«تجارة السلاح تعرف إقبالا متزايدا في معظم دول العالم ماعدا المغرب!». هذا ما ذهب إليه تجار السلاح الذين التقتهم «أخبار اليوم» في الدارالبيضاء، التي يوجد فيها أربعة محلات تجارية مخصصة لبيع أصناف عديدة من أسلحة الصيد المرخصة الحديثة والمستعملة وجميع لوازمها. المحلات الموجودة في العاصمة الاقتصادية، وفي باقي المدن المغربية، تخضع لقوانين وإجراءات شديدة الصرامة، بالإضافة إلى التشديد في مسطرة الحصول على رخص حمل السلاح والصيد، والسبب، حسب محمد السعيد، صاحب محل لبيع أسلحة الصيد، راجع إلى الأحداث الإرهابية التي شهدتها البلاد في السنوات الماضية، والأزمة المالية التي عصفت مؤخرا بالحركة التجارية، وكذلك غلاء واجبات التجديد والحصول على الرخص، مشيرا إلى أن الفترة الأكثر رواجا لبيع السلاح في المغرب هي فترة الصيد التي تبدأ في شهر أكتوبر وتستمر إلى غاية دجنبر، أما في باقي شهور السنة «فيكون الإقبال ضعيفا على شراء السلاح، إن لم يكن منعدما»، حسب ما صرح به السعيد. وفي السياق نفسه، أكد السعيد أن والده، الذي ورث منه هذه المهنة، كان يبيع أكثر من 100 بندقية في السنة وأكثر من 90 ألف خرطوشة، أما في الوقت الحلي فقد تراجعت عملية البيع بشكل كبير، وبتراجعها تضاءلت الأرباح، خاصة أن عملية البيع لا تتم إلا بأمر من الدولة والجهات المختصة في ترخيص السلاح.
مسلحو المملكة يقدر عدد المسلحين في المغرب ب65 ألفا و255 شخصا يملكون بنادق صيد بشكل قانوني، وحسب التاجر محمد السعيد، فإن البندقية الإيطالية «بنيلي» تأتي على رأس القائمة، وذلك بالنظر إلى سهولتها الميكانيكية، ولذلك تحتل الصدارة من حيث الإقبال عليها من طرف هواة الصيد البري، ويتراوح ثمنها ما بين 17 و32 ألف درهم. أما باقي أسماء البنادق المتداولة، التي اكتسبت شهرة واسعة عالميا، فهناك «براونينغ»، و«بريتا» المعروفة بجمالية تصميمها وتقنياتها الحديثة، كما أن هناك بندقية «رمنغتون» التي تعتبر من البنادق المشهورة عالميا بخصائصها الفريدة، وهي أمريكية الصنع. وعن الأثمان المعروضة، يوضح السعيد أن أسعار قطع السلاح تتراوح ما بين 10 و80 ألف درهم، وذلك حسب الجودة وطريقة الاستعمال. ويوجد في الدارالبيضاء 4 محلات لبيع الأسلحة وهي: «الخطيب» في درب السلطان، الذي يعتبر أول محل لبيع بنادق الصيد والخراطيش، إضافة إلى محل «سنتيتيان اليهودي»، والحاج فرج الذي يملك محلا في مرس السلطان، ومحل «السعيد رياضة» في درب بنجديا، وكلها محلات تستورد الأسلحة من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وروسيا عن طريق ثلاث شركات هي «فلكوز» الفرنسية الموجودة بالمغرب منذ سنة 1920، و«بيلكوما» المملوكة لصاحبها عزيز التوزاني، وشركة «لاغومبرا».
