في الوقت الذي يحاول فيه الملك تقديم أجوبة عن الطلبات الاجتماعية والاقتصادية المتصاعدة، كما تدل على ذلك الخطب الملكية الأخيرة، تظهر الحكومة، من موقف إلى آخر، مشتتة ومنقسمة على نفسها. هذه الصورة تقدم هذه الأيام على لسان أكثر من طرف كالتالي: ملك يشتغل، مهموم بقضايا شعبه، وحكومة منشغلة بحساباتها الصغيرة والتافهة، والمقصود أنها حكومة غير مؤهلة لتنفيذ الأجندة الملكية، حيث يظهر «الملك وحيدا في جبهة الإصلاحات»، كما عبّر عن ذلك المحلل السياسي، مصطفى السحيمي، وهو وضع ينبغي ألا يستمر طويلا. فما هو الوضع حقيقة؟ وما السيناريوهات الممكنة لتطوره؟ هل تتفكك الأغلبية أم يعاد ترميمها بتعديل حكومي جذري؟ من انقسام إلى آخر إذا كان من سمة ميّزت الدخول السياسي الحالي، فهي الانقسام الحاد في المواقف بين الأحزاب المكونة للأغلبية الحكومية. الخلاف الأول تفجر بين الحليفين الرئيسين، حزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية، على خلفية إقالة كاتبة الدولة في الماء، شرفات أفيلال، من منصبها دون استشارة قيادة التقدم والاشتراكية، حيث جرى تحميل المسؤولية لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني. وقد تطلبت لملمة الخلاف جلسات حوار، ومجلسا وطنيا للعدالة والتنمية أعلن فيه تشبثه صراحة بالتحالف بين الحزبين، كما تطلب استعطافا من الأمين العام السابق، عبد الإله بنكيران، لقيادة التقدم والاشتراكية للبقاء ضمن التحالف، ورغم ذلك لا يبدو أن قيادة حزب علي يعتة قد ابتلعت الضربة التي تلقتها حتى الآن، إذ أصبحت أكثر جرأة في انتقاد الحكومة ورئيسها، كما أنها لم تعد تتردد في التعبير عن عدم رضاها عن طريقته في تدبير العمل الحكومي. ولم يكد يخِف أثر الخلاف بين الحزبين الحليفين، حتى تفجر خلاف أقوى بين الحزبين المتنافسين داخل الحكومة نفسها؛ العدالة والتنمية وحزب التجمع الوطني للأحرار. وحسب الوقائع، فإن الشرارة الأولى للخلاف اشتعلت في الحملة الانتخابية الجزئية بدائرة المضيقالفنيدق، على لسان عبد العزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة لحزب «البيجيدي»، الذي وصف قيادة الأحرار بأنها جزء من «كارتيلات» تسيطر على قطاع المحروقات. وجاء ذلك في سياق حديثه عن التقرير البرلماني حول أسعار المحروقات، الذي سجّل جني الشركات العاملة في القطاع 17 مليار درهم في ظرف سنتين، منها 4 ملايير درهم كانت حصة شركة «أفريقيا غاز»، التي يملكها عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار ووزير الفلاحة والصيد البحري. حديث أفتاتي عن «كارتيلات» تسيطر على القطاع، ثم عن حملة المقاطعة التي أسقطت حلم أخنوش في تصدر المشهد الحزبي، في أفق قيادة العمل الحكومي بعد 2021، يبدو أنه أزعج كثيرا قيادة التجمع الوطني للأحرار، فقررت الرد عليه رسميا في اجتماع للمكتب السياسي للأحرار، وهو الدور الذي تكفل به الوزير والقيادي رشيد الطالبي العلمي. ففي افتتاح الجامعة الصيفية لشبيبة الأحرار بمراكش قبل أسبوع، وصف الطالبي العلمي، بحضور وزراء الحزب وقادته من بينهم رئيسه عزيز أخنوش، التنافس بين حزبي الأحرار و«البيجيدي» بأنه تنافس بين «مشروعين مجتمعيين»؛ مشروع لكل المغاربة ومشروع آخر دخيل، مؤكدا