المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع الدستور الجزائري الجديد.. خطوات في اتجاه التقارب الدستوري المغاربي- دراسة
نشر في اليوم 24 يوم 03 - 10 - 2020

يتضمن مشروع الدستور الجزائري الجديد ديباجة وستة أبواب مقسمة إلى فصول ومواد (225 مادة)، ولقد تضمن الدستور الجزائري في الباب الأول المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، حيث خصص الفصل الأول للجزائر، والفصل الثاني للشعب، والفصل الثالث للدولة، أما الباب الثاني فقد خصص للحقوق الأساسية، الحريات العامة والواجبات. وتضمن الفصل الأول الحقوق الأساسية والحريات، والفصل الثاني الواجبات، في حين خصص الباب الثالث لتنظيم وفصل السلطات، وتضمن أربعة فصول خصصت لرئيس الجمهورية والحكومة والبرلمان والعدالة، واختص الباب الرابع بمؤسسات الرقابة، وتضمن أربعة فصول خصصت للمحكمة الدستورية ومجلس المحاسبة والسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات والسلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، وخصص الباب الخامس للمؤسسات الاستشارية، حيث ضم مواد متعلقة بالمجلس الإسلامي الأعلى، والمجلس الأعلى للأمن، والمجلس الوطني الاقتصادي الاجتماعي والبيئي، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمجلس الأعلى للشباب، والمجلس الوطني للبحث العلمي والتكنولوجيات، والأكاديمية الجزائرية للعلوم والتكنولوجيات، واختتم بالباب السادس الذي خصص للتعديل الدستوري وضم مواد متعلقة بالتعديل الدستوري والأحكام الانتقالية.
أعد الدراسة: أحمد بن عمر أكنتيف
ديباجة ببعد إيديولوجي
وهكذا، تضمنت الديباجة الإطار الإيديولوجي للدستور الجزائري، المرتكز على تاريخ الجزائر وانتماءاتها واختياراتها الكبرى. ومن أهم المستجدات في ديباجة دستور 2020، الاعتراف الدستوري بالحراك الشعبي لسنة 2019 وطموحاته في إحداث تحولات اجتماعية وسياسية عميقة من أجل بناء جزائر جديدة، والاعتراف بمشاركة كل المواطنين والمجتمع المدني، بما فيه الجالية الجزائرية في الخارج، في تسيير الشؤون العمومية. تضمنت الديباجة، كذلك، التعبير عن تمسك الجزائر بالعمل للوقاية من الفساد ومكافحته وفقا للاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، وإدماج مبدأ التوازن بين السلط، وضمان الأمن القانوني والديمقراطي، والتمسك بحقوق الإنسان المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1945، والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجزائر، والتعبير، أيضا، عن انشغالات الشعب الجزائري بتدهور البيئة والنتائج السلبية للتغير المناخي، والحرص على ضمان حماية الوسط الطبيعي والاستعمال العقلاني للموارد الطبيعية، وكذا المحافظة عليها لصالح الأجيال المقبلة. واعترافا بالطاقة الهائلة التي يشكلها الشباب الجزائري، وبتطلعاته وإصراره على رفع التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد، أصبح من الضروري إشراكه الفعلي في عملية البناء والمحافظة على مصالح الأجيال المقبلة، بضمان تكوين نوعي له تتولاه مؤسسات الدولة والمجتمع. كما تضمنت الديباجة الاعتراف بأمازيغية الأرض الجزائرية.
