حوار وترجمة: توفيق سليماني يعتبر برتراند دي لا غرانج أحد الصحافيين المخضرمين العارفين بخبايا وأسرار الدبلوماسية والسياسة في أمريكا اللاتينية، لكنه يتابع بشكل كبير ما يجري في المغرب والمنطقة المغاربية. ولد بمدينة طنجة سنة 1950، ورغم أنه يحمل الجنسية الفرنسية، فإنه يعتبر نفسه مغربيا وطنجويا، ولا يخفي إعجابه وعشقه للمغرب. اشتغل مراسلا في العديد من الصحف الدولية الكبيرة، من بينها لوموند الفرنسية، في أمريكا اللاتينية، خاصة في المكسيكوكوبا، فضلا عن اشتغاله أيضا في كندا. كما أنه كاتب وأستاذ في معهد غرنوبل للدراسات السياسية. – هل زرتم المغرب في السنوات الأخيرة؟ + لم أستطع زيارته منذ مارس الماضي مع فرض الحجر الصحي وإغلاق الحدود. – لكنك زرته من قبل؟ + أنا طنجاوي. – كيف ترى المغرب اليوم؟ يبدو أن الانتقال الديمقراطي لا ينتهي. لماذا؟ + من البديهي أن يواصل المغرب مسار الانتقال الديمقراطي، لأن هذا الانتقال ليس سهلا، بل هو معقد. أعتقد أن المغرب قام بخطوات إيجابية، لكن فيروس كورونا، للأسف، يُعقد الوضع كثيرا. تخيل معي أن تداعيات الجائحة كانت كارثية على بلدان مثل فرنسا وإسبانيا، فما بالك بالمغرب. لقد أثرت الجائحة اقتصاديا واجتماعيا، لأن الناس ليست لديهم مدخرات مالية، كما هو الحال في أوروبا. وأفترض أن هذا سوف يتسبب في تأخير دمقرطة البلاد، لأنه ليست هناك مساحة للسياسة في الوقت الراهن. أرى أن كل الأحزاب السياسية المغربية منطفئة؛ ليس هناك نقاش سياسي في البلاد منذ شهور؛ كل شيء متوقف. في الحقيقة، ليس هناك مقترح/عرض سياسي، علما أن البلاد ستشهد انتخابات تشريعية السنة المقبلة. سنرى ما سيحدث في الأيام المقبلة، لأنه إلى حدود الساعة ليس هناك نقاش سياسي؛ لا نعرف كيف ستكون التحالفات الحزبية، من سيتحالف مع من. بشكل عام، ودون الحديث عن الوضعية الحالية بالضبط، يمكنني القول؛ نعم، هناك انتقال بطيء صوب الديمقراطية. أنا أتابع السياسة في المغرب منذ زمن، واشتغلت كثيرا على المغرب منذ ستينيات القرن الماضي، وأعتقد أنه يتطور ببطء، لكن بالمقارنة مع ما يجري في الجزائر؛ فإن النموذج المغربي يسير في المسار الصحيح أكثر بكثير من النموذج الجزائري. – في أي خانة يمكنك وضع حزب العدالة والتنمية المغربي بعد سنوات من وجوده على رأس الحكومة؟ هل يمكن القول اليوم إنه حزب إسلامي ديمقراطي أم محافظ أم عقائدي؟ + في يوم من الأيام قد ينتهي إلى أن يكون مثل الأحزاب الديمقراطية المسيحية. تجذر الإشارة إلى أن هذا الحزب كان في بداياته حزبا عقائديا، لكنه اليوم، مع تجربته الحكومية والتغيرات التي طرأت عليه في القيادة، عرف تحولا مهما، حيث تأقلم مع الشروط الواقعية للسياسة المغربية. إنه حزب شرعي كباقي الأحزاب المغربية، وأعتقد أن خطابه اعتدل كثيرا، إذ أصبح حزبا برغماتيا، خاصة مع حضوره في الحكومة. – الباحث الإسباني المرموق، برنابي لوبيث غارسيا، قال لي في حوار سابق إن المجتمع المغربي أكثر محافظة من الملكية. هل تشاطره هذا التحليل؟ + أعتقد أن المجتمع أكثر محافظة من المستشارين الرئيسيين للملكية. يجب ألا ننسى أن جزءا مهما من مستشاري الملكية أنشؤوا حزبا سياسيا، وأقصد حزب الأصالة والمعاصرة، وهناك أشخاص آتوا من اليسار الراديكالي واليسار والوسط، إلى جانب التقنوقراط. وإذا تمعنت في كل هذا، وإذا أخذت بعين الاعتبار أن «البام» كان الحزب الرسمي في وقت سابق، سترى أنه لم يحقق النتائج الانتخابية المنتظرة منه؛ في المقابل، فاز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات. والخلاصة المنطقية تؤكد أن المجتمع أكثر محافظة من الحزب الذي كان رسميا في إبانه. – هل يمكن أن توضح أكثر؟ + (يضحك) الحزب الرسمي الذي أنشأه المخزن هو تقدمي فيما المجتمع هو صوت للعدالة والتنمية. نعم، المجتمع أكثر محافظة من الملكية، لكن أنا أعطيك نموذجا ملموسا؛ الحزب التقدمي الذي أنشئ خسر الانتخابات. – اطلعتم على القرار الأخير لمجلس الأمن بخصوص ملف الصحراء والتطورات الأخيرة. كيف يمكن حل هذا النزاع المفتعل منذ 45 عاما؟ + أعتقد أن هذا النزاع هو إحدى بقايا الحرب الباردة والصراع المغربي الجزائري. يجب تسوية هذا النزاع، لأنه ليس هناك حل آخر غير الحل التفاوضي. أعتقد أن الاقتراح المغربي القائم على الحكم الذاتي الموسع هو الأكثر قابلية للتطبيق. لا معنى للحفاظ بطريقة مصطنعة على نزاع أصبح سخيفا كليا ومضرا بالسكان الذين يعيشون في المخيمات التي تحولت تقريبا إلى معسكرات للاعتقال في تندوف. في الحقيقة، ليس هناك أي حل للنزاع غير البحث عن الاتفاق السياسي مع المغرب في إطار صيغة تسمح بعودة سكان المخيمات إلى ديارهم الأصلية، وإنهاء هذا النزاع كليا. – هل تعتقد أن المغرب أصبح حاضرا ومؤثرا اليوم في أمريكا اللاتينية أكثر من أي وقت مضى أم العكس؟ + بكل تأكيد، المغرب حاضر اليوم في هذه القارة أكثر من أي وقت مضى. وهناك حالة خاصة تعبر جليا عن هذا الحضور، وهي كوبا. هذا البلد انقطعت علاقاته الدبلوماسية مع المغرب منذ سنوات عدة، نظرا إلى أنه حليف رئيس لجبهة البوليساريو في أمريكا اللاتينية. وأن يقرر المغرب فجأة ربط علاقات معه وفتح سفارة له في العاصمة هافانا، فهذه خطوة سياسية ودبلوماسية مهمة جدا. لأن التصور تغير، حيث إن تلك الدولة الكوبية التي كان تتبنى موقفا متطرفا، قررت الانفتاح وإعادة إرساء علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب. كل هذا كان غير منتظر. – وكيف حدث هذا الاختراق؟ + طبعا كل هذا حصل بمبادرة مغربية، وأعتقد أنه تحرك دبلوماسي ذكي من لدن المغرب. وأظن هذا التحرك المغربي لا يقتصر على كوبا، بل يستهدف دولا أخرى مقربة من كوبا، مثل فنزويلاوبوليفيا، وفي وقت سابق الإكوادور. لهذا، أعتقد أن الخطوة الأولى مع كوبا في مسار اختراق القلاع العصية في أمريكا اللاتينية، تبقى مهمة للغاية. مع ذلك، وبشكل عام، المغرب وباقي الدول المغاربية لا تشكل أولوية بالنسبة إلى البلدان الأمريكية اللاتينية لأسباب واقعية وبديهية، لأن العلاقات التقليدية لهذه البلدان مرتبطة أكثر بالولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، وبالضبط إسبانيا. – في هذا السياق، هل من الممكن أن تتحول العلاقات الثنائية الحالية بين المغرب وكوبا إلى «علاقة راسخة» لا تتأثر بالأحداث والمستجدات الطارئة؟ + من الصعب الحديث عن «علاقة راسخة» في الوقت الراهن لأن كوبا تعيش وضعا معقدا وحساسا. إذ لا يمكن التكهن بما قد يحدث في كوبا. فكما قلت سابقا، تعتبر كوبا حليفا رئيسا للبوليساريو وتربطها، أيضا، علاقات وثيقة جدا بالجزائر، وهذا يعني أن كوبا لم تعد ترى إمكانية قيام دولة مستقلة في الصحراء. إذن، موقف كوبا في هذا السياق مهم جدا. من ناحية أخرى، فالعلاقات الثنائية بين كوبا والجزائر تاريخية وتعود إلى ستينيات القرن الماضي ليس فقط لأسباب سياسية، بل لأن كوبا تحتاج أيضا إلى الدعم الجزائري في ما يخص التزود بالبترول، لأن البترول الفنزولي بدأ يجف في ظل تراجع الإنتاج، فضلا عن الحصار الأمريكي لفنزويلا، وهو الشيء الذي يعيق نقل البترول إلى كوبا، التي تبحث عن مصادر البترول حيثما وجدت، وطبعا، تجدها في الجزائر، خاصة أن كوبا لديها مع الجزائر اتفاق صحي، حيث إن هناك وحدة طبية كوبية في الجزائر منذ سنوات عدة، وهي مصدر دخل مادي مهم للكوبيين. أود القول من كل هذا إن ترسيخ العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وهافانا لا يعني، بأي حال من الأحوال، أن كوبا ستقطع علاقاتها مع الجزائر أو ستبتعد عنها، لكنه يعني أن هناك تغيرا في أولويات كوبا في المنطقة، وأقصد هنا موقفها من أطروحة البوليساريو، والذي أصبح أكثر برغماتية من السابق. – قبل سنة اعترفت 60 دولة تقريبا بالرئيس الفنزويلي المؤقت، خوان غوايدو، من بينها المغرب، لكن الرئيس المنتخب مادورو مازال في الحكم، ولا شيء يوحي بأنه سيسقط كما راج في إبانه. هل تعتقد أن المغرب وُفِّقَ في الرهان على غوايدو، أو أنه كان الخيار الوحيد في ظل دعم نيكولاس مادورو للبوليساريو؟ + أولا، شخصيا، لا أعتقد أن مادورو أقوى اليوم مما كان عليه في السابق. مازال الرجل في الحكم، لكنه في موقف دفاعي كليا، وفي وضعية صعبة، لأن البلاد تعيش على إيقاع كارثة اقتصادية، وليست لديه القدرة على تحسين الأوضاع على المدى القصير. بقاء مادورو في الحكم يفسر بالدعم الذي يحظى به من لدن حلفاء أقوياء، مثل روسيا والصين اللذين لديهما مصالح في بقائه في السلطة، لأنه ورقة لمواجهة وتعقيد مأمورية الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة. في المقابل، يظهر أن محاولة تغيير النظام في فنزويلا عبر تعيين غوايدو رئيسا مؤقتا لم تعط أكلها، لأن التغيير ليس بالأمر الهين، خاصة أن الجيش الفنزويلي مازال يدعم مادورو. ثانيا، لا أعتقد أن المغرب راهن على الحصان الخاسر، بل إنه راهن على شيء كان ممكنا في ذلك الوقت. فحتى لو دعم المغرب مادورو، فإنه لن يكسب أي شيء، لأن فاقد الشيء لا يعطيه. نظام مادورو في حالة إفلاس. إذن، لم يخطئ المغرب عندما راهن على غوايدو. – في أواخر 2019، أُسْقِطَ الحزب اليساري الحاكم في بوليفيا بزعامة إيبو موراليس، وشُكلت حكومة مؤقتة سحبت الاعتراف بالبوليساريو، وأعادت ربط العلاقات الدبلوماسية مع المغرب؛ لكن سرعان ما أعاد الشعب البوليفي الحزب اليساري إلى الحكم في الانتخابات التي أجريت حديثا. هل تعتقد أن المغرب سينجح في إقناع الرئيس الجديد، لويس أرثي، كما أقنع الحكومة المؤقتة المنتهية ولايتها من قبل؟ + أولا وقبل كل شيء، الانتخابات الأخيرة في بوليفيا كانت نزيهة وشفافة، وفاز بها الرئيس لويس أرثي عن حزب الحركة الاشتراكية. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس السابق، إيبو موراليس، عن الحزب نفسه يوجد اليوم خارج اللعبة، بالرغم من أنه عاد إلى البلد بعد فوز حزبه. لن يلعب موراليس أي دور سياسي في المستقبل، لقد ولى زمنه. وأعتقد أن خليفته لويس أرثي لديه أجندته الخارجية الخاصة التي لن تكون بالضرورة مثل أجندة سلفه. اليوم، هناك حكومة شرعية في بوليفيا ووجب التعامل معها، وأعتقد أن هذا ما ستقوم به أغلبية الدول. – لكن هذا الحزب الحاكم لا يكن ودا للمغرب؟ + هذا الحزب ليس أحاديا كما يعتقد البعض، بل هو متعدد الأصوات، حيث هناك طرف قريب من موراليس، وطرف آخر أكثر برغماتية يراهن على اقتصاد السوق وبعيد عن اليسار التقليدي. أعتقد أنه حزب في تحول دائم، ومتعدد الأصوات، ولن يتعامل بالطريقة نفسها التي كان يتعامل بها في عهد موراليس. شخصيا، أرى أن المنطق يفرض أن يقترب المغرب من الحاكمين الجدد في بوليفيا، وأظن أن هذا ما سيحدث. لننتظر كيف ستكون مواقف الحكومة الجديدة بخصوص بعض الملفات، كملف الصحراء، لكني لا أعتقد أن هذا الملف يشكل أولوية بالنسبة إلى بوليفيا، لأن لديها أولويات أخرى كثيرة. ولا شيء يمنع تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والحكومة الجديدة. – في رأيكم، لماذا لم يستطع المغرب إلى حدود الساعة اختراق قلعة نيكاراغوا التي لايزال نظامها يدعم البوليساريو؟ + لا أعرف في أي خانة يمكن تصنيف نظام نيكاراغوا، لأنه لم تعد له أي أهمية على الإطلاق. وأعتقد أن هناك إمكانية لأن ينفتح المغرب على نيكاراغوا، لأن هذا البلد أصبح منفتحا اليوم على العالم برمته. أصبح هذا البلد منفتحا على البلدان الرأسمالية واقتصاد السوق، كما أن البوليساريو لا يشكل أي أهمية بالنسبة إلى نيكاراغوا. – تربط المغرب بالبلدان اللاتينية الكبرى (البرازيلوالمكسيك والأرجنتين) علاقات تاريخية سياسيا ودبلوماسيا، لكن العلاقات الاقتصادية والتجارية لا ترقى إلى مستوى التطلعات، إذ تبقى ضعيفة. ما السبب في نظركم؟ + السبب بسيط جدا. فهذه الدول التي ذكرتها لا تشكل المنطقة المغاربية أولوية بالنسبة إليها. مثلا، علاقات المكسيك التجارية والاقتصادية موجهة صوب الولايات المتحدة الأمريكيةوكندا، وبدرجة أقل بعض الدول الأوروبية والأمريكية اللاتينية. ومن المنطقي أن تكون العلاقات الاقتصادية ضعيفة مع المغرب. وقل الشيء ذاته عن البرازيل، حيث لا أعتقد أن الدول المغاربية تشكل أولوية بالنسبة إليها. فعلا، القوة الاقتصادية البرازيلية يمكن أن تثير اهتمام المغرب، خاصة أن هذا البلد من بين أكثر مستهلكي الفوسفاط في العالم، فيما المغرب مصدر رئيس له. ومن المفترض أن تهتم البرازيل بالفوسفاط المغربي، خاصة أنها بلد زراعي.