أن حاملي هذا المشروع الدخيل -في إشارة إلى حزب العدالة والتنمية- «باغيين يخربو البلاد»، وأنه ينبغي مواجهة هذا «المشروع التخريبي». أشعلت تصريحات العلمي النار في أوساط حزب العدالة والتنمية، قيادة وقواعد، ويبدو أنه تقرر الرد عليه رسميا كذلك من قبل سليمان العمراني، نائب الأمين العام للحزب، الذي اختار منصّة «الفايسبوك»، ويبدو أن تصريحاته جاءت بعد استئذان الأمين العام، سعد الدين العثماني، بالنظر إلى الموقع التنظيمي للأول، وأيضا لحساسية الموضوع وقوة الرد. فقد طلب العمراني، تلميحا، من الأحرار مغادرة الحكومة إذا كان الحزب الذي يقودها بالمواصفات التي ذكرها العلمي، «أتساءل لماذا أنتم باقون في حكومة يقودها حزب بالمواصفات التي ذكرت؟ ولماذا تبقى هذه الحكومة أصلا؟ شيء ما ليس على ما يرام». لم يكتف العدالة والتنمية بالرد الذي كتبه نائب أمينه العام، بل واصل ذلك عبر بلاغ للأمانة العامة، في اجتماعها ليوم 25 شتنبر الجاري، والذي وصف تصريحات الطالبي العلمي بأنها «تهجم سافر، وغير مسؤول، ومناقض لمبادئ ومقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم العمل الحكومي»، قبل أن يدعو البلاغ الوزير العلمي إلى الاستقالة من الحكومة، «كيف يستساغ لوزير الاستمرار في حكومة يقودها حزب يحمل، حسب ادعائه، مشروعا دخيلا يسعى إلى تخريب البلاد؟». ضربات «البيجيدي» ردّ عليها رئيس الأحرار، عزيز أخنوش، منتصرا لزميله في الحزب والحكومة، الطالبي العلمي، مستغربا بالأساس أن تتولى الأمانة العامة ل«البيجيدي» الرد على العلمي في بلاغ رسمي، مؤكدا أن ذلك «غير مقبول». ولمّح أخنوش إلى استعداد حزبه لفك أي ارتباط ب«البيجيدي» إذا استمر الأخير في استهدافه، «من الآن فصاعدا، لم يعد من الممكن استهداف التجمع الوطني للأحرار بهذا الشكل غير اللائق». من المؤكد أن وجود الحزبين معا في الحكومة لم يؤد إلى حصول توافق بينهما، ف«البيجيدي» يحمّل الأحرار مسؤولية «البلوكاج»، وكل الإهانات التي تعرض لها أمينه العام السابق، عبد الإله بنكيران، وأنه كان سببا في «التمزق» الداخلي الذي لم يتخلص من آثاره حتى الآن. وفي المقابل، ترى قيادة الأحرار في «البيجيدي» تهديدا لمصالح الفئات الريعية (التي يمثلها أعيان، رجال أعمال…)، وترى في أخنوش فرصة لتعظيم تلك المصالح. وبمجرد أن أعلن رئيسا الحزبين أن الخلاف قد جرى طيّه، حتى تفجر خلاف ثالث على خلفية تقديم مرشح لرئاسة مجلس المستشارين يوم الاثنين الماضي. ففي مشهد وصفه الكثيرون ب«العبث»، اصطفت أحزاب الأغلبية إلى جانب مرشح حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، ضد مرشح الحزب الذي يقود الحكومة، فيما امتنعت أحزاب المعارضة الأخرى، خصوصا حزب الاستقلال، عن التصويت لأي من المرشحين. مشهد لا يحدث إلا في المغرب غالبا. نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، قال ل«أخبار اليوم» إن «تشتت موقف الأغلبية سيكون له أثر سلبي جدا»، وأضاف: «كان الأسلم أن تقدم الأغلبية مرشحا عنها، وفي حال عدم توفر هذه الإمكانية، لأسباب واقعية يعلمها الجميع، فقد كان الأفضل أن تترك الأغلبية هذا المنصب للمعارضة في إطار إعلان موقف سياسي واضح». ويبدو أن أولى الآثار السلبية لهذا