إعداد وترجمة نبيل حانة بدأت أحداث أكبر مسلسل درامي في تاريخ الاستخبارات في دجنبر 2012، حيث توصّل المحلل السياسي البارز لجريدة «الغارديان»، «غلين غرينوالد»، بعدّة رسائل إلكترونية، وقد تدفقت على بريده الإلكتروني بالعشرات كل يوم، وذلك من خلال تكرار إرسال نفس نص الرسالة. لم يعرّف المرسل ( والذي ربما تكون مرسلة)، لأن نص الرسالة تضمن بكل بساطة تكرار إرسال جملة (لدي بعض الأشياء التي قد تثير اهتمامك)، يقول «غرينوالد»: «لقد كان الأمر غامضا للغاية». دفع هذا الغموض ب «غرينوالد» إلى تحميل برنامجيات تشفير على حاسوبه الشخصي لعلّها تمكّنه من الحصول على حماية رقمية ليجري دردشة خفيفة مع مراسله المجهول. ورغم تراجع مستواه التقني المعلوماتي إلا أن «غرينوالد» كان يرغب بشدّة في اكتشاف سر هذا اللغز المحيّر. وبعد شهر من أولى المحاولات السلبية التي قام بها «غرينوالد» للوصول إلى مراسله، حاول «إدوارد سنودن» من جهته تغيير وجهته، حيث قام ببعث رسالة إلكترونية إلى صديقة «غرينوالد» صانعة الأفلام الوثائقية «لورا بوترس». كانت لورا من أبرز منتقدي السياسات الأمنية لحكومة الولاياتالمتحدة، وقد كانت في نفس الوقت واحدة من أبرز ضحاياها. تعرضّت «لورا» للعديد من المضايقات على يد عملاء الأمن القومي الأمريكيين كل مرّة كانت تدخل فيها إلى أمريكا، وذلك لمدّة ست سنوات بين عامي 2006 و2012. كانوا يقومون باستجوابها وتفتيش أغراضها الشخصية، ثم يسألونها عن وجهتها. لم يعثروا خلال كل تلك المدّة عن أشياء قد تورّط «لورا» في متاعب قانونية، علما أنها كانت عبقريّة في المعلوميات. وفي الأخير قرّرت المخرجة إصدار فيلم وثائقي من سلسلة ثلاثية حول السياسات الإستخبارتية التي تنهجها الولاياتالمتحدة، لتبتعد بعد ذلك، وتسافر في اتجاه برلين، حيث استقرّت هناك لفترة مؤقتة. رسائل جادة بعث «سنودن» برسالة إلى «لورا» جاء فيها: أنا عضو بارز في المنظومة الإستخباراتية، لن يكون هذا الأمر مجرّد مضيعة لوقتك». طلب «سنودن» من «لورا» بأن تمدّه بمفتاحها التشفيري الرقمي ففعلت ذلك بتردّد، ظناّ منها أنه ربما قد يكون ذلك مجرّد فخّ. قالت لورا عن دردشاتها الأولى مع سنودن: «لقد كانت مضامين الرسائل الإلكترونية جادّة، تخلّلتها بعض اللحظات الفكاهية، فيما كان سنودن كاتبا مدهشا، فقد كانت رسائله رائعة، وكأنني كنت أقرأ فيلما مثيرا» ثم وبعد ذلك بقليل فجّر سنودن قنبلته، حيث أخبر لورا أن بحوزته مستندات لتعليمات رئاسية حكومية جد سريّة تتألف من 18 صفحة، يرجع تاريخ إصدارها إلى أكتوبر من سنة 2012 ، تقول الوثائق إن وكالة الأمن القومي كانت تتنصّت على الناس، وذلك عن طريق الكابلات والألياف البصرية، واعتراض المكالمات الهاتفية، والتجسس على العالم بنطاق واسع؛ مما أصاب لورا بالذهول، حيث علمت في ذلك الوقت أن «سنودن» يطالب من صديقها «غرينوالد» بأن يكون الصحفي المسؤول عن أكبر حدث تاريخي من شأنه أن يهز العالم . ثم في