تعد الأسئلة البرلمانية الشفهية إحدى أهم الآليات الرقابية الدستورية التقليدية الأكثر شيوعا من حيث تفعيلها والإقبال عليها من لدن أعضاء البرلمان لمتابعة العمل الحكومي. وتبعا لغياب تعريف دستوري وقانوني لمفهوم الأسئلة البرلمانية بصفة عامة وصعوبة الإقرار بوجود تعريف فقهي جامع وموحد لها، يمكن تعريفها بأنها: حق أعضاء البرلمان في تقديم استفسارات أو طلب توضيحات أو معلومات حول موضوع معين من الوزراء المعنيين في إطار السياسات الخاصة القطاعية أو من رئيس الحكومة في إطار السياسة العامة. ويهدف هذا المقال إلى الإسهام في إغناء النقاش الموازي لورش مراجعة النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان وما يقتضيه التتبع الموضوعي للشأن البرلماني، وذلك في سياق استمرارية إثارة موضوع حضور الوزراء لجلسات الأسئلة الشفهية، وانسجاما مع ضرورة مواصلة بذل مجهود إبداعي للارتقاء بمستوى النقاش البرلماني الحكومي وتكريس صورة إيجابية عن هذه الجلسات وتفاعلها المنتج مع قضايا المجتمع ، لتصبح بديلا للصورة السلبية التي يغديها في كثير من الأحيان الإحساس بالروتين والملل والتكرار بمناسبة متابعتها كليا أو جزئيا. وسنحاول عرض شروط الأسئلة البرلمانية الشفهية وإثارة التحقق منها وعقلنة تدبيرها الزمني (أولا)، قبل النظر في إشكالية حضور الوزراء لجلساتها الأسبوعية (ثانيا). أولا: شروط الأسئلة البرلمانية الشفهية وتدبيرها الزمني لقد حددت مقتضيات النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان الشروط المطلوبة لتقديم الأسئلة البرلمانية الشفهية كما يلي: 1-تقديمها من لدن أصحابها بشكل مكتوب مع توقيعها؛ 2–تميزها بوحدة الموضوع وصياغتها بوضوح؛ 3- سعيها لخدمة مصلحة عامة وليس مصلحة شخصية أو خاصة وعدم تضمينها ما يفيد توجيه تهم شخصية للوزراء الموجهة إليهم أو مس بكرامة الأشخاص وحرمة المؤسسات أو إضرار بالمصالح العليا للبلاد[1]. بيد أن واقع الممارسة العملية يثير إشكالية تفعيل التحقق من توفر بعض الشروط المذكورة، لاسيما ما يهم وحدة الموضوع وارتباطه بقضية من قضايا الشأن العام المتعلقة بالسياسات الخاصة القطاعية التي يشرف عليها الوزراء في نطاق اختصاصاتهم ومجالات تدخلاتهم. ويتعين الإشارة إلى أن النظام الداخلي لمجلس المستشارين تضمن مقتضى صريح بشأن مسؤولية مكتب المجلس في التحقق من الشروط الضرورية للأسئلة الشفهية قبل اعتمادها[2]، إذ من المفترض أن يتولى إرجاع الأسئلة المعيبة لأصحابها لإعادة صياغتها. كما يسجل خلو النظام الداخلي لمجلس النواب من التنصيص الصريح على المقتضى المذكور، مما قد يستوجب استدراكه في المراجعة المرتقبة. ومن جهة أخرى، فإن النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان يشتركان في التنصيص على إمكانية تحويل الأسئلة الشفهية التي تكتسي طابعا محليا إلى أسئلة كتابية، شريطة موافقة أصحابها، علما أنه بالنسبة لمجلس النواب يعتبر عدم اعتراض المعنيين بالأسئلة الشفهية على ذلك داخل أجل ثمانية (08) أيام بمثابة موافقة ضمنية على التحويل المذكور[3]. وحيث إن الناظر في خصوصية الجلسات الأسبوعية في ضوء استقراء واقعها العملي، لابد أن يستنتج ضرورة تجويد منهجية تدبيرها الزمني والسياسي وتحقيق الإعداد الملائم لها، لتصبح بالفعل موعدا دستوريا أسبوعيا لإثراء النقاش البرلماني العمومي حول قضايا حقيقة تكتسي طابعا وطنيا محفزا