غذاة الخرجة التي قام بها رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، خرج قياديون آخرون من حزب العدالة والتنمية، في إطار ندوات الملتقى الوطني التاسع لشبيبة المصباح، ليؤكدوا ارتفاع مخاوف إسلاميي المغرب من تكرار السيناريو المصري والإطاحة بتجربتهم الحكومية الفتية. وزيران ورئيس الفريق البرلماني للحزب بمجبس النواب، قدّموا كلٌّ من زاويته الخاصة، قراءة للوضع الذي توجد عليه حكومة الدستور الجديد. قراءات تصبّ رغم تبايناتها، في وصول حكومة عبد الإله بنكيران إلى عنق الزجاجة، رغم ما يتمسّك به البعض من لائحة إنجازات اجتماعية وتدبيرية وتشريعية حقّقها الفريق الحكومي لبنكيران. أي حصيلة أول المتدخلين في ندوة تقييم حصيلة منجزات الحكومة، وأكثرهم تشاؤما وقوة، كان الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، الحبيب الشوباني. هذا الأخير بدأ مداخلته بمعاتبة منظمي الندوة ومؤطريها، لحديثهم عن تقييم حصيلة وأداء الحكومة، وقال إنه «عندما يُقال تقييم حصيلة الحكومة، يبدو الأمر كما لو حصل اقتناع عام بكون هذه الحكومة تستطيع أن تغيّر الواقع المغربي، وهذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر والتساؤل حول الفاعلين المؤثرين، وعدم الحديث عن الحكومة كما لو كانت الفاعل الأول والأخير، وبالتالي يمكن مساءلتها ديمقراطيا… نحتاج إلى توضيح هذه اللوحة ومعرفة من هم الفاعلون في هذه الحصيلة المحققة حتى الآن ومعرفة حظ الحكومة منها». الشوباني كعادته بدا متوترا، مستعملا لأقسى العبارات وأكثرها قوة، قال إن الحديث الدائر حول حصيلة الحكومة منذ أن أنهت 100 يوم الأولى، يبدو كما لو يتعلّق بسياق عادي لحكومة تشكّلت في بلد مثل فرنسا، حسمَ أمره مع الديمقراطية وتوزيع السلطة. «بينما يجب التمييز في الحالة المغربية، بين ثلاثة مستويات للحصيلة، أولاها حصيلة تنموية تتضمن الأرقام والمعطيات الإحصائية، وحصيلة ثانية سياسية في ظل وطن يتحوّل نحو ما نرجو أن يكون ديمقراطيا، وثالثا الحصيلة الثقافية في علاقة بالحصيلة السياسية، تعبّر عن مدى التحوّل الفكري الذي حصل من ثقافة الاستبداد نحو ثقافة التحرر». وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، بدا غير متفق مع هذا الرأي الذي يبرئ الحكومة من أي مسؤولية عن حصيلة لا يبدو أنها تحمل الكثير من المنجزات التنموية بعد قرابة عامين من تشكيل الحكومة. الخلفي لم يكذّب توقعات من كانوا داخل القاعة المغطاة لمركب محمد الخامس بالدار البيضاء مساء أول أمس، والذين بادر بعضهم إلى القول إن الخلفي جاء حتما مسلّحا بلائحة طويلة ولا متناهية من الأرقام والمعدلات والنسب المئوية والمؤشرات، والتي لكثرتها تصيب بالدوار وتُفقد التركيز. «سنة ونصف هي مدة كافية لكي تقدم الحكومة حصيلتها وتكون موضوع مساءلة»، يقول الخلفي في مستهل كلمته، مناقضا ما قاله زميله في الحزب والحكومة، الحبيب الشوباني. «البعض يريد أن يقدّم المدة التي قضتها الحكومة في موقع المسؤولية حتى الآن، كما لو كانت بياضا لم يحمل جديدا وزمنا بقيت فيه الإصلاحات معطّلة»، يضيف الخلفي، قبل أن يخاطب شباب العدالة والتنمية ويقول لهم إن «لديكم مؤسسات تسهر على أمن البلاد واستقراره ونموه وحماية استقلاله ووحدته، والحكومة جزء من هذا البناء المؤسساتي، تشتغل في إطار من التعاون مع باقي المؤسسات تحت قيادة جلالة الملك»، في تناقض جديد مع أطروحة الشوباني.
