تعرف تجارة بيع الأسلحة في المغرب، هذه الأيام، انتعاشا بسبب افتتاح موسم القنص، إذ يستعد العديد من الصيادين لاقتناء بنادق جديدة وكميات مهمة من خراطيش الرصاص. غير أن هذه التجارة، حسب المهنيين، تعرف حالة من الركود في باقي الأيام وذلك راجع لعدة أسباب. فشراء الأسلحة ليس بالأمر السهل في المغرب، وذلك على خلفية تشديدات أمنية تهدف إلى ضمان الأمن والاستقرار في البلاد، خاصة مع بروز تنظيمات إرهابية خطيرة من قبيل «داعش». وفيما يلي حقائق مثيرة عن هذا النوع من التجارة:. تجار الأسلحة طلقات نارية في منطقة بنجدية بمدينة الدارالبيضاء، لم نصدق ما سمعته آذاننا، ما مصدر هذه الطلقات؟ نعم إنه صوت حقيقي مصدره محل تجاري لبيع بنادق ولوازم الصيد، إذ كان البائع يجرب بندقية أمام زبون كان يرغب في معرفة مدى جودتها قصد اقتنائها. كان المحل مكتظا عن آخره بالزبائن، بفعل افتتاح موسم الصيد، حيث يقبل الصيادون على شراء خراطيش الرصاص واقتناء بنادق جديدة. لم تكن مهمة البحث سهلة في البداية، لأن مسيري المحل كانوا مترددين في الخوض معنا في الحديث حول هذه المهنة الحساسة. طلب منا ابن صاحب المحل المشهور بطاقة الصحافة للتأكد من هويتنا، قبل أن يسمح لنا بعدها بولوج المحل حيث يوجد عدد كبير من الأسلحة المعلقة على الحائط، قائلا: «سامحوني، هذه المهنة جد حساسة ومن المفروض أن نأخذ جميع الإجراءات اللازمة خوفا من وقوع أية مشاكل». وأوضح «السعيد»، في حديثه مع «الأخبار» قائلا: «ماشي غير لي جا يدير السلاح فالبلاد»، إذ من الصعب الحصول على رخص القنص والاتجار في أسلحة الصيد، مشيرا إلى «أن المسدسات ممنوعة منعا كليا». وأكد «السعيد» أنه لا يمكن لأي شخص تجريب البنادق داخل المحل، إلا إذا كان الشخص موثوقا به، قبل أن يضيف أن نسبة قليلة من المغاربة من يتجهون إلى القنص، إلا إذا كانت هواية ورثوها عن أجدادهم. سألنا التاجر ذاته عن مصدر حصوله على الأسلحة، فأكد أنه يتزود بها من شركتين توجدان بمدينة الدارالبيضاء، واللتين تستوردان بدورهما أسلحة من الخارج. ومن بين البنادق التي يكثر الإقبال عليها، البنادق الإيطالية الصنع، مثل «الببينيلي» و«البيريطا» وتتراوح أثمنة البنادق الجديدة عموما ما بين 6 آلاف و40 ألف درهم، بينما يصل ثمن 25 خرطوشة من الرصاص إلى 90 درهما حسب «السعيد»، الذي أوضح أن الصياد يحتاج حوالي 1000 درهم من الخراطيش خلال يوم واحد من القنص. ويقول «السعيد»: «إن تجارة السلاح بدأت تتراجع عكس السنوات الماضية، ويعزي ذلك إلى الجفاف وارتفاع تكاليف المعيشة». ويرى أن عدد المحلات التجارية في المغرب كاف لسد حاجيات الصيادين، وفي حال تجاوز عددها العشرين، فإن ذلك سيؤدي إلى خسارة التجار نظرا لقلة الطلب. أسباب الكساد التجاري في المغرب يوجد نحو 20 محلا تجاريا لبيع الأسلحة، وفي الدارالبيضاء توجد أربعة محلات تجارية خاصة ببيع بنادق الصيد، فمعظم أصحابها يحصلون على السلع من ثلاث شركات بالمدينة تستورد هي الأخرى الأسلحة ولوازم الصيد من فرنسا وإيطاليا روسيا وإسبانيا. وعلى غرار مدينة الدارالبيضاء، يوجد في جنوب المغرب، وتحديدا بإنزكان، محل آخر تابع لعائلة «السعيد»، وهو آخر نقطة بيع في الجنوب. وتعد عائلة «السعيد» من بين أشهر تجار الأسلحة في المغرب، وذلك منذ سنة 1967 لتصبح هذه المهنة إرثا خاصا بها. يوضح إبراهيم السعيد، في حديثه مع «الأخبار»، أن تجارة بنادق الصيد تعرف حالة من الركود منذ حوالي ست سنوات، فيما يزداد الإقبال على شرائها من قبل القناصين عند اقتراب موسم القنص، الذي ينطلق في 28 من شهر شتنبر. ويرى إبراهيم أن من بين العوامل التي تسهم في تراجع نسبة مبيعات بنادق الصيد، صعوبة الحصول على رخص القنص، مردفا أن نسبة ضئيلة من القناصين فقط يتمكنون من الحصول على هذه الرخص، مؤكدا أن هذه العملية تشوبها في بعض الأحيان العديد من الاختلالات، فهناك من يحصل على الرخص عن طريق الوساطة. الأمر ينعكس سلبا على تجار البنادق، حسب محدث «الأخبار»، الذي أبرز أنه يستطيع بيع ثلاث بنادق في الشهر الواحد، إذ تتراوح أسعارها ما بين 8 آلاف و30 ألف درهم. يقول القناص إبراهيم السعيد إنه يتكبد العديد من الخسائر، خاصة أن ثمن الأسلحة التي يقتنيها جد مرتفع، حيث تبلغ قيمة شاحنة محملة بالذخيرة حوالي 50 مليون سنتيم، تضم أنواعا عدة من البنادق والخراطيش، والتي لا يباع منها إلا القليل. وبما أن تجارة السلاح جد حساسة، فإن العديد من التجار يحرصون على تأمين محلاتهم التجارية وتوفير جميع وسائل الأمن والحماية، درءا لأي خطر قد يهدد المجتمع. يقول إبراهيم السعيد: «إن محله التجاري مجهز بجميع وسائل الحماية وكاميرات جد متطورة للمراقبة، ولا يمكن بيع البنادق لأي شخص إلا إذا كان يتوفر على رخصة القنص، إذ يتم تحرير عقد وعد بالبيع بشكل قانوني»، مشيرا إلى أن من بين الأسباب الأخرى التي أدت إلى تقلص منح الرخص، التهديدات الإرهابية التي تهدد أمن المغرب، ومن بينها تهديدات تنظيم «داعش»، لذلك فإن تجارة السلاح تعرف تشديدات أمنية محكمة. شروط الحصول على السلاح الاتجار في أسلحة الصيد بشكل قانوني، يتطلب العديد من الإجراءات، تتمثل في تقديم طلب موجه إلى المدير العام للأمن الوطني، مع تقديم تصريح خطي بالالتزام بالمقتضيات القانونية والتنظيمية المتعلقة بالأسلحة والعتاد، مع وضع ورقة تقنية خاصة بتصميم المحل التجاري. هذا بالإضافة إلى نسخة من شهادة السوابق وأربع صور فوتوغرافية ونسخة من البطاقة الوطنية، فضلا عن شهادة الملكية أو عقد كراء المحل التجاري. ولحصول القناصين على بنادق الصيد بشكل قانوني، لا بد من اتخاذ العديد من الإجراءات، بالرغم من أن الأمر جد معقد وصعب بالمغرب، نظرا لحساسية وخطورة حمل السلاح. لذلك يتوجب على الراغب في ذلك، أن يتصل ببائع معتمد للأسلحة، يقوم باختيار السلاح والاتفاق على ثمنه، مع استصدار وعد بالبيع، وتكوين ملف يشمل بالإضافة إلى وعد بالبيع، طلبا محررا على ورق متنبر، ونسخة من شهادة السوابق أو نسخة من السجل العدلي، وأربع صور فوتوغرافية، ونسخة من عقد الازدياد، ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية، ودفع رسم جبائي بقيمة 200 درهم، ثم تسليم الملف إلى السلطة المختصة ترابيا، وانتظار أجل 15 يوما للدراسة والبت في طلب الرخصة. أما في حال تعذر الحصول على الخدمة، فيجب على المعني بالأمر التوجه إلى السلطة الإدارية المحلية المختصة ترابيا أو المديرية العامة للشؤون الداخلية، أو المديرية العامة للأمن الوطني أو مديرية الاستعلامات العامة والتقنين أو مصالح الدرك الملكي، لمعرفة مآل الطلب وأسباب رفضه. تهريب السلاح وإن كان البعض يحصلون على الرخص بشكل قانوني ويجددونها كل سنة بهدف الصيد، فآخرون يبذلون قصارى جهدهم للحصول على الأسلحة