للمتابعة. ويقتضي ذلك النظر في عدم جدوى الارتفاع المتزايد في عدد الأسئلة الشفهية الموجهة للقطاعات الحكومية، والتي قد لا تخضع لمراقبة وتصفية قبلية تحقق ملاءمتها مع الشروط الضرورية، لا سيما إذا علمنا استحالة استثمار جميع الأسئلة المطروحة في برمجة أشغال الجلسات الأسبوعية المحدودة من حيث تحقق حالات انعقادها ومن حيث تقيد توزيع نطاقها الزمني بقاعدة التمثيل النسبي للفرق والمجموعات النيابية. ففي نطاق المثال الإجمالي العام،نجد أن البرلمان بمجلسيه تمكن من برمجة 5186 سؤالا شفهيا فقط من أصل 22685 سؤالا شفهيا، أي بما نسبته لم تتجاوز الربع (22.86 %) من رصيد الأسئلة الشفهية الموجهة خلال الولاية التشريعية العاشرة، كما برمج فقط 5679 سؤالا شفهيا من أصل 14337 سؤالا شفهيا، أي بما نسبته 39.6 % برسم الولاية التشريعية التاسعة. وإذا كان اقتران المعيار الكمي بطبيعة الأسئلة الكتابية له علته على كل حال، فإن عقلنة نظام الأسئلة الشفهية الأسبوعية يقتضي ترجيح المعيار النوعي المنسجم مع الطابع العمومي لجلساتها، إذ يتعين بذل مزيد من الجهد لعقلنة النقاش البرلماني في إطارها، بما يجعل غرضها الأساسي متعلق بإثارة مواضيع نوعية تحظى باهتمام ومتابعة الرأي العام، في إطار زمني معقول، يتحقق من خلاله تجاوز نظام التدبير الحالي للجلسات الأسبوعية التي تستغرق كل واحدة منها في غالب الأحيان أكثر من ساعتين وتكرس الشح الزمني في طرح الأسئلة والإجابة عنها، حيث يحدد مكتب مجلس النواب غلاف زمني للجلسة قد تصل مدته إلى ثلاث (03) ساعات وقد يتم عمليا تجاوز هذه المدة[4]، كما أن الفرق والمجموعات النيابية لها حرية مطلقة في توزيع نصيبها الزمني وتحديد المدة المخصصة لكل سؤال من أسئلتها، ولو دقيقة واحدة فقط للسؤال[5]، بما بقيد الوزير المعني بالإجابة في نفس المدة. أما بمجلس المستشارين، فإن الغلاف الزمني الأقصى للجلسة هو ساعتين ونصف[6]،والمدة المخصصة لكل سؤال هي ثلاث (03) دقائق لعرض السؤال والتعقيب على الجواب، مقابل ثلاث دقائق للجواب على السؤال والرد على التعقيب[7]. وقد يكون من الإنصاف ترجيح استثمار الاستفادة من نموذج نظام الأسئلة الشفهية المحورية التي تليها مناقشة، كما جرى العمل به خلال الفترات الأولى من حالة الطوارئ الصحية وفي غالبية جلسات الدورة الأولى من السنة التشريعية الجارية، مع تجنب اعتماد نفس محاور المناقشة في مجلسي البرلمان خلال فترات متقاربة تجنبا للتكرار و"الاستنساخ الكلامي". كما يتعين الاعتراف بضرورة تقدير النجاعة المطلوبة في برمجة القطاعات الحكومية تبعا لرصيد الأسئلة الشفهية الموجهة لها، بما هو مؤشر مهم يعكس تفاوت الطلب البرلماني وأولوياته في ترجيح مواضيع المساءلة البرلمانية. ومن باب الاستناد على بعض المؤشرات الدالة لإثارة هذه الملاحظة، يكفي الرجوع إلى إحصائيات التفاوت البارز في عدد الأسئلة الشفهية المتبقية حسب القطاعات الحكومية برسم الولاية التشريعية الحالية إلى غاية افتتاح دورة أبريل 2022، حيث نستنتج خلاصة وجود توجه مشترك لأعضاء مجلسي البرلمان من حيث تزايد الطلب على مساءلة ستة (06) قطاعات حكومية كأولويات. وتتعلق ب: التربية الوطنية والتعليم الأولى والرياضة، الصحة والحماية الاجتماعية، الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، الاقتصاد والمالية، التجهيز والماء، والداخلية. كما يبرز رصيد الأسئلة الشفهية الموجهة إلى خمسة (05) قطاعات حكومية ضعف الحماس البرلماني في مساءلتها الأسبوعية، وتهم: الأوقاف والشؤون الإسلامية، والعدل، والوزارات المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة وبالعلاقات مع البرلمان وبالاستثمار والالتقائية وتقييم السياسات العمومية. أما باقي القطاعات الحكومية المعنية فيمكن ملاحظة الطلب المتوسط والعادي على مساءلتها، علما أن واقع الحال لا يخفي استمرارية هاجس متجدد لأعضاء البرلمان حول حضور الوزراء وتفاعلهم مع الأسئلة الشفهية. ثانيا: حضور الوزراء لجلسات الأسئلة الشفهية الأسبوعية باستثناء التقدير الموضوعي للآثار الاعتيادية لظاهرة الاحتجاج البرلماني على عدم حضور الوزراء لجلسات الأسئلة الشفهية الأسبوعية، لاسيما من حيث إحراج الحكومة أمام الرأي العام، قد يكون من الملائم لفت النظر في هذا المقال إلى أن تكرار الاحتجاج كما يتم من خلال نقط نظام في بداية الجلسات، يثير من زاوية انتقادية له تكريس سلوك برلماني عرفي غير دستوري في سنده، بما أصبح يؤول في النتيجة إلى تكريس تعلق البرمجة الأسبوعية للأسئلة الشفهية بالإرادة المنفردة للوزراء وتعبيرهم الحر عن جاهزيتهم للحضور في الموعد الذي يرونه مناسبا لهم ولتدبير أنشطتهم ومواعيدهم، والحال أن البرمجة المذكورة تعد شأنا برلمانيا خالصا بالنسبة للأسئلة الشفهية العادية التي تجاوزت الأجل الدستوري المحدد لفتح المجال لإمكانية إدراجها في جدول أعمال البرلمان (20 يوما). ففي حالة غياب الوزراء المعنيين بأسئلتهم الشفهية وعدم تكليفهم من ينوب عنهم من الوزراء لتقديم أجوبتهم إذا تمت برمجتها يمكن لأصحابها تقدير تأجيلها إلى جلسة موالية، قد يتحقق فيها حضور الوزراء المعنيين بالجواب عليها، أو تفعيل حقهم في التشبث بتقديمها في نفس الجلسة التي يتضمنها جدول أعمالها وفي حدود التوقيت الزمني المخصص لذلك، مما يشكل فرصة مواتية لإثارة مواضيع تلك الأسئلة أمام الرأي العام ولإحراج الوزراء المعنيين بشكل مباشر في جلسة دستورية رقابية يفترض أن تحظى بأولوية خاصة في أجندة الأنشطة والمواعيد الوزارية وبنفس درجة حماس وجاهزية التجاوب مع الجلسات التشريعية التي تخصص لدراسة مشاريع القوانين التي يقدمونها خلالها . وحيث إن تنصيص أحكام الدستور على أن للوزراء أن يحضروا جلسات كلا المجلسين بالبرلمان[8]، ومن بينها تلك المتعلقة بالأسئلة الشفهية الأسبوعية، وأن الحكومة تدلي بالجواب خلال العشرين يوما الموالية لإحالة الأسئلة عليها[9]، لا يدل على الإجبارية الدستورية التي يمكن أن تسعف أعضاء البرلمان، عند الاقتضاء، في اللجوء المتكرر لإثارة عدم حضور الوزراء. ومن أوجه دليل عدم الإجبارية انعدام ترتيب أي أثر دستوري أو قانوني مباشر لحالات عدم حضورهم، مع إضافة ثبوت دستورية الحالات التي لا تعلن فيه الحكومة استعدادها للجواب مقابل تكريس الحق البرلماني في برمجة الأسئلة الشفهية التي انصرم أجلها الدستوري ضمن أشغال الجلسات الأسبوعية وذلك انسجاما مع مقتضى مادة من النظام الداخلي قضت المحكمة الدستورية بمطابقتها للدستور[10]. وحيث إن جهة القضاء الدستوري المختص من جهة أخرى استبعدت أي إمكانية لنظرها في جميع النزاعات والنقاشات التي يمكن تنشأ حول تطبيق أحكام الدستور المتعلقة بالأسئلة التي يطرحها أعضاء البرلمان على الحكومة[11]؛ فإنه يتعين التأكيد على أن تكريس الحق الدستوري لحضور الوزراء إنما يندرج ضمن "المقتضيات المؤسسة للتعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية"، كما ورد ذكره في اجتهاد سابق للقضاء الدستوري[12]. مما يجعل الحرص على التفعيل المستمر لحضور الوزراء أولى لبنات تجسيد علاقات الحوار الدائم والتعاون الوثيق والمتوازن بين الحكومة والبرلمان وتفادي "الإحراج السياسي والإعلامي". لنصل إلى خلاصة إرجاع المسؤولية العملية للبرلمان وأعضائه في برمجة الأسئلة الشفهية الأسبوعية، بما يثير حقهم وحريتهم في تفعيل خيار إدراج الأسئلة الشفهية الموجهة للوزراء المطلوب حضورهم في جدول أعمال الجلسات. الأمر الدي يتعين معه ملاحظة أن الحالات التي تعد مبررا لعدم حضور الجلسات لم يتم تقنينها إلا فيما يخص أعضاء البرلمان، بموجب النظام الداخلي، وقد يكون من الأرجح إثارة الدفع في تقنينها بالنسبة للوزراء بموجب تعديل للمادة 24 من القانوني التنظيمي رقم 065.13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والتي تنص على مشاركة أعضاء الحكومة في جلسات تقديم أجوبة الحكومة على أسئلة النواب والمستشارين، لاسيما إذا علمنا أن البرلمان لا يملك حق تقييد الغير بغير موجب سند دستوري وأنه كذلك قد لا يتحقق ولو من احترام الأعراف البرلمانية التي يتم الدفع بها لاعتبار عدم حضور الوزراء معللا بسبب مشاركة في نشاط ملكي أو تواجد خارج التراب الوطني أو بسبب مرض مبرر. وقد يقتضي واجب الإحاطة بزاوية أخرى من زوايا إشكالية حضور الوزراء للجلسات الأسبوعية إثارة الاسترشاد بمبادرة سابقة لمجلس المستشارين قبل الولاية التشريعية الحالية، تتعلق بنشر قوائم تصنيف القطاعات الحكومية وفقا لحضورها وغيابها، بما كان يبرز مجهود الوزراء الأكثر تفاعلا مع المساءلة البرلمانية من جهة والوزراء الأقل تفاعلا معها من جهة أخرى. وبغض النظر عن وجهة نظر عدم استناد الإجراء المحال عليه على أي مقتضى دستوري أو قانوني، فإن تحقيق ديمومته ونجاعته وتثمينه يمكن أن يقنع ذوي القرار البرلماني بأهمية ترجيح أخذه بعين الاعتبار في المراجعة المقبلة للنظامين الداخليين للبرلمان، لأن الهدف الأسمى في نهاية المطاف هو تثمين النقاش العمومي في فضاء مؤسسة دستورية وتعزيز التفاعل الحكومي مع الشأن الرقابي البرلماني خدمة للمصلحة العامة للوطن./. [1] المادة 258 من النظام الداخلي لمجلس النواب والمادة 281 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين. [2] المادة 281 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين. [3] المادة 261 من النظام الداخلي لمجلس النواب والمادة 285 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين. [4] – من الأمثلة في ذلك جلسات 17 يناير 2022 ( ثلاث ساعات وثمان دقائق) و23 دجنبر 2019 (أربع ساعات وعشرون دقيقة) و25 نونبر 2018 (ثلاث ساعات وثلاثون دقيقة). [5] المادة 263 من النظام الداخلي لمجلس النواب. [6] المادة 287 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين. [7] المادة 288 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين. [8] – الفقرة الأولى من الفصل 67 من دستور 2011. [9] – الفقرة الثانية من الفصل 100 من دستور 2011. [10] – المادة 259 من النظام الداخلي لمجلس النواب و المادة 291 من النظام الداخلي لمجلس المستشارين. [11] – قرار المجلس الدستوري رقم 628 بتاريخ 30 غشت 2006. [12] – قرار المجلس الدستوري رقم 606/05 بتاريخ 21 مارس 2005