أواخر مارس 2012، سافرت «لورا» بكل حذر-لأنها كانت مراقبة من طرف السفارة الأمريكية في برلين- في اتجاه الولاياتالمتحدة، حيث التقت بصديقها «غرينوالد» في بهو الفندق الذي يقيم به بمدينة «يونكرز» بنيويورك. اتفق الإثنان على ضرورة حصولهما على الوثائق السرية الخاصة بوكالة الأمن القومي، لأن مهمة كشفها للرأي العام العالمي ستكون أصعب بدون حيازتها. عزمت «لورا» على عدم كشف هويّة «سنودن»، إلا أنه أخبرها بأن تلقي المسؤولية على عاتقه، وأن تخبر العالم بأنه فعل هذا الأمر لوحده. في أواخر ربيع 2012، قرّر سنودن تسريب وثيقة سرية. تضمن الملف معلومات عن تعاون سريّ أبرمته وكالة الأمن القومي مع كبريات شركات الأنترنيت ضمن برنامج سري يدعي «بريزم». إلى هونغ كونغ ثم بعد ذلك، سافرت «لورا» مجدّدا إلى نيويورك، حيث كانت تتوقّع أن تلتقي ببيوقراطي استخباراتي محنّك، إلاّ أن سنودن قام بإرسال وثيقتين مشفّرتين مرّة أخرى؛ تضمنت الأولى برنامج «البريزم» على نظام «الباور بوين»، أما الثانية فقد أصابت «لورا» بالدهشة، حيث جاء فيها: إن وجهتك التالية هي الهونغ كونغ». وخلال اليوم الموالي كشف لها عن هويّته. علمت «لورا» أنها إن قامت بالبحث عن سنودن على محرّك البحث «غوغل»، والتحضير لعملية تبادل المعلومات بطريقة مشفّرة حول حيثيات لقائهما، أن ذلك سينبّه عملاء وكالة الأمن القومي. ثم في منتصف أبريل تلقّى «غرينوالد» طردا بريدياّ يحتوي على أقراص وبرنامجيات مشفرة، وقد طلب منه تثبّيتها على حاسوبه الشخصي، مما سوف يمكّنه من ولوج برنامج خاص للدردشة الرقمية، وبالفعل تمكّن سنودن من التواصل مع «غرينوالد» بنفسه، حيث طلب منه الحضور إلى «هونغ كونغ»، مما جعل الأمر يبدو غريبا بالنسبة «لغرينوالد»، فسأل سنودن حول رغبته في معرفة الفكرة الجوهرية للعملية برمّتها، بالإضافة عن تساؤله لماذا تم اختياره هو بالضبط. وخلال الساعتان المقبلتان أوضح سنودن ل«غرينوالد» كيفية استخدام البرامج المشفرة الخاصة بدردشتهما عبر الأنترنيت، باعتبارها واحدة من البرامج الأكثر أمانا في الاتصال، ليخبره بعد ذلك أنه ذاهب ليبعث له بعض المستندات. كان الطرد الذي بعث به «سنودن» إلى «غرينوالد» يحتوي على 20 وثيقة سريّة داخلية، تعتبرها وكالة الأمن القومي مستندات مقدسة، حيث ختم على أظرفة كلّ منها كلمة سري للغاية «(Top Secret)، تضمنت معلومات مفادها أن وكالة الأمن القومي ضلّلت الكونغرس حول طبيعة أنشطتها التجسسية الداخلية بشكل لا يصدّق. وبعد يومان (31 ماي)، عقد «غرينوالد» جلسة في المكتب رفقة «جانين جيبسون»، وهي رئيسة تحرير صحيفة «الغارديان» بنيويورك، حيث أخبرت «غرينوالد» بأنه يتوجّب عليه السفر إلى «الهونغ كونغ» حتّى تتعرّف «الغارديان» على المصدر الذي يمدّها بهذه المعلومات المهمة والخطيرة، فيما انضم نائب رئيس التحرير «ستيوارت ميلر» إلى المناقشة، وقد تم الإتفاق بأنه يتوجّب على الهيأة أن تقابل المصدر الذي يمدّها بهذه الوثائق