لأغراض خطيرة، بالرغم من صعوبة ذلك. وتبقى مثل هذه الحالات جد نادرة في المغرب للاحترازات الأمنية المشددة. ومن بين المناطق التي يتم تهريب بعض الأسلحة منها بصعوبة بالغة، المناطق الحدودية مثل طنجةوالناظور، بالإضافة إلى الحدود ما بين الأقاليم الجنوبية وموريتانيا. هذا وترتبط حيازة السلاح أيضا بالمناطق الشرقية بالمغرب بتجارة البنزين المهرب من الجزائر، فهناك شبه مافيات تنشط في تجارة البنزين، وصعوبة التضاريس في المنطقة ما بين السعيدية ووجدة، مرورا بتندرارة إلى حدود فكيك، تسهم في تهريب الأسلحة، وإن كان يصعب تهريب عدد كبير منها نظرا للمراقبة الأمنية المشددة. في 18 فبراير من السنة الماضية، تم حجز خراطيش مهربة كانت بحوزة مواطن مغربي من مدينة الناظور، دخل التراب الوطني من الحدود مع مليلية. وكانت الإدارة الجهوية للجمارك بالشمال الشرقي٬ قد ذكرت أنه إثر عملية تفتيش أحد الأشخاص العابرين لباب مليلية٬ جرى العثور بحوزته على 4311 من الخراطيش الفارغة و20 رصاصة حية من عيارات مختلفة تتراوح ما بين 9 و12 ملمترا٬ وضعها في كيس بلاستيكي محمول على متن دراجته الهوائية، ليتم اعتقال الظنين وفتح تحقيق معمق في الموضوع. وخلال هذه السنة، سادت حالة من الاستنفار في صفوف مصالح الأمن الوطني والسلطات المحلية بمدينة مكناس، بعد العثور على ثلاثة مسدسات بمطرح النفايات الكائن على مشارف حي «نزالة الرداية». وحضرت مختلف الأجهزة الأمنية إلى موقع الحادث، وباشرت تحريات مكثفة حول الظروف الأولية للعثور على هذه المسدسات من قبل أحد العاملين بالمطرح، والذي جرى الاستماع إليه. وأكد المعني أنه أثناء التنقيب كعادته في بعض المتلاشيات والنفايات التي يتوصل بها المطرح يوميا، فوجئ بالعثور على ثلاثة مسدسات داخل كيس جلدي، فسارع حينها إلى الاتصال بعون سلطة عمد بدوره إلى إشعار السلطة المحلية ومصالح الأمن بالأمر. وتبين بعد البحث أن هذه الأسلحة هي إيطالية الصنع وصالحة للاستعمال، كما أن قطعة منها تحتوي على كاتم للصوت ومحشوة بالرصاص، علما أن التحريات جارية لمعرفة ملاباسات الحادث. جرائم وتصفية حسابات يستعمل بعض بارونات المخدرات بنادق الصيد لتصفية حسابات شخصية، أو الدخول في مواجهات بالرصاص مع رجال الأمن عند محاولتهم إيقاف هؤلاء المجرمين وتقديمهم للعدالة. ظروف حصول هؤلاء على الأسلحة النارية «البنادق»، تبقى مبهمة، خاصة أن المغرب لا يتهاون مع هؤلاء ويقطع جميع الطرق التي قد تؤدي إلى انتشار الأسلحة لضمان الاستقرار والأمان. وإلى جانب بارونات المخدرات، فهناك عصابات خطيرة تبذل هي الأخرى قصارى جهدها للحصول على الأسلحة النارية، في الوقت الذي يتخذ فيه آخرون السلاح الأبيض وسيلة لتنفيذ أعمالهم الإجرامية. وشهدت بلدية بني نصار، المتاخمة للحدود مع مليلية، عملية سطو من قبل عصابة ملثمة كانت تتعقب حركات شاب دخل البنك ليسحب مبلغا ماليا مهما، غير أن العصابة فضلت عدم إثارة الانتباه ولحقت بالشاب الذي كان يمتطي سيارته إلى أن وصل الحي الذي يقطنه، حيث اعترض أفرادها طريق سيارته وأطلقوا عليه النار من بندقية، لسرقة الأموال التي كانت بحوزته داخل كيس بلاستيكي، قبل يفروا بعد ذلك إلى وجهة مجهولة. الحادث خلف استنفارا في المدينة، حيث تقود السلطات الأمنية تحقيقات للوصول إلى الجناة، فيما علم أن السلاح الذي نفذت به الجريمة يستعمل كبندقية للقنص.