توسيع مجال الحريات والتجاوب مع مطالب الحراك لمحاربة الفساد
يبدو أن التجاوب مع الحراك الشعبي جعل المشرع الدستوري يعزز مكانة المجتمع المدني عبر إقرار المادة 13 من الدستور، بسعي الدولة إلى تفعيل دور المجتمع المدني للمشاركة في تسيير الشؤون العمومية، وهو ما يقارب المقتضيات الدستورية المغربية لسنة 2011، وعبر إضافة ضمان الحقوق والحريات إلى المبادئ التي تقوم عليها الدولة الجزائرية، وتعزيز دور المجتمع المدني في الديمقراطية التشاركية المحلية. وفي الإطار نفسه، يمكن تصنيف تعديل المادة 17 للسماح بدعم الجماعات المحلية الفقيرة، حيث أقرت المادة بندا جديدا يتعلق بإمكانية تخصيص القانون بعض البلديات محدودة التنمية بتدابير بغرض تحقيق توازن اقتصادي واجتماعي، وتكفل أفضل باحتياجات سكانها، ويكرس تقاربا مع ما أقره الدستور المغربي من مقتضيات تهم صندوق التأهيل الاجتماعي وصندوق التضامن بين الجهات. كما أرسى المشروع الدستوري الجديد مبادئ اللامركزية وعدم التركيز أساسا تقوم عليه العلاقات بين الدولة والجماعات المحلية (المادة 18)، ووسع المشروع الدستوري كذلك نطاق المسؤوليات البيئية للدولة لتشمل حماية الأراضي الفلاحية، وضمان بيئة سليمة من أجل حماية الأشخاص وتحقيق رفاهيتهم، وضمان توعية متواصلة بالمخاطر البيئية، والاستعمال العقلاني للمياه والطاقات الأحفورية والموارد الطبيعية الأخرى، وحماية البيئة بأبعادها البرية، البحرية والجوية، واتخاذ كل التدابير الملائمة لمعاقبة الملوثين (المادة 21)، وهي مقتضيات مقاربة للمقتضيات التي تضمنها الدستور المغربي في ما يتعلق بالأجيال الجديدة لحقوق الإنسان.
كما أرست المادة 24 العديد من المقتضيات الدستورية الرامية إلى محاربة الفساد، خاصة حظر استحداث أي منصب عمومي، أو القيام بأي طلب عمومي لا يستهدف تحقيق المصلحة العامة، ووجوب تفادي حالات تعارض المصالح، ووجوب التصريح بالممتلكات من لدن كل شخص يُعين في وظيفة عليا في الدولة، أو ينتخب أو يُعين في البرلمان، أو في هيئة وطنية، أو ينتخب في مجلس محلي في بداية وظيفته أو عهدته وفي نهايتها، وتجريم استغلال النفوذ، واعتبار الإدارة في خدمة المواطن، وإلزامها برد معلل في أجل معقول بشأن الطلبات التي تستوجب إصدار قرار إداري، والتعامل بكل حياد مع الجمهور في إطار احترام الشرعية، وأداء الخدمة دون تماطل. وفي الإطار نفسه، قعدت المادة 27 عمل المرافق العمومية بضمان المساواة وعدم التمييز والالتزام بمبادئ الاستمرارية، والتكّيف المستمر، والتغطية المنصفة للتراب الوطني، وعند الاقتضاء ضمان حد أدنى من الخدمة. ونجد مثيلا لهذه المقتضيات في دستور المملكة المغربية خاصة باب الحكامة الجيدة.
لقد فتح المشروع الدستوري الجديد الباب أمام الجيش الجزائري للمشاركة في عمليات حفظ السلم في إطار احترام مبادئ وأهداف الأمم المتحدة، الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية.
وتضمن مشروع التعديل الدستوري الجديد توسيعا كبيرا لنطاق الحقوق والحريات والضمانات المرتبطة بها، فقد نصت مواد فصله الأول على إلزامية الأحكام الدستورية ذات الصلة بالحقوق الأساسية والحريات العامة وضماناتها جميع السلطات والهيئات العمومية، وعدم إمكان تقييد الحقوق والحريات والضمانات إلا بموجب قانون، ولأسباب مرتبطة بحفظ النظام العام والأمن، وحماية الثوابت الوطنية، وكذا تلك الضرورية لحماية حقوق وحريات أخرى يكرسها الدستور، واستحالة مساس هذه القيود بجوهر الحقوق والحريات، وسهر الدولة عند وضع التشريع المتعلق بالحقوق والحريات على ضمان الوصول إليه ووضوحه واستقراره تحقيقا للأمن القانوني، وجعل دستور الدولة ضامنة للحقوق الأساسية والحريات. كما أقر الدستور بالحق في الحياة حقا لصيقا بالإنسان، يحميه القانون، ولا يمكن أن يحرم أحد منه إلاّ في الحالات التي يحددها القانون، كما جرم التعذيب، والاتجار بالبشر، ونص على حماية الدولة للمرأة من كل أشكال العنف في كل الأماكن والظروف، في الفضاء العمومي وفي المجالين المهني والخاص، واستفادة الضحايا من هياكل الاستقبال ومن أنظمة التكفل، ومن مساعدة قضائية. وأقر المشروع كذلك ضرورة إعلام كل شخص موقوف بأسباب توقيفه، وضرورة إخضاع كل قاصر جرى توقيفه لفحص طبي إجباري، والحق في التعويض عن كل توقيف أو حبس مؤقت تعسفيين، وحفظ الحق لكل شخص في حماية حياته الخاصة وشرفه، والحق في سرية مراسلاته واتصالاته الخاصة في أي شكل كانت، وحماية الأشخاص عند معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي حقا أساسيا، وجرم كل انتهاك لهذه الحقوق. وحفظ المشروع لكل مواطن الحقّ في الدّخول إلى التّراب الوطنيّ والخروج منه، كما حفظ للأجانب الموجودين فوق التراب الجزائري بشكل قانوني حماية القانون لشخصهم وأملاكهم، وعدم إبعاد أحد منهم إلا بمقتضى اتفاقية دولية مصادق عليها، أو بموجب قانون، وحق اللجوء السياسي.
