ناقش الطالب الباحث جيلالي بوحبص يوم 22 أكتوبر 2008 أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراة في قانون العقار والتعمير والاسكان تحت عنوان: «النظام القانوني لعقود اقتناء السكن بالمدار الحضري» بجامعة محمد الخامس أكدال بالرباط (كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية)، ومنحت اللجنة العلمية المكونة من د.عبدالله حداد رئيسا ومشرفا، و د.محمد حنين و د. عبدالسلام فيغو ود.امحمد عنتري وذ.محمد بورمضان أعضاء للطالب الباحث درجة ميزة مشرف جدا . و وبالنظر لأهمية الموضوع الذي يحظى باهتمام أطراف متعددة نورد أهم ما جاء في الدراسة الجامعية. تكمن أهمية هذا الموضوع بالنظر لما يعرفه السكن بالمدار الحضري من أهمية قصوى انطلاقا من كون وثائق التعمير، تنقل العقار من مجرد مادة خام الى مادة ذات قيمة مضافة وذات أهمية بدءا من التصميم التوجيهي وانتهاء بتصميم التعمير خاصة إذا ما خصص للسكن، وبالتالي كان يتعين الانتباه الى نقطة مهمة بخصوص مدى نجاعة المنظومة القانونية في إطار التشريع المغربي في خلق إطارات تعاقدية موازية خاصة بالتداول السلس والأمن لهذا العقار قصد الحصول على السكن؟ تقتضي الاجابة على هذا السؤال مسحا واقعيا ومنهجا تحليليا لمختلف الأنظمة القانونية سواء العامة والخاصة، والتعرض لمختلف المؤسسات القضائية والإدارية والمالية عند تعاملها مع هذه المنظومة. وانطلاقا من ذلك تم تقسيم الموضوع الى فصل تمهيدي خصصناه لاستحضار البعد الجديد لمفهوم العقار بالمدار الحضري من خلال وثائق التعمير، اعتبارا لكون التعريف التقليدي للعقار والمحددات المعروفة للعقار لم تعد تفي بالغرض عندما يتعلق الأمر باستخدام هذا العقار بشكل خاص إذا تعلق الأمر بعملية اقتناء السكن. وخصص القسم الأول لمدى استيعاب الإطار العام لخصوصيات اقتناء العقار بالمدار الحضري سواء من خلال النصوص القانونية أو من خلال المتدخلين في مجال توثيق عقود اقتناء السكن بالمدار الحضري وهل توفق هذا الإطار العام في هذا المجال؟ أما القسم الثاني فخصص للإطار الخاص المنظم لعقود اقتناء السكن بالمدار الحضري، سواء من حيث النصوص القانونية التي حاولت تنظيم قطاعي لعقود اقتناء السكن أو من خلال الجوانب المالية لعقود اقتناء السكن وهل هو الآخر نجح في هذا التوجه؟ ولعل أول ما يثير الانتباه في هذا السياق هو المفهوم التقليدي للعقار المتداول لدى الفقه والذي ينطلق من خصوصيات العقار أصبح متجاوزا، ونجمت عنه العديد من السلبيات عندما يتعلق الأمر بعملية التعاقد بخصوصه، لكونه ينفي ويستبعد الغرض المخصص له العقار بالمدار الحضري، ورغم كون عملية التوثيق سار العمل بشأنها على الاعتماد على وثائق ممثلة في الشواهد العقارية إذا ما تعلق الأمر بعقار محفظ، وعلى وثائق تجد سندها في الفقه إذا ما تعلق الأمر بعقار غير محفظ (كرسم الملكية ورسم الشراء، والإراثة) فإن هذه الوثائق لم تعد تكفي لضمان الأمان التعاقدي. وانطلاقا من ذلك تبرز أهمية شواهد أو وثائق التعمير في تحديد المفهوم الجديد للعقار، وتنقسم هذه الشواهد الى وثيقتين: شهادة التعمير: واذا كانت الشهادة منظمة في القانون الفرنسي لاتجد لها مثيلا في القانون المغربي، ولعل دراستها والتعرض إليها تنبع من أهميتها الممثلة في الحجية المعطاة إليها على مستوى ضمان الغرض التعميري المخصص له العقار، خاصة إذا ما اقترنت بالمسؤولية الإدارية للإدارة التي سلمتها بمسؤولية