قد يكون العنوان مستفزا بالنسبة للبعض، لكنه في الحقيقة مجرد تعبير عن مظهر من مظاهر الانزعاج العام الناجم عن وضعية تنم عن التطبيع مع عدم احترام القانون. على أية حال، يستحق السؤال أن يطرح في سياق تربوي يتميز بواقع غير مسبوق في تاريخ المغرب، يتسم بمنظومة تربوية يحكمها قانون إطار، تم تبنيه بعد 4 سنوات من الولادة الصعبة لكن المرحب بها للمرجعية التي أنتجته، أي الرؤية الاستراتيجية 2015-2030. لقد رفع هذا القانون الذي طال انتظاره من سقف التوقعات لدى أمة بأكملها إلى حد كبير، لدرجة أن كل تعثر في تطبيقه قد يؤدي إلى سقوط مدو من شأنه أن يتسبب في كارثة متعددة الأبعاد. بعد ثلاث سنوات من إصداره ونشره في الجريدة الرسمية، فإن القانون الإطار رقم 51-17 المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، لم يجد طريقه بعد إلى التطبيق في المدرسة المغربية. إن الحكومة مطالبة، وفقًا لأحكام القانون الإطار نفسه، أن تضع برمجة زمنية محددة في ثلاث سنوات لإعداد النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لتطبيقه وعرضها على مسطرة المصادقة. ومع ذلك، فإن هذا المطلب، المنصوص عليه بوضوح في المادة 59 من القانون المذكور، يتم تجنبه من قبل الحكومة الحالية، والتي لم تضع حتى الآن في مسطرة المصادقة أي نص تشريعي أو تنظيمي من مجموع الترسانة القانونية المقدرة ب 81 وثيقة من قبل الحكومة السابقة، والتي تمكنت من إخراج خمسة منها، على شكل مراسيم. ما الذي يمكن إذا أن نقوله عن وزارة التربية الوطنية التي لم تظهر أية علامة على تطبيق نص رئيسي من نصوص القانون الإطار على بعد شهرين فقط من تاريخ استحقاقه؟ هل هو ضغط التدبير اليومي أم أنه اختيار استراتيجي؟ قد تفسر الفرضية الأولى هذا التأخير المثير للقلق في تطبيق القانون الإطار، وخاصة في سياق يتميز بتولي طاقم وزاري جديد لزمام الأمور في الوزارة يحتاج بالضرورة إلى ما يكفي من الوقت لفهم منظومة مركبة وشديدة التعقيد كما هو حال المنظومة التربوية، التي تعاني فوق ذلك من علل كثيرة قادرة على ممارسة ضغط هائل على المسؤولين، وخاصة غير المتمرسين منهم بمجال التربية. يفرض عادة مثل هذا الضغط الرهيب تفضيل المقاربة الاستعجالية على المقاربة الاستراتيجية، وبالتالي إهمال القانون الإطار ولو لبعض الوقت. لذلك تظل هذه الفرضية معقولة ولكنها لا تدحض الثانية تمامًا. في الواقع، إن شعور الوزارة بأنها مكلفة بمهمة تنفيذ النموذج التنموي الجديد، أكثر من أي شيء آخر، يجعلها غير قادرة على التخلص من الرؤية التي بلورها النموذج حول مستقبل المدرسة بحلول عام 2035، وهي رؤية برغماتية بالتأكيد ولكنها كانت ضحية للتصور الذي أنجبها. وهو تصور اعتبر القانون الإطار المرجعية العليا لأي إصلاح تعليمي حالي أو مستقبلي، الشيء الذي حصر مساهمة النموذج في قضية التعليم في الدور التكميلي وليس الجوهري. هذا ما يفسر سبب امتناع النموذج التنموي عن تقديم جميع المقترحات اللازمة لتحقيق النهضة التربوية التي وضعها بمثابة هدف للمغرب لعام 2035، وبالتالي الاكتفاء بالتركيز على المحددات الأساسية لجودة التعليم، وذلك لاقتناعه بأن الرؤية الإستراتيجية لعام 2030 قد اعتمدت مقاربة أكثر شمولية للموضوع. وبعبارة أخرى، لم يعمل النموذج التنموي إلا على جذب الانتباه إلى ما اعتبره من الأولويات في الرؤية الاستراتيجية دون إهمال توجهاتها الأخرى التي لا تزال حاسمة في نجاح الإصلاح. إن التغاضي عن هذا الاعتبار الجوهري، جعل أولئك الذين يتحدثون اليوم عن النهضة التربوية مع محاولة قطع الحبل السري بالقانون الإطار يرتكبون خطأ مفاهيميًا خطيرًا من شأنه أن يخاطر بإصلاح كامل، خاصة إذا تم تأكيد فرضية الاختيار الاستراتيجي. نأمل أن يكون فقط الحماس الزائد هو الذي دفع البعض إلى