أرسى المشروع الدستوري الجديد، كذلك، حرية ممارسة العبادات وضمن ممارستها في إطار احترام القانون، وحمل الدولة مسؤولية ضمان حماية أماكن العبادة من أي تأثير سياسي أو إيديولوجي.
ضمن المشروع الدستوري حرية التعبير، ونص على أن ممارسة حرية الاجتماع وحرية التظاهر السلمي مضمونتان بمجرد التصريح، ودستر نظام التصريح في تأسيس الجمعيات وعدم حلها إلا بمقتضى قرار قضائي، وارتقى بإطارها القانوني إلى قانون عضوي (تنظيمي). وضمن الدستور الحريات الصحافية ونص عليها مفصلة، بما فيها الصحافة الإلكترونية، وجعل توقيف الصحف بيد القضاء. وأرسى الدستور، على غرار الدستور المغربي، الحق في الوصول إلى المعلومات والوثائق والإحصائيات، والحصول عليها وتداولها، وقيده بحماية الحياة الخاصة وبالمصالح المشروعة للمؤسسات، وبمقتضيات الأمن الوطني.
عزز المشروع، كذلك، الضمانات الممنوحة للأحزاب السياسية، خاصة ضمان معاملة منصفة من الدولة تجاه كل الأحزاب السياسية، وجعل حل الأحزاب السياسية بيد القضاء
ومن الناحية الاقتصادية، عزز مشروع الدستور من حق الملكية التي لا تنزع إلاّ في إطار القانون، وبتعويض عادل ومنصف، ومن ضمان حريات التجارة والاستثمار والمقاولة. وألزم المشروع السلطات العمومية بالعمل على حماية المستهلكين، بشكل يضمن لهم الأمن، السلامة، الصحة وحقوقهم الاقتصادية.
ومن الناحية الاجتماعية، حمل مشروع الدستور الدولة مسؤوليات تمكين المواطن من الحصول على ماء الشرب، والمحافظة عليه للأجيال المقبلة، والرعاية الصحية، خاصة للأشخاص المعوزين، والوقاية من الأمراض المعدية والوبائية ومكافحتها، الحصول على سكن، خاصة للفئات المحرومة، وضمن الحقّ في التربية والتّعليم، وتسهر الدولة باستمرار على تحسين جودتهما. تضمن المشروع، كذلك، حقوق الحماية للأطفال وضمان المساعدة والحماية للمسنين، وضمان إدماج الفئات المحرومة ذات الاحتياجات الخاصة في الحياة الاجتماعية، وإلزام الدولة بالسهر على توفير الوسائل المؤسساتية والمادية الكفيلة بتنمية قدرات الشباب، وتحفيز طاقاتهم الإبداعية، وتشجيع الدولة الشباب على المشاركة في الحياة السياسية، وحمايته من الآفات الاجتماعية، وضمان حرية الإبداع الفكري، بما في ذلك أبعاده العلمية والفنية. وأقر مشروع الدستور للمواطن الحق في تقديم ملتمسات إلى الإدارة بشكل فردي أو جماعي، لطرح انشغالات متعلقة بالمصلحة العامة، أو بتصرفات ماسة بحقوقهم الأساسية، وهو ما يماثل حق العرائض في الدستور المغربي.
وفي مقابل فصل الحقوق والحريات الذي عرف توسيعا كبيرا تحت تأثير دينامية الحراك، تضمن الفصل الثاني من هذا الباب الواجبات الدستورية، كوجوب نشر القوانين والتنظيمات، ووجوب احترام الحق في الشّرف، والحياة الخاصّة، وحماية الأسرة والطفولة والشّباب، واعتبار الضريبة من واجبات المواطنين.