الموقف، تأجيل اجتماع الأغلبية الحكومية الذي كان مقررا مباشرة بعد انتخاب رئيس مجلس المستشارين. إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أحد مكونات الأغلبية الحكومية، قال إن «تأجيل اجتماع الأغلبية جاء نتيجة عدم تنفيذ قرار الأغلبية، في ما يتعلق بعدم تقديم أي مرشح من الأحزاب المشكلة للحكومة لانتخابات مجلس المستشارين». وأضاف لشكر، في تصريحات صحافية، أن الأغلبية كانت قد عقدت اجتماعاً بداية الشهر الجاري، في منزل رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، خلصت فيه إلى «قناعة مشتركة مفادها عدم تقديم مرشح لرئاسة مجلس المستشارين، مع إصدار بلاغ يوضح أنه سيكون من الأنسب أن يكون هذا المقعد موضع منافسة بين مكونات المعارضة فقط، لأن الأغلبية لا يمكن أن تسير الحكومة والغرفة الأولى والغرفة الثانية». واعتبر لشكر أن «أي تغيير في موقف البيجيدي كان يقتضي أن تجتمع الأغلبية وتتداول بشأنه، لأن الأمر يتعلق باحترام الأغلبية بعضها البعض، لا أن نفاجأ بما وقع»، وأضاف: «نحن لا نحرم أي طرف سياسي من تغيير موقفه، ولكن كان من الضروري إبلاغنا لأننا ندبر فرقا برلمانية». هكذا، وفي الوقت الذي غيّر فيه الملك محمد السادس لغته المنتقدة للحكومة والأحزاب نحو لغة داعمة ومساندة منذ خطاب العرش الأخير، وفي الوقت الذي خفّ فيه التوتر والانقسام داخل حزب العدالة والتنمية منذ مجلسه الوطني الأخير، ارتفعت درجة الخلافات داخل الأغلبية الحكومية، وبالأساس بين حزب العدالة والتنمية وباقي مكوناتها، فما دلالة ذلك؟ أبعاد التوتر يقرأ مناضلو حزب العدالة والتنمية وبعض قادته في هذه الأحداث رغبة من جهات معينة داخل السلطة في «عزل» حزبهم، لذلك ينادون بالوضوح في الموقف، فيما يقرأ فيها خصومهم رغبة من الحزب في «التمرد» والخروج عن إجماع الأحزاب التي تحالف معها، فهو، وفق هذا المنطق، «غير وفي لتعاقداته»، لكن للمحللين السياسيين رأيا آخر. محمد مصباح، مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات، يرى أن الانقسام بين أحزاب الأغلبية الحكومية «يعكس ضعف وهشاشة التحالف الحكومي»، ومن أجل فهم ذلك يجب «العودة إلى الوراء، لمعرفة كيف تشكل هذا التحالف، وكيفية تشكيل الائتلافات في الحالة المغربية». ويرى مصباح أن هناك عاملا محددا هو النمط الانتخابي، «فالنمط الانتخابي يفرز حكومات هشة، ويعرقل تشكيل حكومات قوية»، وبالتالي، من الطبيعي جدا أن «تكون لدينا حكومات غير متجانسة، وأن يكون الحزب الذي يقود الحكومة دون هيمنة فعلية، وأن يكون رئيس الحكومة دون سلطة حقيقية على وزرائه». أما العامل الثاني، الذي يزيد من تفاقم وضع الهشاشة هذا، فهو إقحام التقنوقراط من خارج الأحزاب في الحكومة، وهؤلاء يكونون عادة خارج سلطة رئيس الحكومة، لأنه ليس هو من أتى بهم». وأضاف مصباح عنصرا ثالثا يتعلق بالأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي، «فهي أحزاب تسعى إلى خدمة مصلحتها الخاصة أولا قبل الأغلبية الحكومية، لأنها تدرك أن السلطة في موقع آخر، وليست بيد رئيس الحكومة، لذلك، فهي غير مستعدة للتنازل له». عبد الإله السطي، الباحث في العلوم السياسية، يرى بدوره أن الانقسام الجديد داخل الأغلبية الحكومية هو «غيض