الموثق عند عدم تضمينه ولفت انتباه المتعاقد للغرض المخصص له العقار، وما يميز تنظيمها أنه كان بشكل دقيق سواء من حيث الجهة المقدمة إليها وشكليات الطلب والجواب ونطاق حجيتها. شهادة أو بطاقة المعلومات Note de renseignements هنا نجد أن المشرع المغربي نظم هذه الوثيقة وإن بشكل محتشم من خلال الاعتماد على منشور وزاري رقم 15.00 الصادر بتاريخ 16 10 2006، وقد حاول هذا المنشور الإلمام بمختلف جوانب هذه الشهادة وآجال تسليمها والجهة التي لها صلاحية المطالبة بها. إلا أن ما يلاحظ كون المشرع أعطى لها فقط صبغة إخبارية وبالتالي فالدولة أو الإرادة لا تتحمل أية مسؤولية بخصوص المعلومات الواردة بها، ويزداد الأمر سواء بالنظر لأنه لا يوجد في القانون ما يلزم إحضار مثل هذه الوثائق عند عملية التعاقد واقتناء السكن بالمدار الحضري، فحبذا لو تم إجبار الأطراف على إحضار مثل هذه الوثائق لما فيها من استحضار البعد والغرض التعميري للعقار عند عملية التعاقد وإبرام العقود بخصوص العقار خاصة بالمدار الحضري. الإطار العام لعقود اقتناء السكن: تم تخصيص هذا القسم للإطار العام لعقود اقتناء السكن بالمدار الحضري من خلال بابين: الباب الأول تم يهم النظرية العامة لعقود اقتناء السكن بالمدار الحضري، الثاني يتعلق بالمتدخلين في مجال التوثيق بخصوص هذا النوع من العقود، حيث تم التعرض في الباب الأول للنصوص القانونية العامة المنظمة لعملية اقتناء العقار لما يشكله الإطار العام من أهمية إذ مازال يعتمد بشكل كبير في هذا المجال. ولعل ثلاثة نصوص عامة تشكل أهم جوانب هذا الاطار العام، ويتمثل النص الأول في مقتضيات المادة 89 من ق.ل.ع، والثاني في المادتين 66 و 67 من ظهير التحفيظ العقاري، وأخيرا مقتضيات قانون 90/25 المتعلق بالتجزئات العقارية اعتبارا لكون هذا النص لم يأت لتنظيم عقد محدد وإنما جاء بمقتضيات عامة خاصة بهذا النوع من السكن وهو المادة 72 منه، ولقد تم تخصيص فصل مستقل لكل واحد من النصوص أعلاه. وبخصوص المادة 489 من ق.ل.ع فإنها تعالج مسألة وشكليات اقتناء العقار، يثار إشكال مفهوم المحرر الكتابي الوارد بهذه المادة واللازم لاقتناء السكن العقار بشكل عام، علما أن هذا المفهوم عرف تناقضا على مستوى غرف المجلس الأعلى حول إلزامية كتابة عقد اقتناء العقار من عدمها، بل حتى على مستوى اعتبار الكتابة شكلية انعقاد، أم شكلية إثبات، على عكس الفقه الذي أقر إجبارية الكتابة وإن اختلف هو الآخر حول اعتبارها شكلية اثبات أم شكلية انعقاد، وإن كان الرأي الراجح هو اعتبارها شكلية انعقاد، وبالنظر لتطور مفهوم العقار الحضري وتعقد بنيته التي نجم عنها تعقد مسطرة التعاقد بشأنه جعلت قضاء الموضوع يستقر على اعتبار مبدأ الكتابة كمبدأ قار في إبرام عقود اقتناء السكن. كما أن هذه المادة أثارت إشكالا ثانيا بخصوص مفهوم التسجيل، وهل هو اجراء ضريبي اي أداء واجبات التسجيل لدى الإدارة الضريبية المختصة، أم إجراء تقييدي، أي تقييد الشراء على الصك العقاري بالمحافظة العقارية، وقد ظهرت ثلاث نظريات ومواقف الأول يعتبر التسجيل إجراء ضريبيا، الثاني يعتبره إجراء قانونيا ممثلا في التقييد على الرسم العقاري، في حين الموقف الثالث اعتمد الوسطية والمقصود به كل الوجهين بمعنى ان التسجيل الوارد بالمادة 489 يعني الإجرائين معا. ولعل هذه الإشكالية تدعو الدارس لطرح سؤال حول حدود تطبيق المادة 489 من ق. ل.