تبني مثل هذا الموقف لدرجة الإقرار بفشل الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار معا، كما نقرأ على المنصة المخصصة للمشاورات الوطنية حول تجويد المدرسة المغربية (https://www.madrastna.ma/ar-MA/pages/constat)، لكن علامات أخرى ما تفتأ تثير المزيد من القلق. تكمن العلامة الأولى في غياب أية إشارة لا إلى الرؤية الاستراتيجية ولا إلى القانون الإطار في البرنامج الحكومي 2021-2026، في حين يشير كل شيء يتعلق بالتعليم في هذا البرنامج إلى النموذج التنموي الجديد. ترتبط العلامة الثانية بتحديد رسوم التمدرس في التعليم الخاص، فقد أشار وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، السيد شكيب بنموسى، خلال جلسة للأسئلة الشفوية في مجلس النواب إلى أن القانون رقم 06.00 الذي يتعلق بالتعليم المدرسي الخصوصي لا يسمح لإدارته بالتدخل في تحديد رسوم الدراسة المطبقة في المدارس الخاصة، في حين أن القانون الإطار واضح في هذا الصدد. فالمادة 14 منه تنص على أنه يجب على الحكومة " تحديد ومراجعة رسوم التسجيل والدراسة والتأمين والخدمات ذات الصلة بمؤسسات التربية والتعليم والتكوين الخاصة وفق معايير تحدد بمرسوم ". وإذا كان صحيحا أن القانون 06.00 لا يسمح في صيغته الحالية باحترام هذا الشرط الوارد بوضوح في القانون الإطار، فيكفي تعديله بحيث يصبح متوافقًا مع هذا الأخير الذي يعتبر مهيمنا عليه من حيث التراتبية القانونية. إذا لم يكن ممكنا حتى اتخاذ هذه الخطوة الصغيرة، فسيكون من الصعب تخيل أن تجد المادة 13 من القانون الإطار طريقها إلى التطبيق، وهي التي تنص على أن "تحدد بنص تنظيمي، شروط ونسبة مساهمة مؤسسات التربية والتعليم والتكوين التابعة للقطاع الخاص في تقديم خدماتها بالمجان لأبناء الأسر المعوزة وللأشخاص في وضعية إعاقة وكذا الموجودين في وضعية خاصة". تتعلق العلامة الثالثة باللجنة الوطنية لتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، التي تم إحداثها لتكون تحت إشراف رئيس الحكومة، وتضطلع من بين أمور أخرى، بحصر مجموع الإجراءات والتدابير اللازم اتخاذها لتطبيق القانون الإطار، ومواكبة وتتبع إعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية التي يستلزمها التطبيق الكامل لمقتضياته، وتتبع تنفيذ الأهداف المنصوص عليها في القانون الإطار داخل الآجال القانونية المحددة لها (المادة 57). من الواضح أن اللجنة المذكورة لم تجتمع بعد منذ تولي الحكومة الحالية مسؤولية تدبير الشأن العام ببلادنا، كما لو أنها بذلك تقدم الدليل الملموس على أنه لا شيء يتحرك على مستوى القانون الإطار. عندما نعلم أن الآجال المنصوص عليها في القانون الإطار تعتبر آجالا كاملة، وتحتسب ابتداء من تاريخ دخول النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لتطبيقه حيز التنفيذ (المادة 58)، لا يمكننا إلا أن نرجح بأن طريقة تعامل الحكومة مع القانون الإطار ربما تستجيب لاستراتيجية مدروسة. تقتضي هذه الأخيرة التركيز على محور الفعل التربوي الذي يتشكل من ثلاثية المتعلم والمدرس والمدرسة، والتي هي موضوع المشاورات الحالية، مع ترك محوري التدبير واللوجستيك والدعم إلى وقت لاحق. استراتيجية من شأنها تعبئة الفاعلين وفي الوقت نفسه لا يتطلب تنفيذها نصوصا تشريعية وتنظيمية جديدة، وطالما لم يتم إنتاج هذه النصوص فإن المواعيد التي وضعها القانون الإطار تبقى غير ملزمة. إنها استراتيجية ذكية ولكنها لا توفر حلاً للمشكلة الأولية، أي ما يتعلق بأجل 3 سنوات المحدد بموجب القانون الإطار لبلورة النصوص التشريعية والتنظيمية اللازمة لتطبيقه. عدم الوفاء بهذا الشرط الأساسي قد يضع وزارة التربية الوطنية في وضع شبيه بمن هو خارج عن القانون، وهو وضع لا نعتقد أنه مرغوب فيه من أي أحد.