سلاح مرخص تظل عملية حيازة وحمل السلاح الناري الفردي ممنوعة منعا كليا في المغرب، أما بالنسبة إلى الشخص الذي يرغب في الحصول على رخصة سلاح الصيد بطريقة قانونية، أو ما يصطلح عليه برخصة حمل السلاح الظاهر، فيتوجب عليه، حسب ما صرح به فؤاد (عامل في محل سنتيتيان لبيع أسلحة الصيد، أن يتصل ببائع للأسلحة معتمد، يقوم باختيار السلاح والاتفاق على ثمنه، في أفق استصدار وعد بالبيع، وتكوين ملف يشمل، بالإضافة إلى وعد بالبيع، طلبا محررا على ورق متنبر، ونسخة من شهادة السوابق أو نسخة من السجل العدلي، وأربع صور فوتوغرافية، ونسخة من عقد الازدياد، ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية، وشهادة طبية تثبت سلامة قواه العقلية والجسدية، ودفع رسم جبائي بقيمة 200 درهم، ثم تسليم الملف إلى السلطة المختصة ترابيا، وانتظار أجل 15 يوما لدراسته والبت في طلب الرخصة. وفي حال تعذر الحصول على الخدمة، يجب على المعني بالأمر -يضيف فؤاد- التوجه إلى السلطة الإدارية المحلية المختصة ترابيا أو المديرية العامة للشؤون الداخلية، أو المديرية العامة للأمن الوطني، أو مديرية الاستعلامات العامة والتقنين أو مصالح الدرك الملكي لمعرفة مآل الطلب وأسباب الرفض.
تاريخ دخول السلاح إلى المغرب حسب ما قالته مصادر مقربة من المقاومة الوطنية، فإنه كان يوجد في مدينة الدارالبيضاء، خلال الاستعمار الفرنسي للمغرب، مسدسان قديمان من صنع ألماني، اشتراهما الطبيب عبد الكريم الخطيب من إسبانيا، ومنحهما للجنة الرابعة لخلية الشهيد الزرقطوني. وبعد الاستقلال اتخذ المغرب مجموعة من الإجراءات الصارمة والزجرية في مواجهة حاملي السلاح الناري، حيث نظمت وقننت عملية امتلاك السلاح، ونص المشرع المغربي على أن حمل السلاح بصفة غير قانونية يعرض صاحبه لعقوبات زجرية.
قانون حمل السلاح والمتاجرة فيه دون ترخيص وضع المشرع المغربي عقوبات صارمة في حالة حمل السلاح الناري دون ترخيص من الجهات المختصة. وقد تتراوح العقوبة ما بين 15 و20 سنة سجنا نافذا، حسب مقتضيات قانون العدل العسكري، ويتابع المخالف أمام المحكمة العسكرية الدائمة في الرباط، التي تنظر في جميع قضايا حمل سلاح ناري أو متفجر أو عتاد حربي يمكن أن يشكل خطرا على المجتمع أو الدولة، ما جعل عدد قضايا حمل السلاح والمتاجرة فيه دون ترخيص، المعروضة على المحكمة العسكرية، لا يتجاوز 500 قضية في السنة، وأغلب هذه القضايا يرتبط بحمل سلاح الصيد دون ترخيص، أو القتل الخطأ، وسوء تعامل سكان العالم القروي مع سلاح الصيد، حيث يجهل معظمهم التعامل مع البندقية «الكرابيلا» 9 مليمترات (وهي بندقية عادية مخصصة للهواة) تخضع لترخيص. في المقابل، دخل قانون جديد حيز التنفيذ في دجنبر 2010، يسمح «لحراس الأمن وموظفي شركات نقل الأموال» بحمل السلاح. القانون هو تجديد لظهير يعود تاريخه إلى عام 1941، والذي وضع قيودا لحمل الأسلحة والذخيرة وحيازتها وتخزينها من قبل رجال الأمن وممثلي القانون والنظام. وحسب أحد بائعي السلاح بالبيضاء، فإن الصعوبة الحقيقية تتمثل في تطبيق القانون، إذ يتطلب الأمر استثمارات مهمة في الأسلحة وتدريب الموظفين على حمل السلاح واستخدامه، مؤكدا عدم «وجود أي شركة تعمل في الحراسة والمراقبة تستخدم السلاح في أنشطتها».