ع في المجال الحضري، وعلى هذا المستوى يلاحظ أن القضاء خاصة قضاء الموضوع يعتمد مفهوما واسعا للمحرر الكتابي يقصد من خلال المحرر «L"ecrit» بدلا من العقد الكتابي «Le contrat écrit» لما في ذلك من حماية لمقتني السكن خاصة في حالة اعتماد البائع على محرر يحمل توقيعه فقط دون توقيع المشتري، ولعل الوصل كحجة كتابية شكل المعطى الأساسي لطرح مشكل بخصوص إمكانية خضوعه للمادة 489 من ق.ل.ع، وهنا يجب التمييز بين موقف قضائي وفقهي يخضعه للمادة 489 من ق.ل.ع، وموقف تشريعي جديد يحاول اقصاؤه من خلال ما يتطلبه عقد كتابي لإثبات واقعة الاقتناء ممثلا بصفة اساسية في عقد بيع العقار في طور الإنجاز. ولعل كل ذلك حد من دور الفصل 489 من ق. ل.ع كإطار عام لعقود اقتناء السكن بالمدار الحضري مضافا إليه معوقات أخرى كقدم النص القانوني وعدم استيعابه لمختلف أشكال عقود اقتناء السكن بالمدار الحضري والتي أصبح يفرضها الواقع والتي تطلبت تدخل المشرع من خلال نصوص خاصة. أما بخصوص ظهير التحفيظ العقاري ونخص بالذكر المادتين 66 و 67 منه، فرغم أهمية التحفيظ العقاري بشكل عام، وانطلاقا من كون تفويت العقار الحضري المحفظ يخضع للشكليات العامة للتقييد ممثلة في المصادقة على التوقيعات إذا ما تعلق الأمر بعقود عرفية، وضرورة أداء واجبات التسجيل و تضمين العقود المقدمة للتسجيل لدى المحافظ على بيانات تتعلق بالتعريف بالمتعاقدين وبالعقار المتعاقد بشأنه، والإدلاء بنظير الرسم العقاري لها... وتمتد هذه الشكليات الى إيداع العقد لدى مصالح المحافظة وتتم هذه العملية بسجل الإيداع ليحمل العقد تاريخا ورقما ترتيبيا، مع الإشارة الى ضرورة إرفاقه بوصل الإبراء الضريبي، كما يخضع للشكليات الخاصة. وهنا يجب التمييز بين الشكليات الخاصة للعقود التقليدية المنظمة لبيع العقار وما بين العقود الجديدة، فبخصوص النوع الأول فإذا تعلق الأمر ببيع البقعة في اطار التجزئة لا بد من الإدلاء بمحضر التسلم المؤقت «Réception provisoire» والإذن الممنوح بشأن إحداثها أو الإدلاء بشهادة مسلمة من رئيس المجلس الجماعي تثبت أن العملية لاتدخل في هذا النطاق، أما إذا تعلق الأمر ببيع الأراضي على الشياع في المدار الحضري فمن الضرورة الإدلاء بإذن سابق من رئيس المجلس الجماعي وذلك بعد استشارة الإدارة، وإذا كان بيع الأراضي في إطار التعاونيات السكنية منع القانون بيع هذه العقارات قبل بنائها أو إتمام الأشغال بشأنها . أما إذا تعلق الأمر ببيع العقارات للأجانب فيتعين احترام المقتضيات القانونية المنظمة لمكتب الصرف. بينما إذا تعلق الأمر ببيع الشقة في إطار قانون الملكية المشتركة وهنا إذا كان اقتناء العقار مرتبطا بعقد القرض فلابد من تقييدهما معا كما يتعين إرفاق عقد اقتناء السكن في إطار الملكية المشتركة بمجموعة من التصاميم والوثائق الخاصة بهذا النوع من الملكية (نظام الملكية المشتركة، وصل الإبراء الضريبي، وما يثبت أداء المساهمة في التكاليف المشتركة). أما بخصوص الشكليات الخاصة بالعقود الحديثة عندما يتم تقييدها على الرسم العقاري، فإذا ما تعلق الأمر بعقد بيع العقار في طور الإنجاز يتعين انضباط العقد الابتدائي بخصوصه لما ورد بالقانون رقم 44.00، كما يتعين في حالة موافقة المالك البائع على التقييد الاحتياطي إرفاقه بالوثائق والمرفقات الخاصة به وهي دفتر التحملات (ويوضح هذا الدفتر نوع البناء ومكونات المشروع ونوع الخدمات ونوع التجهيزات، وتحديد أجل الإنجاز والتسليم)، والتصاميم