سعي دستوري إلى التوازن بين السلط
تحت تأثير الحراك، أعاد المشروع صياغة مقتضيات تقييد عدد الولايات الرئاسية، بالتنصيص على أنه لا يمكن أحدا ممارسة أكثر من عهدتين متتاليتين أو منفصلتين. وفي حال انقطاع العهدة الرئاسية بسبب الاستقالة أو لأي سبب كان تُعد عهدة كاملة، كما اعتبرها من المقتضيات التي لا يمكن تغييرها في أي تعديل دستوري. وحمل مشروع الدستور الرئيس مسؤوليّة الدّفاع الوطنيّ، وحق التقرير في إرسال وحدات من الجيش الوطني الشعبي إلى خارج الوطن بعد مصادقة البرلمان بأغلبية ثلثي أعضاء كل غرفة من غرفتي البرلمان، وخص الرئيس بتولي السلطة التنظيمية، واستدعاء الهيئة الناخبة، وتقرير إجراء انتخابات رئاسية مسبقة، وتعيين الأعضاء المسيرين لسلطات الضبط. ونظم المشروع قواعد تدبير فترات استحالة ممارسة رئيس الجمهوريّة مهامه بسبب مرض خطير ومزمن.
من أهم المستجدات التي حملها المشروع، التمييز بين رئيس الحكومة والوزير الأول، حيث يقود الحكومة وزير أول، في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية، ويقودها رئيس حكومة في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية، فإذا أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية غير الأغلبية الرئاسية، يعين رئيس الجمهورية رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية، ويكلفه بتشكيل حكومته وإعداد برنامج الأغلبية البرلمانية. وإذا لم يصل رئيس الحكومة المعين إلى تشكيل حكومته في أجل ثلاثين يوما، يعين رئيس الجمهورية رئيس حكومة جديدا، ويكلفه بتشكيل الحكومة، وفي كل الحالات، يعرض رئيس الحكومة برنامج الحكومة على مجلس الوزراء، ثم يقدمه للبرلمان.
ووسع المشروع من سلطات رئيس الحكومة أو الوزير الأول عبر تخصيصه بتوجيه وتنسيق ومراقبة العمل الحكومي والتعيين في الوظائف المدنية للدولة التي لا تندرج ضمن سلطة التعيين لرئيس الجمهورية أو تلك التي يفوضها إليه هذا الأخير.
حافظ المشروع الدستوري على نظام الثنائية البرلمانية، وأقر سيادة البرلمان في إعداد القانون والتّصويت عليه، وأضاف حقوقا جديدة للمعارضة البرلمانية عبر التنصيص الدستوري على الاستفادة من الإعانات المالية حسب نسبة التمثيل في البرلمان، ومراقبة نشاط الحكومة، وتمثيل يضمن لها المشاركة الفعلية في أجهزة غرفتي البرلمان، خاصة رئاسة اللجان بالتداول.
فرض المشروع كذلك أن تصوت كل غرفة من غرفتي البرلمان على القوانين واللوائح بحضور أغلبية أعضائها، ومكن الحكومة من طلب المسطرة الاستعجالية للمصادقة على مشاريع القوانين، لكنه أحال على قانون عضوي (تنظيمي) لتحديد شروط وكيفيات تطبيق هذه الإمكانية.
قيد المشروع، كذلك، عدد الولايات البرلمانية، حيث أقر بأنه لا يمكن أحدا ممارسة أكثر من عهدتين برلمانيتين منفصلتين أو متتاليتين، ومتع أعضاء البرلمان بالحصانة بالنسبة إلى الأعمال المرتبطة بممارسة مهامه كما هي محددة في الدستور.
أضاف المشروع إلى مجالات القانون مجال القواعد العامة للصفقات العمومية.
ووزع المشروع نطاق السلطة التنظيمية بين رئيس الجمهوريّة، الذي يمارس السّلطة التّنظيميّة في المسائل غير المخصّصة للقانون، ورئيس الحكومة الذي يتولى السلطة التنظيمية في مجال تنفيذ القوانين.
وفي ما يتعلق بالقضاء، أكد المشروع اعتبار القضاء سلطة مستقلة، وحذف دور رئيس الدولة في ضمان هذه الاستقلالية. وألزم المشروع القاضي بتطبيق المعاهدات المصادق عليها، وقوانين الجمهورية، وكذا قرارات المحكمة الدستورية.
