيقة الصلة بحق الملكية، من حيث أن لكل مالك الحق في التصرف في عقاره بمختلف التصرفات كالتقسيم. هكذا، أقر المشرع المغربي القاعدة القاضية بأنه لا يجبر أحد على البقاء في الشياع، وذلك بموجب الفصل 978 من قانون الالتزامات والعقود، وكذا المادة 27 من مدونة الحقوق العينية التي نصت أنه " لا يجبر أحد على البقاء في الشياع ويسوغ لكل شريك أن يطلب القسمة، وكل شرط يخالف ذلك يكون عديم الأثر ". غير أنه واستثناء يشترط في إجراء عملية القسمة العقارية أن يكون العقار مملوكا على الشياع، وأن يكون قابلا للقسمة، وألا يزيل المنفعة المقصودة منه كما جاء في مقتضيات المادة 314 من مدونة الحقوق العينية.
غير أن التدبير الإداري للقسمة العقارية بنوعيها، الرضائي الإرادي أو القضائي الإجباري، للخروج من حالة الشياع، لا ينبغي له مخالفة القوانين والضوابط القانونية الجاري بها العمل، وكذلك القوانين الخاصة كالقانون 25-90 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات. فلكون الخاص يقيد العام ويعقله لا يمكن الحديث عن التقسيم العقاري إذا كان من شأنه أن يمس بتوجهات وأغراض أخرى خصص العقار لها، وهو ما أكدته م.ح.ع من خلال المادة 23 عندما نصت أنه " لا يحرم أحد من ملكه إلا في الأحوال التي يقررها القانون ".
والتقييد هنا، وبالقدر الذي يهم الأشخاص الطبيعيين يهم كذلك إدارات الدولة المعنية، وفقا لما نص عليه الفصل 5 من ظهير 8 يوليوز 1916 الخاص بقانون الأراضي ذوات المنافع الخالية من البناء. كما يهم هذا التقييد سعي المشرع من خلال القانون 90.25 إلى تفادي الآثار السلبية على المشهد العمراني جراء انتشار التقسيمات السرية والعشوائية للملكية العقارية، ومعالجة الإكراهات والصعوبات المتعلقة بعمليات تقسيم العقارات، من خلال مراجعة المنظومة القانونية المؤطرة لمختلف الرخص والأذون في ميدان التعمير، وذلك على نحو ينسجم مع تطورات المشهد العمراني الوطني.
وفي ملاحظة فريدة ترتبط بالعرض الإجرائي لمكونات مدونة الحقوق العينية المتصلة بالمادة العقارية، والتي تتعلق بالنطاق الخاص بالتقسيمات العقارية كما نص عليه الباب الرابع من القانون 25-90، حيث أن المجالات التي تستلزم الحصول على الإذن بالتقسيم والواردة حصرا في إطار نفس القانون، تطرح إشكالية تدبير عمليات التقسيم العقاري خارج هذه المناطق، خاصة مع استحضار عنصر البناء بمقتضى وثيقة من وثائق التعمير المحدد الأساسي لقبول عملية التقسيم وفقا للمادة 60 من القانون 25-90، حيث يطرح التساؤل حول مدى الصلاحيات المخولة للإدارة لتوجيه طلب التقسيم إلى إحداث تجزئات سكنية وفقا للبند الثاني من المادة 9 من نفس القانون، إذا ما عبر المعنيون بالأمر عن عدم الرغبة في البناء، أم أن روح النص في تطبيق هاتين المادتين يقترن حصرا بعنصر الشياع، ما يقضي صراحة بعدم إمكانية قبول التقسيم إلا في حالة الملكية المشاعة وفقا لمدونة الحقوق العينية. هذا مع ما يطرح من الإشكالات العملية الخاصة بحالة الملكية الفردية والرغبة في التقسيم بالمنطقة المحيطة على اعتبار أنها تدخل في نطاق التقسيم ولا تدخل ضمن نطاق البند 2 من المادة 9.
وفي نفس إطار حالات التقسيم كما نص عليها الباب الرابع من القانون 25-90، يعترض تطبيق القانون بعض ممارسات تتعارض والتخطيط الحضري من خلال اللجوء إلى البيوعات على الشياع وما يستتبعها من المخارجات والتقسيمات بحكم الواقع وقوة القانون، إضافة إلى تفويت الملكيات على أساس طابعها الفلاحي مع إضمار الرغبة في البناء، مما حدا بالمشرع منح الإدارة السلطة التقديرية في التكييف الواقعي والميداني، حيث يمكن منح الإذن بالتجزيء والامتناع عن منح الإذن بالتقسيم، متى تبين أن التقسيم سيؤدي إلى تفتيت الملكية لبقع معدة للبناء، مع التأكيد على عنصر المساحة التي تم تحديدها في شرط الهكتار في حالة الشياع الإرادي دون الاضطراري كما في حالة الإرث.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد، وفيما يتعلق بتطبيق مقتضيات المادة 58 من القانون 25-90، والمحدد لحلات التقسيم، إلى واحد من عدد من الأسئلة المهمة المطروحة في نقاش حالات التقسيم الواردة بالمادة 58 ما يتعلق بقسمة التركة المترتبة عن الإرث والتي تتم بحسب الفريضة الشرعية، وذلك لاعتبار الشريعة الإسلامية تظل أحد مصادر التشريع في الحالة التي يتم فيها تقديم طلبات بالتقسيم داخل المناطق المباحة البناء.
على سبيل الختم: ووفقا لاشتغالنا التحليلي على موقع مدونة الحقوق العينية من منظومة التشريع العقاري، يمكن الإقرار بصعوبة الخوض في القضايا العقارية، لدقة إشكالياتها وازدواجية النصوص المطبقة بشأنها، وما تستتبعه من اختلاف المفاهيم حول نفس الحقوق، ولعل ذلك ما دفع بالمشرع المغربي إلى إقرار وحدة المفهوم ووحدة القاعدة القانونية، وإخضاع الحقوق العينية الواردة بشأن العقارات المحفظة أو غير المحفظة إلى نفس القواعد القانونية، مع مراعاة استثناءات معينة.
كما يمكن الإقرار أن التشريع العقاري المغربي منظومة قانونية متكاملة، تستدعي الإحاطة التي تشمل التشريع والفقه القانوني وأحكام الفقه الإسلامي، ولعل ذلك ما أبان عنه مقالنا حول مدونة الحقوق العينية وما تمتح منه من مرجعية فقهية كالفقه المالكي، وقانونية عامة كقانون الالتزامات والعقود وظهير التحفيظ العقاري… وما تتقاطع معه من قوانين أخرى خاصة كقانوني التعمير والتجزئات العقارية.
أخيرا وليس آخرا، ولاعتبار القانون نتاجا مجتمعيا، فإن مقالنا سعى في تواضع لرفع الوعي بأهمية الثقافة القانونية في الاستجابة للمشكلات العملية التي تعترض تطبيقه في سياق التدبير لمختلف العمليات العقارية التي يشرف عليها قطاع وظيفي كقطاع التعمير وإعداد التراب الوطني والإسكان وسياسة المدينة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.