الخطيرة لكي تحبك قصّتها وفقا لمصدر معتمد. لوّح «غرينوالد» بقبوله السفر ل16 ساعة في اتجاه هونغ كونغ برفقة «لورا» لوحدهما في اليوم الموالي لهذا الإجتماع، إلاّ أن «غبيسون» أمرت باصطحاب طرف ثالث في الفريق وهو المراسل المخضرم لجريدة «الغاريان» بواشنطن «لوين ماك إسكين»، وهو اسكوتلاندي في ربيعه ال61 عرف بتغطياته السياسية ذو الخبرة المهنية الرزينة، حيث كان يحضى بمحبة فئة كبيرة من الناس، بالإضافة إلى كونه صحفياّ متعقّلا. استاءت «لورا» بشكل كبير، لأن الطرف الثالث الذي بعث قد يريب «سنودن»، فبدأت تصر على أن تذهب بصحبة «غرينوالد» لوحدهما، إلا أن «غبيسون» كانت لديها رؤية مخالفة للأمور. على أيّة حال انطلق الفريق المكوّن من «غرينوالد» و «لورا» و «إسكين» رحلته من مطار جون كينيدي، حيث جلست «لورا» في مؤخرة الطائرة. كانت «لورا» تصرف مصاريف رحلتها من مالها الخاص، أما «إسكين» و «غرينوالد» فقد تحملت جريدة الغارديان مصاريف رحلتهما، حيث حجز لهما في الدرجة الإقتصادية الأولى. بمجرّد إقلاع الرحلة «سي إكس 831 «التي كانوا على متنها، وبعد فكّ حزام الأمان شعر الجميع بنشوة تحرريّة وهم في الأجواء بدون هواتف أو أنترنيت. قامت «لورا» من مقعدها وجلبت معها الهديّة التي طالما انتظرها «غرينوالد»، والتي كانت عبارة عن مفتاح وصل رقمي «يو إس بي» (USB) كان به مجموعة من البيانات السرية التي قام سنودن بإرسالها سراّ إلى «لورا»، وقد احتوت على أعداد كبيرة من الوثائق أكثر من المرّة السابقة بكثير، بحوالي 3000 أو 4000 بند استخباراتي. صرّح «غرنوالد» أنه انشغل بتفحص الوثائق طوال الرحلة قائلا: « لم أرفع بصري عن شاشة حاسوبي ولو لثانية واحدة، بينما ظل الأدرينالين يتدفّق عبر جسدي»، في تلك الأثناء ظلت «لورا» تتردّد على مقعد «غرينوالد»، وهي ترسم ابتسامة على وجهها، ومن حين لآخر كانا الإثنان يتمازحان ويضحكان بنشوة الإثارة التي غمرتهما على مسمع من جميع ركّاب الطائرة. أول لقاء حدّد أوّل لقاء في فندق «ميرا كولون»، وهو مبنى حديث وأنيق بالمنطقة السياحية لهونغ كونغ. عزم كل «غرينوالد» و «لورا» على لقاء سنودن في زاوية هادئة برحاب الفندق بجانب تمساح بلاستيكي عملاق، فيما بدأ الإثنان في ترقب مصدرهما، والذي أخبرهما أنه سيكون حاملا بيده مكعب الروبيك. كان كل ما يعرفه «غرينوالد» عن سنودن هو أنه عميل استخباراتي متمرّس، وقد قال عن ذلك: «ظننت أنه سيكون رجلا مكتبياّ بشكل كبير، ذو سترة زرقاء بأزرار ذهبية براّقة وشعر رمادي وحذاء أسود رفيع ونظّارات وربطة عنق، وقد بلغ عقده السادس. ربّما سيكون هو مدير قاعدة «السي آي إي «(CIA) بهونغ كونغ». وصل الإثنان إلى المكان المقصود في الفندق عند الزاوية بجانب التمساح العملاق، جلسا وانتظرا إلاّ أن شيء لم يحدث. غريب أن المصدر لم يظهر! حبكا خطّة مفادها أن عليهما المغادرة والرجوع لاحقا خلال نفس الصبيحة، وذلك ما فعلاه بالفعل، حيث عادا مجدّدا إلى نفس المكان لينتظرا قدوم الوافد الجديد. ثم بعد برهة ظهر لهما- غير معقول- لقد كان شاباّ نحيفا مغزول الأطراف، يبدو عليه التوتر وهو يرتدي قميصا بلون أبيض وسروال «جينز»، ويحمل مكعب روبيك في يده اليمنى، لابد وأن في الأمر خطأ ما. إن كان هو مصدرنا بالفعل فقد أرسل لنا كلمة سريّة حتّى نتعرّف عليه. استطرد «غرينوالد» : في أي وقت يفتح المطعم ؟ فردّ الشاب : عند الزوال، ولكن لا تذهب فالأطعمة هناك رديئة. بعد ذلك، قال سنودن بكل بساطة: «اتبعاني». سار الثلاثة بصمت في اتجاه المصعد، نزل الجميع في الطابق الأول، وتبعا رجل المكعب إلى الغرفة رقم 1014، حيث بدأ «غرينوالد» بالتساؤل في ذهنه، «ربّما يكون ابن المصدر أو أحد مساعديه، وإن لم يكن كذلك فكل ماقمنا به هو مجرّد خدعة ومضيعة للوقت». إلا أن سنودن أخبرهم بقصّته خلال اليوم بكامله، لقد تمكن من الولوج إلى عشرات الآلاف من المستندات السرية التي أخذت من وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) ونظيرتها جهاز الإستخبارات البريطاني (GCHQ)، حيث كان معظمها مختوما بختم «سري للغاية» (Top Secret) ، وقد أشار سنودن أنه أكبر تسريب في تاريخ الإستخبارات. أمطر «غرينوالد» سنودن بوابل من الأسئلة، فقد كانت مصداقيته على المحك، فإن كان سنودن صادقا في كلامه، قد تداهمنا أحد فرق التدخل السريع في أية لحظة. عندما أجابه «سنودن» على أسئلته كلها، بدأ الإثنان يتأكّدان على أنه محق، وأن الأمر بات واقعا حقيقياّ، بالإضافة إلى أن الأسباب التي دفعته بأن يصير مسرّبا كانت جد مقنعة كذلك، حيث أخبرهما بأن وكالة الأمن القومي بإمكانها أن تؤذي «أي شخص» تريد، انطلاقا من الرئيس وغيره. أشار سنودن أنه يفترض نظريا أن وكالة الأمن القومي تتجسس على أهداف أجنبية، أما تطبيقيا فقد كان الأمر مزحة، فقد أخبر سنودن «غرينوالد»، أن الوكالة تجمع بيانات عن الملايين من الأمريكيين، تشمل العديد من الرسائل الإلكترونية، تستولي عليها بطرق غير شرعية وبدون موافقة أصحابها، وهم يبنون ذلك على التنصت والتجسس على الحياة الشخصية للأفراد، مستهدفين بذلك الأصدقاء والأحباء والمقربين. أمريكا تعترض سائر المكالمات لقد ثبتت وكالة االأمن القومي آليات رقمية على كل «الكابلات» التي تجوب العالم من تحت البحار، مما يخولهم من اعتراض سائر المكالمات الهاتفية والإتصالات على مستوى العالم، بالإضافة إلى أن المحاكم السرية فوّضت شركات الإتصال بأن تمد للوكالة كل البيانات التي تحتاجها، وقد أشار سنودن إلى أن جميع شركات الأنترنيت العملاقة متورطة في الموضوع، بما فيها «غوغل» و «مايكروسفت» و «فايس بوك» و «الأيبل»، فوكالة الأمن القومي لديها كل ما يلزمها لولوج الخوادم الرقمية للشركات العملاقة خلال كل وقت. سنودن أخبر غرينوالد : «إنهم يسجلون كل شيء أقوله، وكل شيء أفعله، وأي أحد أتحدّث معه، حتى تعابير الصداقة والحب فهي تسجّل». وافق سنودن على لقاء الصحفي «ماك إسكيل» في صبيحة اليوم