بمجرد أن رأى الأمير الحسن النور في 9 يوليوز 1929، حرص والده محمد الخامس على أن يتلقى تربية ملكية مميزة. كانت أولى الخطوات تقتضي أن يستقدم له مربية فرنسية محترفة هي «إيسباني»، ولأسباب غير معروفة تم استبدالها بمربية أخرى هي «ميير»، التي بقيت سنوات تعيش مع الأمير وأخته للا عائشة في بيت الأمراء، مهمتها إعداد أمير ليكون في مستوى تطلعات والده. كان النظام في إقامة الأمراء يقضي ألا يزور الوالدان أبناءهم عدة مرات في اليوم، ولم يكن يُسمح للأمراء الصغار أن يزوروا والديهم سوى مرة واحدة في اليوم. بفضل المربيتين الفرنسيتين «إيسباني» و«ميير» تعلم الأمير الصغير اللغة الفرنسية، وأصبح يتكلم بها بطلاقة، على عادة أبناء العائلات البورجوازية حينها، وإلى اليوم، في المغرب. لقد تعلم الفرنسية قبل العربية، التي سيبدأ تعلمها حين ولج «المسيد».
من «المسيد» إلى المعهد
لما بلغ الأمير الأكبر لمحمد الخامس من العمر ست سنوات دخل «المسيد»، سيرا على العادة المغربية التقليدية في تعليم الأبناء، حيث تعلّم الأمير، على يد الفقيه الذي انتقي بعناية، مبادئ اللغة العربية، كما حفظ أجزاء من القرآن الكريم، ومبادئ أولية في الفقه. لقد حرص محمد الخامس أن يمرّ ابنه من «المسيد» للحفاظ على أسس تعليمية عتيقة تشكل في الجوهر قوام المؤسسة الملكية نفسها، وذلك ما سيدركه الحسن الثاني بنفسه بعدما صار ملكا. يذكر الحسن الثاني في «ذاكرة ملك» أنه في «المسيد» تلقى ضربات بالعصا، على غرار كافة الأطفال المغاربة الذين مرّوا من هذه المرحلة، وأكد أنه كان يُسعده أن يتلقى تلك الضربات من والده لا غيره. ولأن محمد الخامس كان يسعى إلى أن ينال أبناؤه مستوى تعليميا عاليا لم يحظ به شخصيا، حرص على أن يتلقوا تكوينا مزدوجا منذ البداية، فرنسيا وعربيا، ويبدو أنه كان يتبع في ذلك تقاليد العائلات العريقة التي كانت تلجأ إلى إدخال أبنائها إلى كبريات المدارس العليا في فرنسا وأوربا. لذلك لم يكتف السلطان ب«المسيد» فقط، بل قرّر أن يرسل ابنه وولي عهده إلى مدرسة «روش» في نورماندي بفرنسا، بيد أن الحرب العالمية الثانية كانت قد اندلعت، فتراجع عن ذلك، فقرر أن يُحدث المعهد المولوي بجانب القصر الملكي في الرباط في يناير 1942، وهو المعهد الذي كان يعمل حينها تحت إشراف مُحكم من الإقامة العامة ولكن تحت مسؤولية السلطان محمد الخامس كذلك. وكان يمزج بين تكوين عربي وآخر فرنسي. عينت الإقامة العامة أستاذا للفلسفة مديرا للمعهد، واستقدمت ثمانية أساتذة فرنسيين من ثانوية «ليوطي» بالدار البيضاء، إضافة إلى خمسة أساتذة مغاربة، منهم ثلاثة ذوو انتماء سياسي هم عبد الهادي بوطالب (أستاذ العربية وتاريخ الإسلام)، والمهدي بن بركة (أستاذ الرياضيات)، ومحمد الفاسي (أستاذ علوم العربية)، وهو الثلاثي الذي كانت ترفضه سلطات الحماية، وتصف الأمر بأنه «وضع الذئب مع الغنم»، وهذا الفريق هو الذي قاد الحسن الثاني حتى أخذ شهادة البكالوريا سنة 1948. من الشهادات القليلة والمفصلة عن هذه الفترة ما رواه عبد الهادي بوطالب في مذكراته، إذ بعدما التحق بالمعهد المولوي بطلب من محمد الخامس، عينته إدارة المعهد ليكون أستاذا للأمير، ومربيا ملازما، والمساعد الأول له في القيام بواجباته المدرسية. بوطالب أكد أن المعهد كان يدرس به 20 تلميذا بالإضافة إلى الأميرين: مولاي الحسن ومولاي عبد الله، على يد ما يناهز 20 أستاذا في الابتدائي والثانوي.
