يحلل الباحث الحبيب استاتي زين الدين في كتابه الأخير: «الحركات الاحتجاجية في المغرب ودينامية التغيير ضمن الاستمرارية»، الحركات الاحتجاجية في المغرب، لا باعتبارها ردود فعل جماعي على أوضاع سياسية واجتماعية معينة وبطرائق غير عنيفة فحسب، وإنما بوصفها ظاهرة سوسيو سياسية تعبر عن يقظة شعبية. يرى الباحث المغربي الحبيب استاتي زين الدين، في كتاب صدر له مؤخرا، أن التعبير عن الرفض والاختلاف، وبلورة مواقف تجاه قضايا مختلفة، وممارسة الضغط السلمي على السلطة، هي حقوق أساسية في أي نظام سياسي غايته الدمقرطة وخدمة الصالح العام. من هنا، يرى أن ما يشهده المغرب من احتجاجات وحراكات منذ عقود لا يخرج عن هذه القاعدة، من دون أن يعني ذلك أن النظام السياسي يتوخى الدمقرطة فعلا. في هذا السياق، يبحث الباحث، في كتابه «الحركات الاحتجاجية في المغرب ودينامية التغيير ضمن الاستمرارية»، في حركة 20 فبراير، مستعينا بمجموعة من المرجعيات النظرية والقانونية، ومحاولا تقريب مضامين النصوص القانونية المنظمة للحق في الاحتجاج السلمي على المستويين الدولي والوطني من ذهن القارئ، وتيسير فهمه مأزق المقاربة الأمنية التي تسلكها الإدارة في تدبير ثنائية الحق في الاحتجاج السلمي وواجب احترام النظام العام، موازاة مع جعله يتنبه إلى صعوبات نجاح القضاء في مهمة التوفيق بين إكراهات السلطة ومستلزمات الحرية في ظل مجتمع تراهن ديناميته على إحداث التغيير في إطار الاستمرارية. ومن أبرز دلائل هذا الرهان ما شهده الفضاء العمومي من حركية ملحوظة منذ عام 2011، تزامنا مع الحراك العربي. من جانب ثان، وإذ يركز زين الدين على حركة 20 فبراير، فإنه يروم تشخيص محفزات الحراك المغربي وتداعيات عدوى انتشاره، من خلال تسليط الضوء على السياق العام والخاص لبروز حراك «20 فبراير»، ومكوناته الأساسية، والمطالب التي انبثقت منه، فضلا عن الاستراتيجية التي نهجها النظام السياسي لمصاحبته واحتوائه، وردود فعل الحركة والمآلات التي بلغتها إلى حدود عام 2017. إذ كان ينظر إلى هذا الحراك في البداية، على أنه احتجاجات تقليدية لا تخرج عن دائرة المألوف، لكن حدته واستماتته واستمراريته سرعان ما ضاعفت تخوف السلطات السياسية، وحذر المجتمع الدولي، وحجم التغطية والتداول الإعلامي والإلكتروني، واهتمام المراكز البحثية. والأهم أنه أوجب إعادة النظر في جميع النظريات الأكاديمية التي تحدثت عن الاستثناء العربي الذي حصن أنظمة الحكم فيها طوال الحقب الماضية، حتى اطمأنت إلى حالة الجمود السياسي داخل بلدانها، بالموازاة مع تجديد التساؤل حول خصوصيات فضاء ظاهرة الاحتجاج والشروط الذاتية والموضوعية التي تتحكم في اتساع مداها أو الحد من آثارها بالرجوع إلى التفسيرات التي أنتجتها السوسيولوجيا السياسية. كما يستعين زيد الدين بالتراكمات الفكرية للسوسيولوجيا السياسية، في مسعى إلى فهم هذه الظاهرة المتعددة الأوجه، مع الانتباه إلى الاختلافات النظرية، والانتقادات التي وجهت إلى أطروحاتها، ومراعاة السياقات التي تتحكم في الفعل الاحتجاجي، خصوصا أن الحقل التجريبي لهذه النظريات داخل المؤسسات الجامعية والمراكز البحثية في البلدان العربية، ومن بينها المغرب، مازال بكرا. ويلفت المؤلف، في ختام الكتاب، الأنظار إلى تطور الحركات الاحتجاجية، وما نجم عنها من تغيرات شملت تعبيرات الاحتجاج ومضمون رسالته، بالتزامن مع التحولات المتسارعة التي يشهدها المغرب، في سياقين؛ محلي ودولي متوترين ومتقلبين، وغايته في ذلك التنبيه إلى ضرورة التسريع ببلورة سياسات عمومية مندمجة ومتكاملة، من شأنها ضمان السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي في الحاضر والمستقبل. تجدر الإشارة إلى أن الكتاب صدر ضمن منشورات المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات، وهو يقع في 524 صفحة من الحجم المتوسط. ويشار إلى أن الحبيب استاتي زين الدين باحث مغربي، حصل على الدكتوراه في القانون العام والعلوم السیاسیة من كلیة العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية في جامعة القاضي عیاض بمراكش. وهو أستاذ القانون الدستوري وعلم السياسة في جامعة عبدالمالك السعدي بتطوان. نشر عديد الدراسات والبحوث العلمية باللغتين العربية والفرنسية في منشورات رقمية ومجلات محكمة. شارك في لقاءات علمية عدة، كما شارك في تأليف كتاب: «تحولات الفعل الاحتجاجي المغربي: التاريخ والأبعاد والمحددات».