الموالي. بعد تبادل التحية، أخرج «إسكيل» هاتفه «الآيفون» وسأل «سنودن» إن كان بإمكانه تسجيل محاورتهما، أو ربما التقاط بعض الصور، ليجيبه سنودن برفع يده مذعورا. قال «إسكيل» عن تلك اللحظة: «لقد بدا الأمر وكأنني أخبرته أنني سأقوم بنداء الوكالة حتّى تقبض عليه»، ليفسّر له الشاب المعلوماتي أن وكالة الأمن القومي تستطيع أن تحول الهاتف إلى جهاز تسجيل كما أخبره أن إحضار «الآيفون» هو غلطة بحدّ ذاتها، مما دفع ب «إسكيل» إلى طرح هاتفه بعيدا. كانت الإحتياطات الأمنية لسنودن منتشرة بشكل ملاحظ، فقد دكّس وسائد من تحت الباب حتى تمنع أي أحد من التنصت بالخارج عبر الممر، وعندما كان يريد رقن كلمة السر على حاسوبه الشخصي، يقوم بوضع غطاء أحمر على رأسه ومن فوق حاسوبه، حتّى لا تتمكن أي عين أو كاميرا سرية من التقاط شفرته، وعندما هم سنودن بمغادرة الغرفة لثلاث مرّات، كان يقوم بوضع كوب من الماء وأوراق تجفيف مميزة من وراء الباب، لكي يعلم إن دخل أحدهم الغرفة. طلب «إسكيل» من «سنودن» بتقديم فكرة عن مدى دور ابريطانيا في عملية تجميع البيانات الهائلة هذه. ليخبره سنودن أن جهاز ال «GCHQ» أسوء عملا من وكالة الأمن القومي، ثم أضاف: «إنها أكثر تطفّلا». أين اختفى العميل؟ في اليوم التالي الذي صادف الأربعاء 5 يونيو، مكث «سنودن» بمكانه في فندق «ميرا» بالهونغ كونغ، كان هذا هو الخبر السار، أما الخبر السيء، أنه تم رصد غياب «سنودن» عن العمل، حيث كانت الشرطة الفيدرالية وعملاء وكالة الأمن القومي يتحدّثون مع صديقته «ليندسي ميلز» بمنزلهما بهاواي، وهو إجراء روتيني يقومون به عندما يختفي أحد العملاء، وقد قال سنودن عن المسألة «إن ما يؤرق مضجعي هو أن والدي لا يعلمان ماذا يحدث، أكبر مخاوفي هو أن يتم متابعة أقربائي وأصدقائي». لم تتمكن وكالة الأمن والمخابرات الأمريكية من العثور على إدوارد سنودن حتّى الآن، ليبقى ذلك أكبر الجوانب المحيّرة في القضية. لماذا لم تتمكن السلطات الأمريكية من توقيفه في وقت باكر؟ لقد كان بإمكانهم بكل بساطة من أن يتتبعوا آثاره، وسيعرفون بسرعة أنه سافر إلى الهونغ كونغ، وهو يمكث في فندق «الميرا» لقاء 330 دولار في الليلة، وقد كان يدفعها ببطاقته الإئتمانية الخاصة كأي شخص عادي. خلال ذلك المساء قام «غرينوالد» بسرعة فائقة بتحرير قصّة، كاشفا عن فضيحة الأعمال التجسسية لوكالة الأمن القومي في جمعها للمعلومات والبيانات الخاصة في الولاياتالمتحدة على مدى واسع، وعبر تفويض من شركات الأنترنيت العملاقة. اتفق «غرينوالد» على العمل على حاسوبه الخاص، ثم لينقل مادّته عبر مفتاح التوصيل (USB) إلى حاسوب «إسكيل» والذي سيقوم بتحرير القصة ونقل مقالاتها إلى «بطاقة حفظ المعلومات»، مما سيحول دون نقل أي شيء عبر الأنترنيت. فيما صاغت «غبسن» رئيسة تحرير جريدة الغارديان بواشطن خطّة متأنية لنشر القصّة الأولى، وقد اتخذت ثلاثة عناصر أساسية: طلب المشورة القانونية، وضع استراتيجية حول