المعمارية بدون تغيير، وهي تتنوع بتنوع البناء إذ تشمل تصاميم العقار ككل، وتصاميم كل شقة على حدة، وتصاميم الإسمنت ونظام الملكية المشتركة، إلا أن ما تجدر الإشارة إليه كون القانون وإن أعطى إمكانية التقييد الاحتياطي والذي منحه للمشتري، فإن تعليقه بشروط محددة متمثلة أساسا في موافقة البائع يجعل هذا الحق غير ذي جدوى ولا يكون متمتعا بالفعالية في ضمان الحقوق. أما بخصوص العقار غير المحفظ فقد تطلب القانون إيداع العقد الابتدائي بكتابة ضبط المحكمة الابتدائية لضمان حد أدنى لإشهاره. أما إذا تعلق الأمر بعقد الإيجار المفضي إلى التملك فإن ما يميز هذا القانون كونه وإن لم يخضع تقييد هذا العقد لمقتضيات المادتين 66 و 67 من ظهير التحفيظ العقاري ، فقد أخضعه لمؤسسة التقييد الاحتياطي دون قيد أو شرط وهو ما يشكل حماية لمقتني العقار. وانطلاقا مما ذكر أعلاه فظهير التحفيط العقاري يلعب دورا مهما في ضمان الحقوق إلا أنه يواجه مشاكل عامة ومعوقات خاصة، ويتمثل الصنف الأول في إشكالية تعميم التحفيظ العقاري وتهديده، والناجمة عن أسباب متعددة بدءا من اختيارية التحفيظ العقاري، وتكاليف ورسوم التحفيظ، ومسطرة التحفيظ التي مازالت تعاني من مشاكل، كما أن مشكلة تمديد التحفيظ العقاري للمناطق الشمالية والجنوبية مازالت مستمرة رغم مرور أجل ليس بالهين. ومن المشاكل العامة هناك الأثر الظاهر للرسم العقاري والحجية المطلقة الممنوحة له مما يؤثر سلبا على حقوق الأطراف ومقتني العقارات الذين لا يعون بأهمية هذه المقتضيات، وإن كان القضاء على مستوى المجلس الأعلى في قرار فريد حاول التخفيف من حدتها بعدم تطبيق هذه القاعدة على المشتري ضد البائع الذي عهد الى تحفيظ العقار وهو القرار الذي كان محل تعليق من طرف الفقه. أما الصنف الثاني فيتمثل في إشكالية تحيين الرسوم والذي تتعدد أسبابه مما يؤثر على عملية اقتناء العقارات بالمدار الحضري ويجعل الصكوك العقارية لاتعكس بالشكل الصحيح الوضعية القانونية والتقنية للعقار، ولعل أهم الأسباب المؤدية لذلك هو تلكؤ الورثة في تقييد إراثتهم واللجوء إلى العقود العرفية مع ما تشكله من خطر لحقوق الأطراف، كما أن التقييد بالرسوم العقارية ليس مجانيا، فضلا عن جهل الأطراف المتعاقدة لأهمية التقييد وتسجيل الحقوق، كما أنه من المشاكل الخاصة هو تعدد شكليات التقييد وتعقدها مما يؤثر سلبا على هذا الجانب ولضمان فعالية التحفيظ العقاري لابد من تجاوز هذه المعوقات. وأخيرا وبخصوص النصوص العامة المنظمة لعملية اقتناء العقار بالمدار الحضري فقد تم تخصيص الفصل الثالث والأخير من الباب الأول لاقتناء السكن في إطار قانون 90/25 المنظم للتجزئات باعتبار أن هذا الشكل من العقار هو المنتشر بالمجال الحضري، فالتجزئات ما فتئت تعرف تطوراً من خلال إطارها القانوني بدءا من ظهائر 1914/4/14، و14 يونيو 1939، و1953/9/30، وأخيرا الظهير موضوع الدراسة وهو قانون 90/25 حيث وسع القانون من مفهوم التجزئة الحضرية ومن الأغراض المخصصة لها وظهرت أنواع متعددة من التجزئات (تجزئات صناعية سياحية ، وحرفية وسكنية وإدارية)، وبالتالي كان لابد من تنظيم التصرفات الواردة عليها وإقامة ضوابط لهذه التصرفات . وبخصوص التصرفات المنظمة في إطار قانون 90/25 يلاحظ أن القانون نظم ثلاثة أنواع فقط وهي الإيجار والقسمة والبيع، ورغم ما تثيره هذه العقود من مشاكل فإن استثناء باقي التصرفات يشكل ثغرة لابد من تداركها.