مواهب في التاريخ والأدب
يؤكد بوطالب أن الأمير كانت «ميوله أدبية»، ويضيف: «كان متفوقا في الأدب الفرنسي والأدب العربي والجغرافيا والتاريخ»، أكثر مما «كان متفوقا في دروس الرياضيات والهندسة». ولم يقتصر تكوين ولي العهد على المواد الدراسية كما هو حال التعليم العمومي، بل هناك مواد متعددة، من الأدب إلى التاريخ، ومن العلوم إلى الهندسة، ومن الرياضة إلى الموسيقى والفن، أي أن الأمير تلقى تكوينا شاملا إلى غاية البكالوريا. وممن حبّب إليه الأدب العربي، أستاذه محمد ابا حنيني، الذي يقال إنه كان السبب في حفظ الأمير للشعر الجاهلي والشعر الأندلسي. ورغم أن ابا حنيني كان تخصصه في الحقوق باللغة الفرنسية على عادة العائلات الفاسية الكبيرة، إلا أنه كان فقيها في اللغة وعلوم الشريعة، ما أهله ليكون أستاذا وقاضيا ووزيرا للعدل وأمينا عاما للحكومة، اختص بكتابة الخُطب الملكية، بعد تولي الحسن الثاني السلطة. وإذا كانت ميول الأمير الحسن نحو الأدب جعلته يقرأ أكثر الكتب الأدبية والتاريخية، باللغتين العربية والفرنسية، فإن ذلك كان يتم أحيانا على حساب بقية المواد العلمية، ما جعله يحصل أحيانا على نقط ضعيفة في الامتحانات، ومما يحكيه عن تلك الفترة: «عندما كنت تلميذا، كان يحدث أن تكون نقطي أصفارا، ولكن أبي لم يعاقبني قط. وعندما تكون النقطة 4 أو 5 على 20 كان العقاب واردا. كان يتقبل أن تكون ثمة عثرات لكنه لم يكن يتحمل الرداءة. وفي الواقع، لقد عشت طوال سنين الطفولة والمراهقة في جو يشبه المحكمة». وميل الحسن الثاني إلى التاريخ يبدو أنه كان الغالب عليه، إذ لما سأله الصحفي إريك لوران في «ذاكرة ملك»، قائلا: «أي نشاط كنتم تفضلون ممارسته لو لم تكونوا ملكا؟»، فأجاب الحسن الثاني على الفور: «مؤرخ»! لكن يُنسب إلى المهدي بن بركة، أستاذ الحسن الثاني في الرياضيات بالثانوي، قوله إن الأمير حينها كان مُولعا بقراءة كتاب «الأمير» لمكيافيلي. لكن بوطالب، وبعدما نفى علمه بذلك، استبعد أن يكون «كل من قرأ كتاب «الأمير» يصبح ميكيافيلي النزعة».
أصدقاء الملك
لقد كان محمد الخامس أول من بدأ في استدعاء تلاميذ نجباء ليكونوا زملاء ولي العهد والأمراء في القسم. ويروي بوطالب أن التلاميذ العشرة الذين درسوا مع الأمير تم انتقاؤهم من مناطق مختلفة، منهم أبناء رجال في السلطة، ومنهم أبناء الأسرة العلوية، ومنهم من أبناء عامة الشعب. يشبه الحسن الثاني أباه قليلا في هذه النقطة، فالذين درسوا مع الحسن الثاني ليسوا هم من حكموا إلى جانبه، فأبرز أصدقائه مثلا، أحمد رضا اكديرة، الذي أصبح مدير ديوانه ومستشاره المقرب إليه، كما تقلد مهام حكومية مثل وزير الفلاحة والداخلية، لم يكن من رفقاء الدراسة. وضمن العشرة الذين درسوا معه حتى سنوات الجامعة يبقى أحمد عصمان، الذي التحق بالأمير في المرحلة الثانوية بالمعهد المولوي، أبرز من تقلد مهام سياسية معروفة، حيث أصبح فيما بعد سفيرا للمغرب في أمريكا، ووزيرا أول ورئيس حزب وصهرا للملك. لكن هناك أسماء أخرى لم تُعرف كثيرا، منها سلامة بن زيدان، ابن مؤرخ الأسرة العلوية عبد الرحمان بن زيدان، وعبد السلام برشيد كان ابن قائد على منطقة برشيد، ومحمد حاجي، وكان والده قائدا بمنطقة حاحا، وعبد الحفيظ القادري وكان من «صميم الشعب»، على حد قول بوطالب، إضافة إلى عبد الله غرنيط الذي أصبح وزيرا فيما بعد. وهناك أمراء منهم المولى يوسف، ابن عمّ الحسن الثاني. لكن يبقى عصمان الوحيد بينهم الذي تقلد مهام بارزة، مثل وزير أول، وفاعل حزبي تم استخدامه لضبط إيقاع التوازن الحزبي بدءا من نهاية السبعينات، حيث أسس التجمع الوطني للأحرار.
سنوات الجامعة
لما حصل الأمير على شهادة البكالوريا في المعهد المولوي، درس لفترة قصيرة في «المعهد السلطاني» تحت مسؤولية جامعة بوردو الفرنسية، لكنه مافتئ أن غادر هذا المعهد الذي أشار إليه «روم لاندو»، إلى جامعة بوردو الفرنسية، حيث التحق بها لاستكمال دراسته في الحقوق، وفيها قضى أربع سنوات، حيث حصل على الإجازة سنة 1953، لكنه بدأ سنة 1952 في إعداد دبلوم الدراسات العليا وحصل عليه سنة 1953، وهي السنة التي تعرض فيها للنفي مع والده. وتبقى سنوات دراسته في فرنسا من الفترات الغامضة في حياته إلى اليوم. إلا أن روم لاندو يشير إلى أن الأمير، ومنذ سنوات الثانوي، لم يعد يكتفي بالدراسة النظرية، بل كان يحصل على تداريب ميدانية في فرنسا خاصة، ومنها تداريب عسكرية بالخصوص في مؤسسات ومعاهد عسكرية فرنسية شهيرة، كالتدريب الذي تلقاه سنة 1949 في السفينة الحربية «جون دارك». إضافة إلى ذلك، أشرك محمد الخامس ابنه معه في القيام بأدوار سياسية، مثل حضور مؤتمر أنفا سنة 1943، ولم يتعد الأمير مولاي الحسن من العمر حينها 14 سنة، إضافة إلى أدوار سياسية لم تُكشف بعد، منها دوره بعد نفي والده سنة 1953، إذ كان أحد مفاوضي فرنسا من أجل الحصول على الاستقلال، ونسج تحالفات مع قوى سياسية ودينية من أجل ذلك، بينما لم ينصب حينها وليا للعهد بعد، ولم يكن قد أكمل دراسته الجامعية كذلك.