ولتعزيز استقلالية القضاة، حمل المشروع الدستوري مجموعة من الضمانات لقضاة الأحكام لحمايتهم من النقل والإيقاف والإعفاء والعقاب التأديبي والاحتياج.
وأدرج المشروع هذه الضمانات في نطاق القوانين العضوية، وفي المقابل، ألزم كل قاض بالامتناع عن كل ما يخل بواجبات الاستقلالية والنزاهة، وفرض عليه الالتزام بواجب التحفظ.
فصل المشروع الدستوري، كذلك، في اختصاصات المجلس الأعلى للقضاء بصفته ضامنا لاستقلال القضاء وحدد تركيبته.
تقارب دستوري بين المغرب والجزائر في مجال القضاء الدستوري ومؤسسات الرقابة
على غرار الدستور المغربي لسنة 2011، ارتقى المشروع الدستوري الجزائري بالقضاء الدستوري إلى مصاف محكمة دستورية، واعتبرها مؤسسة مستقلة مكلفة بضمان احترام الدستور، وضبط سير المؤسسات ونشاط السلطات العمومية، وحدد تشكيلتها في اثني عشر عضوا يعين الرئيس أربعة منهم، ويعين رئيس المحكمة العليا ورئيس مجلس الدولة كل واحد منهما عضوا، وينتخب ستة أعضاء بالاقتراع العام من أساتذة القانون الدستوري، البالغين خمسين سنة من العمر، والمتمتعين بخبرة في القانون الدستوري لا تقل عن عشرين سنة، وبالحقوق المدنية والسياسية، وغير المحكوم عليهم بسبب جريمة، ومن بين الشخصيات غير المنتمية حزبيا. وقد قيد المشروع الجزائري العضوية بولاية واحدة من ست سنوات، وجعل الانتخاب كل ثلاث سنوات للتجديد النصفي، كما وسع نطاق المحكمة الدستورية ليشمل الفصل بقرار في دستورية المعاهدات والقوانين والأوامر والتنظيمات، وكذا الفصل في الخلافات التي قد تحدث بين السلطات الدستورية، كما يمكن اللجوء إلى تفسير حكم أو عدة أحكام دستورية، والتي تبدي رأيا بشأنها.
وقلص المشروع من نصاب الإخطار المطلوب لأعضاء مجلسي البرلمان إلى أربعين عضوا في المجلس الشعبي بدل خمسين الحالية، وخمسة وعشرين عضوا من مجلس الأمة بدل ثلاثين عضوا حاليا.
عزز المشروع الدستوري، كذلك، من مكانة مجلس المحاسبة، واعتبره مؤسسة عليا مستقلة للرقابة على الممتلكات والأموال العمومية، تساهم في ترقية الحكم الراشد والشفافية في تسيير الأموال العمومية وإيداع الحسابات، كما ارتقى بإطاره القانوني من مجرد قانون إلى قانون عضوي يحدد تنظيم المجلس وعمله واختصاصاته والجزاءات المترتبة على تحرياته، والقانون الأساسي لأعضائه، كما يحدد علاقاته بالهياكل الأخرى في الدولة المكلفة بالرقابة والتفتيش ومكافحة الفساد.
ووسع المشروع من سلطات السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات بصفتها مؤسسة مستقلة تتولى مهمة تحضير، وتنظيم، وتسيير الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية وعمليات الاستفتاء، والإشراف عليها، وتمارس مهام التسجيل في القوائم الانتخابية ومراجعتها، وعمليات تحضير العملية الانتخابية، وعمليات التصويت والفرز والبت في النزاعات الانتخابية حسب التشريع الساري المفعول.
وارتقى المشروع بالهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته إلى مرتبة السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، واعتبرها مؤسسة مستقلة، دقق الدستور مهامها وأناط بها وضع استراتيجية وطنية للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، والسهر على تنفيذها ومتابعاتها، وجمع ومعالجة وتبليغ المعلومات المرتبطة بمجال اختصاصها ووضعها في متناول الأجهزة المختصة، وإخطار مجلس المحاسبة والسلطة القضائية المختصة كلما عاينت وجود مخالفات، وإصدار أوامر عند الاقتضاء للمؤسسات والأجهزة المعنية، والمساهمة في تدعيم قدرات المجتمع المدني والفاعلين الآخرين في مجال مكافحة الفساد، ومتابعة وتنفيذ ونشر ثقافة الشفافية والوقاية ومكافحة الفساد، وإبداء الرأي حول النصوص القانونية ذات الصلة بمجال اختصاصها، والمشاركة في تكوين أعوان الأجهزة المكلفة بالشفافية والوقاية ومكافحة الفساد، والإسهام في تخليق الحياة العامة وتعزيز مبادئ الشفافية والحكم الراشد، والوقاية ومكافحة الفساد.