عودة إلى السياق من جانبه رئيس أكبر فريق برلماني في مجلس النواب، عبد الله بوانو، حرص في كلمته على التذكير بالسياق الذي أتت فيه حكومة عبد الإله بنكيران، وقال إنه سياق يتسم بكثير من الخصوصيات والانتقالات. «ففي 29 نونبر 2011 شهد المغرب أول تناوب سياسي غير متوافق عليه في تاريخ المغرب، تناوب خرج من صناديق الاقتراع، وهو ما أدى إلى انتقال حزب مباشرة من المعارضة إلى رئاسة الحكومة، وهو تحوّل كبير وانتقال ليس سهلا. الانتقال الثاني كان دستوريا، حيث عَبَر المغرب من دستور 1996 نحو دستور 2011، أما الانتقال الثالث فهو الظرفية الاقتصادية وما تعرفه من أزمة مالية غير مسبوقة أسقطت حتى الآن سبع حكومات أوروبية». مسلسل التحوّل هذا قال بوانو إنه لم ينته بعد، «فالحزب الذي كان متحكّما أخذ يعود، وإلا ما معنى أن يُنتخب رئيس جمعية الجماعات المحلية منه رغم ما تتضمنه هذه الجمعية من كفاءات وخبرات، بل تم اختيار شخص «عاد بدا» ليكون على رأس جمعية ستستقبل وفودا ودولا كبيرة. ثم ما معنى إغلاق دور القرآن في مراكش، علما أن رئيس هذا الحزب جلس مرتين مع مسؤولي هذه الدور، فماذا كان يطلب منهم؟ ولماذا أغلقوا؟ أليست هذه مظاهر عودة التحكّم؟». هجوم على حزب الأصالة والمعاصرة أتى كامتداد لما ردّده زعيم الحزب ورئيس الحكومة في اليوم السابق، حيث شنّ بنكيران هجمة من هجماته المعروفة على حزب ال»بام» معتبرا أنه قد تأسس كردّ فعل على انتخابه أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، وبهدف محاربته. والامتعاض من انتخاب عمدة طنجة، فؤاد العماري، رئيسا لجمعية رؤساء الجماعات المحلية، يوازيه أيضا ادعاء بنكيران أن مدينة طنجة كانت ستؤول إلى حكم حزبه بتحالف مع التجمع الوطني للأحرار، قبل أن تتدخل جهات أخرى وتمنحها لشقيق إلياس العماري.
خصوم الحكومة التحكم ومظاهره تحدّث عنه الحبيب الشوباني بطريقة أخرى. «رصيد الثقة الذي تتمتع به الحكومة وفّر مناخ سلم اجتماعي، ولهذا حاولت قوى متعددة التحرك ضدها وأخروا مسيرات وسعوا إلى تقديم الشعب المغربي على أنه قلق ومضطرب جراء سياسات هذه الحكومة، أي أنه يائس من أي إصلاح يمكن أن يأتي على يديها». استقرار حاول الشوباني أن يبيّن أهميته بإعطاء المثال المصري، «ذلك أن كل مشاريع الإصلاح والتنمية هي الآن متوقفة نظرا إلى غياب الاستقرار والسلم الاجتماعي، رغم الخطط والدعم المالي الخارجي، لهذا، عندما نقول إننا ننعم بالاستقرار، فليس ذلك من فراغ، بل لأن هناك حكومة لها أثر كبير في ذلك». وإمعانا منه في صرف النظر عن الحصيلة الاقتصادية والتنموية للحكومة، فضّل الشوباني الحديث عما قال إن الحكومة حققته في الشقين السياسي والثقافي. «فسياسيا، استرجع المغاربة مع هذه الحكومة روح ونفس الثقة في السياسة، بعد أن توالت الخيبات وآخرها الإحباط من حكومة التناوب التي قادها مناضل شريف هو عبد الرحمان اليوسفي، وعلى أنقاضها تمت إعادة إنتاج الأحزاب الإدارية والتحكم ثم حركة 20 فبراير، والآن استرجع المغاربة الأمل في إمكانية الإصلاح والثقة في حكومة سياسية». ضرب المثال هذا بالتجربة الاتحادية في الانتقال إلى الحكم، وخسارة الحزب فيه بعد أقل من عشر سنوات، يُعتبر أحد أهم أسباب حذر قيادة حزب المصباح الحالية، وتمسّكها الدائم بخطاب المعارضة ومحاولة الالتحام بالقواعد. أما ثقافيا، فإنجازات الحكومة تتمثل حسب الشوباني في كونها باتت حكومة مقاومة، فواقعنا السياسي وتطورنا الديمقراطي الفتي جدا، لا يسمح للحكومة بأن تتصرف كحكومة، بل هي حكومة معارضة». وأضاف الشوباني أن هذه «المقاومة» ستستمر «لأن الحكومة لن تستسلم رغم أن إلقاء السلاح والانسحاب هو الحل الأسهل، والاستمرار طيلة هذه المدة وفي ظل معارك يومية في جميع القطاعات، يجعلها حكومة مقاومة ومعارضة لا تستسلم بسهولة، وذلك من أجل مصلحة الوطن». فيما اعتبر عبد الله بوانو، أن أطرافا سياسية تضررت من وصول وبقاء حزب العدالة والتنمية في رئاسة الحكومة، «والبعض الآخر غُصب في شبابه لأنه حزب شاب وكان يعد نفسه لتسلّم الحكومة، وكثير من الأحزاب تكن العداء لحزبنا أينما كان موقعه، لكن ما لا نقبله، هو أن تتم مقارنتنا بدول أخرى ويتم استدعاء تجارب دول أخرى إلى المغرب، فكثير من الأقلام تجرنا اليوم نحو السيناريو المصري». بوانو ذهب إلى أن الأجواء العامة السائدة حاليا، تذكّره بأجواء نهاية العام 2002 وبداية 2003، «أي قبل أحداث 16 ماي، فكثير من الأقلام خرجت حينها بالطريقة نفسها، وعوض أحداث 16 ماي، يتم اليوم الاستعانة بالنموذج المصري».