مدى إمكانية الإقتراب من البيت الأبيض، والحصول على نسخة معتمدة من ملخص تقارير هونغ كونغ. تسارعت الأحداث بسرعة وأطلقت الغارديان قصّة مفادها بأن العميل إدوارد سنودن هو حقيقة أكيدة، فيما قرّرت «غبسن» إعطاء وكالة الأمن القومي نافذة للرد لأربع ساعات حتّى تتمكن من إنكار القصّة، ووفقا للمعايير البريطانية فقد أعطيت للحكومة مدّة كافية شملت إجراء القليل من الإتصالات والتوضيحات فقط. أما بالنسبة للولايات المتحدة التي تعرف تجمع حشود من الصحفيين، حيث سافر رئيس تحرير الغارديان- لندن «آلان روس برايدج» ضمن الرحلة المقبلة إلى نحو نيويورك لحضور المؤتمر الكبير الذي عقدته الغرديان الأمريكية مع أعضاء من الحكومة الأمريكية. أرسل البيت الأبيض نخبة من مسؤوليه الكبار من وزارة الدفاع ومكتب التحقيقات الفيدرالية ومركزالإستخبارات وعدّة شخصيات سياسية وقانونية لحضور المؤتمر الصحفي الذي تم عقده مع صحيفة الغارديان، والذي مثله كلّ من «ميلر» و «غبسن». حاول البيت الأبيض من جانبه إحباط انطلاق المؤتمر الصحفي بدعوى غياب «برايدج»، إلاّ أن «غبسن» قالت بأن رئيس التحرير هو في منتصف طريقه جواّ عبر المحيط الأطلسي، ثم أكدّت بأنها المسؤولة عن الأمور، وبعد 20 دقيقة من المحادثات لم يتوصّل الطرفان إلى أي تسوية، حيث اتضح تنافرهما، وعلا صخب صوت الغضب في أرجاء القاعة، إلى أن صرخ أحد أعضاء الحكومة بصوت قوي: « لا يجب عليكم أن تنشروا هذا، ما من وكالة أخبار جادّة ستقوم بنشره»، لتجيبه «غبسن»: مع احترامي نحن من نتخذ قرارات ما ننشر. وبعد تمام السابعة مساء بدقائق، تقدّمت الغارديان الأمريكية وأطلقت الخبر. في تلك الليلة شهد محيط مقر الجريدة أجواء غامضة ومجموعة من الأحداث المحبوكة بكفاءة. تقدمت الجرافات لتمزّق الرصيف من أمام المبنى مباشرة، كما أتوا بها إلى جوار بيت «غبسن». قرّر سنودن في تلك المرحلة أن يظهر للرأي العام، وقد صوّرت «لورا» محاورة ل «غرينوالد» مع «سنودن» مدّتها 12 دقيقة. توصل مكتب الجريدة بنيويورك بالشريط للتو، وقد كان ذلك يوم الأحد من 9 يونيو. ثم في تمام الساعة 3 زوالا أطلقت «الغارديان» مقطع الفيديو لسنودن، وقد كان الأمر كالقنبلة فجّرتها كلّ من وكالات الأنباء العالمية، حيث أصبح «سنودن» على شاشات كل بقاع الأرض. كان الوقت 3 صباحا عندما وصل الخبر إلى الهونغ كونغ عبر الأنترنيت. وقد كان أكثر القصص متابعة في تاريخ صحيفة الغارديان. لقد أمسى «سنودن» أكبر المطلوبين على وجه الكوكب. وبالفعل، فقد بدأت المطارة عبر الميدان، خصوصا وقد لوحظ أن «غرينوالد» يقول في عدّة حوارات تلفزية له مع شبكة «السي إن إن» تعليقه حول «هونغ كونغ»، مما أوحى بفكرة كبيرة عن المكان الذي قد يتواجد به «سنودن». في حين درس الكثير من الصحفيين الصينيين والمحللين بعض العلامات التي تضمنها الفيديو، وقد عرفوا أن الحوار أجري في فندق «الميرا» بهونغ كونغ. ثم بعد ذلك اختفى سنودن عن الأنظار. عن «الغارديان»