إذا كان من الصعب معرفة الأسباب الحقيقية التي جعلت رئيس الحكومة الائتلافية الإسبانية، الاشتراكي بيدرو سانشيز، يستثني المغرب من الزيارات التي قام بها خلال السنة الجارية إلى دول الجوار، فإن المؤكد أن الجارة الشمالية تحاول تنويع علاقاتها في المنطقة لكي لا يبقى مصيرها مرتبطا بالمغرب، كما أنها تسعى إلى خلق نوع من التوازن في علاقاتها بدول المنطقة. لكن المغرب يبقى الدولة الأكثر أهمية بالنسبة إلى مدريد في العالم، بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية، بحكم الجغرافيا والتاريخ، والتحديات والتهديدات المشتركة. مع ذلك، يبقى الشيء البارز في الزيارة الرسمية التي قام بها سانشيز إلى الجزائر، يومي الأربعاء والخميس المنصرمين، هو تلميحه إلى ضرورة انخراط الجزائر في حل النزاعات المجمدة في المنطقة منذ عقود، في إشارة واضحة إلى نزاع الصحراء الذي يعرف، أيضا، تطورات مهمة في الأيام الأخيرة، خاصة أن مدريد تعبر عن موقف أقرب إلى الطرح المغربي. وبعد الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الإسبانية إلى فرنسا والبرتغال وموريتانيا خلال السنة الجارية، حط الرحال، مساء الأربعاء الفائت، بالعاصمة الجزائرية في زيارة رسمية امتدت إلى يومين، رفقة وفد مهم من المقاولين، حيث نظم الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، حفل عشاء على شرفه. وصباح الخميس، اجتمع سانشيز بالرئيس الجزائري ورئيس الحكومة، كما ترأس، رفقة نظيره الجزائري، لقاء جمع المقاولين الإسبان والجزائريين. ويتضح من خلال تصريحات سانشيز للصحافة، وبلاغ الحكومة الإسبانية، أن الزيارة كانت اقتصادية وأمنية بامتياز. إذ إن مدريد ترغب في تعزيز حضورها الاقتصادي في الجزائر، وتعزيز التبادل التجاري والتعاون في مجال الطاقة، نظرا إلى أن الجارة الشرقية مُصدر رئيس للغاز إلى إسبانيا، فضلا عن أن سانشيز طار إلى الجزائر مباشرة بعدما تحولت سواحلها إلى البوابة الرئيسة للمهاجرين غير النظاميين صوب السواحل الإسبانية. وهو ما جعل البعض في إسبانيا يتخوف من إمكانية لعب الجزائر ورقة الهجرة للضغط على إسبانيا، وفرض خلق نوع من التوازن عليها في علاقتها بدول الجوار في الجنوب. في السياق نفسه، أظهرت تصريحات سانشيز أنه يدرك أنه لا يمكن تسوية النزاعات في المنطقة دون الانخراط الجزائري، خاصة قضية الصحراء. سانشيز، وبعدما تطرق إلى النزاعين المالي والليبي، أطلق من قلب الجزائر، بشكل غير مباشر، دعوة إلى حلحلة وتسوية نزاع الصحراء الذي يعتبر الأقدم في المنطقة، قائلا إن الحكومة الجزائرية تلتزم ب«البحث عن حلول متوافق عليها إزاء الأزمات التي تضع استقرار المنطقة على المحك، وتراهن، أيضا، على حل النزاعات المجمدة التي ابتلي بها سكان المنطقة منذ عقود عدة». ويرى الباحث المتخصص في العلاقات المغربية الإسبانية، مراد زروق، في تصريحات قدمها ل«أخبار اليوم»، أنه «ربما أمكن الجزائر أن تقطع بعض الطرق البرية التي يسلكها المرشحون للهجرة الآتون من دول جنوب الصحراء، لكن المغرب، بحكم موقعه الجغرافي، يبقى هو المخاطب الأساس، لأنه هو الذي يتعامل مع طريق غرب البحر المتوسط وطريق جزر الكناري، وهذا أمر تعلمه الأطراف وتتعامل على أساسه، فيما تعتقد الصحافية الإسبانية المتخصصة في الشأن المغاربي، صونيا مورينو، في تصريح مماثل، أن سانشيز يرغب في «إرضاء كل السلطات المغاربية»، كما أن إسبانيا أصبحت أخيرا حاضرة في منطقة الساحل مع فرنسا، وهو ما جعله يشير إلى التأثير القوي للجزائر في المنطقة. يشار إلى أن سانشيز زار المغرب في مناسبتين منذ وصوله إلى الحكم في يونيو 2018، إذ حط الرحال بالرباط في زيارة خاطفة يوم 19 نونبر 2018، وبمراكش يوم 10 دجنبر من السنة نفسها عندما شارك في القمة العالمية للهجرة.