ضغوط وضغوط ذكريات أليمة استعادها بوانو وهو يحذّر من محاولات إحياء الضغوط التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية ما بعد 16 ماي 2003، من بينها التراجعات التي أقدم عليها حزب المصباح حينها في الانتخابات المحلية لسنة 2003، «ففي 12 شتنبر 2003، أرغم حزب العدالة والتنمية على تقليص مشاركته في الانتخابات المحلية، وهو ما لن يتكرّر اليوم لأن الملك مع تيار الإصلاح والتطوير، ولن تعود أجواء 2003». وفيما حرص عبد الإله بنكيران قبل يومين، على تجديد شكره للملك محمد السادس، معتبرا أنه هو من حال دون تطبيق دعوات حل حزب المصباح قبل عشر سنوات، قال بوانو إن هناك اليوم محاولات للإيقاع بين الحزب والملك، «واقرؤوا الافتتاحيات والأعمدة والمواقع، وهذه الأطراف التي اشتغلت منذ البداية كي لا تستمر هذه الحكومة كثيرا، حيث راهن بعضهم على ألا يتعدى عمر هذه الحكومة سنتين فقط، ولاحظوا التوقيت الذي قدّم فيه حميد شباط مذكرته». أمين عام حزب الاستقلال، بات على لسان جميع قيادات حزب العدالة والتنمية، وسيلة لتبرير التوجّه نحو التحالف مع حزب الأحرار وإشراكه في الحكومة. كلّهم يقولون لأعضاء الحزب وأتباعه، «انظروا إلى شباط وتذكروا ما قاله وفعله ضدنا، لتروا أن الأحرار لم يفعلوا ولو جزءا صغيرا منه». رئيس الفريق البرلماني حصر الخلافات السابقة لحزب العدالة والتنمية مع حزب الحمامة في ثلاثة مواضيع كلها قال إنها انتهت. أول خلاف، حسب بوانو، كان ما عُرف بG8، أي مجموعة الثمانية التي تشكلت قبل الانتخابات السابقة برئاسة حزب مزوار، من أجل تشكيل أغلبية جديدة بعد الانتخابات. «جي8 هذه انتهت وحزب الحركة الشعبية خرج منها وانضم معنا إلى الحكومة والموضوع انتهى». أما ثاني خلاف بين الحزبين، فكان حسب بوانو هو أرقام قانون المالية الذي تركه صلاح الدين مزوار في وزارة المالية للحكومة الحالية، «مؤسسات وطنية ودولية تدخّلت وقالت إن الأرقام التي أعلنها الأستاذ عبد الإله بنكيران هي الصحيحة والأمر انتهى». وثالت الخلافات السابقة بين الحزبين، تتمثل في قضية ما يعرف ب»عطيني نعطيك»، أي التعويضات التي تبادلها مزوار مع الخازن العام للمملكة نور الدين بنسودة، وهو موضوع قال بوانو إنه أيضا انتهى بتعديل قانون المالية الأخير وإدخال الصناديق المعنية بتلك المنح إلى دائرة المراقبة وعدم تركها «صناديق سوداء».
أدعياء الديمقراطية فيما حمل الشوباني بقوة على الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط، معتبرا أن الحكومة «كشفت بمقاومتها كثيرا من أدعياء الديمقراطية والمؤسسات والدستور، وأخرجت كثيرا من العفاريت ليعبروا عن أفكارهم المستبطنة في عقولهم. فحين يقول سياسي إن مشكلته مع بنكيران وليس مع حزب العدالة والتنمية، ثم يخرج بعد مدة ليدعو إلى حل هذا الحزب، فهذا يعني أن هؤلاء انقلابيين في وطن قطع مع الانقلابات كمنطق وكسياسة في تدبير الدولة». وزير الاتصال مصطفى الخلفي، وبعدما أمطر الحاضرين بوابل من العبارات المتضمنة لكلمات «مليار، مليون، ألف، في المائة…»، قال إن للحكومة الحالية حصيلة مشرفة وإيجابية، «نعم هناك اختلالات وأوراش للإصلاح متأخرة، لكن البرنامج الحكومي وُضع من أجل خمس سنوات، وعلينا أن نعترف بالإنجازات المحققة وندافع عنها، لأن ترديد عبارات من قبيل أن الحكومة حاولت الإصلاح لكنهم لم يتركوها، يعني في النهاية أنها لم تفعل شيئا».