قصتي مع استعمال السلاح الخطأ يتذكر حسن زيارته لدوار العاليا ببنسليمان رفقة صديقه الذي يملك ضيعة هناك وهو من هواة القنص. فقرر حسن هو الآخر أن يخوض مغامرة القنص ببندقية صديقه التي كان قد اشتراها حديثا، غير أن ما كان يجهله حسن هو أن القنص ممنوع في الأماكن الآهلة بالناس ويعاقب عليه القانون. لكن حسن أصر على أن يخوض هذه المغامرة/التجربة، متخذا كل الاحتياطات اللازمة. كانت الساعة تشير إلى الواحدة بعد الظهر، وكان الحر قائظا في يوم من أيام شهر غشت، فلمح حسن سربا من الحمام فوق شجرة وارفة الظلال، فصوب بندقيته نحوه فأصاب بعضا منها، ولما حاول في المرة الثانية أخطأ الهدف وأصاب امرأة عجوزا كانت تمر بالصدفة من هناك. «تملكني الخوف -يقول حسن- وظننت في الوهلة الأولى أنني أصبت العجوز في مقتل. ولم تتبدد مخاوفي إلا عندما أخذت تصيح وتستغيث، حينها ركضت نحوها مقدما لها مساعدتي بمعية أبنائها الذين أخذوا يهددوني ويساوموني بمبلغ 10 آلاف درهم، حينها وجدت نفسي مضطرا إلى تقديم المبلغ حتى لا تتطور الأمور وأجد نفسي محاصرا من الدرك، ومن ثم يلقى بي في السجن».
هواة شراء السلاح والصيد صادف زيارة «أخبار اليوم» لمحل «السعيد رياضة» وجود أحد هواة القنص، يدعى العبادي، الذي قال إنه يمارس القنص منذ عشر سنوات، وقد جاء إلى المحل ليتزود بما يحتاجه من خراطيش، وأضاف: «لقد تعلمت القنص منذ فترة طويلة عندما كنت أعيش في السعودية حيث كنت أسافر مع أصدقائي إلى منطقة الرمحية المعروفة بالصيد»، وبخصوص نوع السلاح المفضل لديه، يقول العبادي: «هناك مئات الأنواع من أسلحة الصيد والأسلحة الشخصية، لكن يبقى السلاح الإيطالي هو المفضل بالنسبة إلي وإلى معظم الصيادين، فهو عملي وقوي للغاية ويدوم لفترة طويلة». من جانبه، أكد «جمال»، وهو قناص محترف، أن هناك أنواعا نادرة وعديدة من أسلحة القنص في المغرب، قد تصل أسعارها إلى 100 ألف درهم، مشيرا إلى أن الكثير من القناصين عزفوا عن ممارسة هذه الهواية لأسباب عديدة أهمها التكلفة المادية المرتفعة، إذ تكلف خرجة قنص واحدة 5000 درهم.
أنواع الأسلحة المهربة إلى المغرب بلغ عدد الأسلحة النارية والمسدسات التي تم ضبطها من طرف جهاز الدرك الملكي 973 قطعة من أنواع مختلفة، ما بين سنتي 2004 و2009، وقد سجلت في السنتين الأخيرتين أعلى نسبة عثور على أسلحة خفيفة، وحوادث اعتداء بالأسلحة النارية المهربة لتصفية حسابات شخصية بين أفراد أو مجموعات متصارعة. وتهم الأسلحة المهربة إلى المغرب في الغالب مسدسات من نوع «براونيك» وبنادق «ماص 36» ورشاشات «سيطا»، «بيريطا»، «فال»، «ماك» و«كلاشينكوف»، ومتفجرات «تي إن تي»، «تروتي» و«بانكالو»، ومن أهم أنواع الأسلحة المهربة إلى المغرب أو عبره، بنادق من عيار 36 ملم، ومن الأنواع الرائجة، التي تقع أحيانا بين أيدي المصالح الأمنية، مسدسات «كلوك»، «إم 15»، «إم 4» (من صنع أمريكي)، علما أن كلاشينكوف أضحت أكثر قابلية للتهريب بمناطق جنوب الصحراء. وأيضا من الأسلحة التي أضحت متوفرة بسوق السلاح جنوب الصحراء، وكذلك في شمال موريتانيا بتندوف، رشاش كلاشينكوف ومسدسات «إم 16»، «ماكاروف» و«توكاريف» (من صنع روسي)، وكذلك مدافع رشاشة مضادة لطائرات الهيلكوبتر، يمكن تجزيئها ثم إعادة تركيبها، وغالبا ما تثبت على سيارات رباعيات الدفع من طرف شبكات التهريب.