تعزيز الهيئات الاستشارية بهيئات جديدة
في باب الهيئات الاستشارية، تضمن المشروع الدستوري الجزائري الهيئات الاستشارية المنصوص عليها في دستور 2016، وهي المجلس الإسلامي الأعلى، والمجلس الأعلى للأمن، والمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي عدلت تسميته لإضافة البعد البيئي، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الأعلى للشباب، والمجلس الوطني للبحث العلمي والتكنولوجيات، وهي الهيئات التي نجد مثيلاتها في دستور المملكة المغربية.
وأحدث المشروع هيئات دستورية جديدة تتمثل في المرصد الوطني للمجتمع المدني هيئة استشارية لدى رئيس الجمهورية، تقدم آراء وتوصيات متعلقة بانشغالات المجتمع المدني، وتسهم في ترقية القيم الوطنية والممارسة الديمقراطية والمواطنة، وتشارك مع المؤسسات الأخرى في تحقيق أهداف التنمية الوطنية.
وإذا كان الدستور المغربي قد خص المجتمع المدني والشباب بمجلس واحد، فالمشروع الدستوري الجزائري خصص لكل منهما هيئة استشارية خاصة ترتبطان برئيس الدولة، وتحدد تشكيلتهما بمراسيم رئاسية فقط.
كما أحدث المشروع الجديد الأكاديمية الجزائرية للعلوم والتكنولوجيات، واعتبرها هيئة مستقلة ذات طابع علمي وتكنولوجي.
ضمانات جديدة للاستقرار الدستوري
حافظ المشروع على القواعد العامة نفسها المتعلقة بتعديل الدستور، وأضاف مجالا جديدا إلى المجالات التي لا يمكن أيّ تعديل دستوريّ أن يمسها، ويتعلق الأمر بتمازيغت لغة وطنية ورسمية، كما أعاد صياغة المقتضى المتعلق بضبط عدد العهدات الانتخابية الرئاسية باعتماد عبارة عدم جواز تولي أكثر من عهدتين رئاسيتين متتاليتين أو منفصلتين ومدة كل عهدة خمس سنوات.
تدابير انتقالية محكومة بالضغط الزمني
قيد المشروع توافق المؤسسات القائمة مع الدستور بآجال زمنية ضيقة جدا لا تتعدى سنة بعد نشر الدستور الجديد في الجريدة الرسمية، حيث نصت أحكامه الانتقالية على استمرار المؤسسات والهيئات التي طرأ على نظامها القانوني في هذا الدستور تعديل أو إلغاء في أداء مهامها إلى غاية تعويضها بالمؤسسات والهيئات الجديدة، في أجل أقصاه سنة واحدة من تاريخ نشر هذا الدستور في الجريدة الرسمية. لكن المشروع فتح الباب لاستمرار سريان مفعول القوانين التي يستوجب تعديلها وفق أحكام هذا الدستور إلى غاية تعديلها في آجال معقولة..
انتقال الدستور الجزائري إلى دساتير الجيل الجديد
يشكل مشروع التعديل الدستوري الجديد استمرارا لمسار بدأ مع دستور 2016، والانتقال بالدستور الجزائري من دساتير المرحلة الاشتراكية إلى دساتير الجيل الجديد، رغم استمرار الإيديولوجيا الرسمية في حبك ديباجة الدستور، فالتفاعل مع ضغط الشارع ومطالب الحراك جعل باقي الأبواب والفصول تميل إلى اتباع ما سار عليه الدستور المغربي لسنة 2011 ودستور تونس سنة 2014 من توسيع مجال الحقوق والحريات، ودسترة الأجيال الجديدة لحقوق الإنسان، وتعزيز الديمقراطية التشاركية، وتقوية البرلمانات، والإسناد الدستوري لهيئات الحكامة وللهيئات الاستشارية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.