بالرغم من الآثار التي خلّفتها جائحة كورونا، إلا أن الحكومة ماضية نحو الالتزام بما وعد به رئيسها، سعد الدين العثماني، في اجتماعيه مع ممثلي الأحزاب السياسية في بداية مارس الماضي، حيث أعلن انطلاق المشاورات حول الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بُغية الوصول إلى توافق سياسي حول المنظومة القانونية التي ستؤطر الانتخابات المقبلة في 2021. خطاب وزير الداخلية أمام الأحزاب الممثلة في البرلمان في لقاء 8 يوليوز الجاري تضمن رسائل واضحة؛ أكدت حرص الدولة على الالتزام بالآجال الدستورية للانتخابات، ما يعني أن سنة 2021 ستكون سنة انتخابية أساسا، وهو موقف حكومي ينتصر للاختيار الديمقراطي إزاء المواقف التي دعت إلى تأجيل الانتخابات عن موعدها، بحجة واقع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية جراء فيروس كورونا، علاوة على احتمال الانحدار القوي لنسبة المشاركة الانتخابية، ما يعزز مشكل الثقة في السياسة وفي المؤسسات، بحسب بعض المحللين، الذي قد تتغذى منه المواقف السياسية الجذرية. خطاب وزير الداخلية سعى إلى طمأنة الأحزاب السياسية، خصوصا حين استعماله عبارات "الحياد التام" و"الإنصات" للأحزاب، و"التحلي بقيم الديمقراطية" و"التزام أخلاقيات الانتخابات"، وهو خطاب يكشف في جانب منه، عن رهانات جديدة للسلطة في المرحلة المقبلة، يبدو أنه ليس من بينها هاجس ضبط الإيقاع الانتخابي لهذا الحزب أو ذاك، خصوصا وأنه ليس لديها حزب مفضل لحد الآن للمرحلة المقبلة، كما أن الحساسية المفرطة التي كانت لديها من حزب العدالة والتنمية تبدو آخذة في الاختفاء التدريجي، وهي رهانات كانت مؤثرة في انتخابات سابقة، ويبدو اليوم أنها تراجعت لتفسح المجال أمام رهانات جديدة، على رأسها تعزيز المسار المؤسساتي والديمقراطي. لكن الراجح أن بعض الإشكالات باتت أحد الثوابت الملازمة للممارسة الانتخابية في المغرب، فهي إكراهات تتكرر باستمرار دون حل جذري، ومما يُطرح في هذا السياق، احتمال ارتفاع العزوف السياسي وضعف المشاركة الانتخابية بسبب ضعف الثقة في الأحزاب وفي السياسة. رغم ذلك، لا يعني التسليم بالأمر الواقع، لأن عددا من الأحزاب تعي المشكل في جوهره، ويبدو أنها على صواب حين تدعو إلى مبادرات سياسية تساهم في تلطيف المناخ السياسي الحاد، والرفع من منسوب الثقة في العملية السياسية، وفي الفاعلين السياسيين كذلك. في هذا الصدد، مافتئ نبيل بنعبدالله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، يدعو إلى "إيجاد مبادرات تدفع المواطنين للإقبال على صناديق الاقتراع"، مضيفا أن "هناك فراغا وهوّة حقيقية بين المواطن والشأن السياسي، إلى حدّ أن المجتمع يبدو في واد، والفضاء المؤسساتي والسياسي والحزبي، في واد آخر". وبخلاف الأصوات الداعية إلى تأجيل الانتخابات، اعتبر عبدالرحيم العلام، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض، في حديثه ل"أخبار اليوم" أن "الاستحقاقات الانتخابية لا يجب أن تتأثر بالجوائح ويجب أن تجري حتى في فترة الحروب. إضافة إلى ذلك لا ينبغي على الدولة أن تخصص أموالا ضخمة للأحزاب السياسية"، وزاد "في ظل هذه الظروف على الأحزاب أن تقوم بحمالات متقشفة، وبدعم قليل من الدولة، فضلا عن الاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي". من جانبه، اعتبر محمد شقير، الباحث في العلوم السياسية أن "صانع القرار في المغرب قد حسم في مسألة الانتخابات، إذ منذ بداية العهد الجديد كان هناك حرص على تنظيم الانتخابات في وقتها، وزاد "رغم أن الظرفية لها تداعيات ممكن أن ترخي بظلالها على موعد الانتخابات، إلا أن إجراء الانتخابات في وقتها يتناسب مع الرؤية الجديدة للنموذج التنموي الذي يجري إعداده، لأن هناك حاجة أساسية للبحث عن الكفاءات لإنجاز التوجيهات العامة للنموذج التنموي". السؤال الذي يتكرر على كل لسان يتعلق بما إذا كان حزب العدالة والتنمية، الذي قضى عشر سنوات في رئاسة الحكومة، سيستمر لولاية ثالثة. بعض المحللين يرون أن الانتخابات المقبلة قد تكون، بل يجب أن تكون، فرصة لإبعاد حزب العدالة والتنمية عن قيادة العمل الحكومي، لا لشيء إلا رغبة في تجديد النخب الحكومية والبرلمانية، بل إن بعض الفاعلين يرون أن انتخابات 2021 قد تكون فرصة للسلطة لدفع حزب العدالة والتنمية إلى موقع المعارضة من جديد. لكن هناك سيناريو ثان، قد تلجأ إليه السلطة، يتمثل في تنظيم تنافس انتخابي نزيه يسمح للأحزاب الأكثر تنظيما وتجذرا بتصدر المراتب الأولى في الانتخابات التشريعية المقبلة. هنالك سيناريو ثالث حظي بجاذبية أكبر من قبل، لكن يبدو أنه فقدها اليوم، ويتعلق بالرهان على عزيز أخنوش وحزبه التجمع الوطني للأحرار، وهو السيناريو الذي ساد لفترة، خصوصا بعد تشكيل حكومة سعد الدين العثماني في ربيع 2017، بعد بلوكاج دام ستة أشهر لرئيس الحكومة عبدالإله بنكيران وانتهى إلى إقالته.