من فيض؛ وتحصيل حاصل للأرضية الهشة التي تأسست عليها حكومة السيد سعد الدين العثماني منذ بدايتها، حيث يتبين، يوما بعد يوم، أن هناك إشكالا في الانسجام الحكومي». واعتبر السطي أن السبب الرئيس يعود «للسياق والظروف التي خرجت فيها التشكيلة الحكومية، بعد مسار طويل من المشاورات والأخذ والرد الذي أفضى إلى إعفاء عبد الإله بنكيران من رئاسة الحكومة، ثم دخول حزب الاتحاد الاشتراكي للمشاركة حليفا، وهو الذي كان عليه تحفظ من لدن حزب العدالة والتنمية قائد التحالف الحكومي»، وأضاف: «على ما يبدو، فإن التحالف الحكومي لم يتخلص من الأزمة التي رافقت نشأته، إذ إن ما يقع الآن من مطبات في مسار هذه الحكومة، هو تكريس لواقع قائم منذ نشأتها». أما عبد المنعم لزعر، الباحث في القانون الدستوري والعلوم السياسية، فقد اعتبر مصدر الانقسام هو تباين التعاقدات القائمة، مؤكدا «هناك ثلاثة تعاقدات، بعضها سابق على تشكيل الحكومة الحالية؛ تعاقد أفرز مجلس المستشارين سنة 2015، وهو مستمر حتى الآن، وتعاقد أفرز مجلس النواب، وهو مستمر كذلك حتى الآن، وتعاقد آخر مختلف أفرز الحكومة، وهو مستمر حتى الآن، لكنه يتعرض لاهتزازات من حين إلى آخر». واعتبر لزعر أن التعاقدات «مرحلية وليست استراتيجية، بالنظر إلى ما تقتضيه الصيغ المعيارية من دستور وقانون انتخابي، حيث يقضي الأول بتعيين رئيس الحكومة من الحزب المتصدر للانتخابات، ولا يسمح نمط الاقتراع بفوز حزب بالأغلبية المطلقة، ويستدعي ذلك باستمرار تشكيل تحالفات مؤقتة غير منسجمة، سواء على المستوى الإيديولوجي أو البرنامجي». ويرى لزعر أن الصراعات الحالية مرحلية، وهي تعكس بداية الانشغال بالانتخابات التشريعية المقبلة، حيث تظهر للملاحظ ثلاثة تكتلات؛ تكتل حزب العدالة والتنمية الذي قد يفقد تحالفاته الاستراتيجية، خصوصا مع حزب التقدم والاشتراكية، وتكتل حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يتقارب أكثر مع حزب الأصالة والمعاصرة، وتكتل حزب الاستقلال الذي سيحاول وضع مسافة أكبر إزاء حزب العدالة والتنمية. وحسب المتحدث، فإن ما يقع يعكس، في الجوهر، «تشتت الرهانات الاستراتيجية للفاعلين، ويجعلها غير مقروءة، وهي وضعية ناتجة بدورها عن اختلاف الهويات والرهانات». حكامة ملكية جديدة ربط الصراعات داخل وبين أحزاب الأغلبية بالانشغال بالانتخابات التشريعية، في الوقت الذي أعلن فيه الملك محمد السادس في خطاباته الثلاثة الأخيرة أجندة كاملة تتعلق بالجبهة الاجتماعية، دفع محللين آخرين إلى القول إن الملك بات «وحيدا في جبهة الإصلاحات». حسن طارق، أستاذ العلوم السياسية، يرى أن «هناك طلبا اجتماعيا عميقا من الشارع، وهناك مؤسسة تحاول أن تجيب»، وأضاف، في تصريحات إعلامية، تعليقا على خطاب الملك في افتتاح السنة التشريعية الجديدة، أن أحزاب الأغلبية «منشغلة بانتخابات 2021، وبذاتها وإشكالياتها». بالنسبة إلى حسن طارق، فإن الخطابات الأخيرة للملك هي «أقرب ما تكون إلى بيان للسياسات العمومية»، حيث «لم نعد نتحدث فقط عن توجيهات، بل أصبحنا نتحدث عن توجيهات وتدابير وبرامج». في المقابل، اعتبر طارق، تعليقا على الخطاب نفسه، أن الحكومة الحالية «لا تتوفر على أغلبية، ولا نشعر بأن هناك أغلبية سياسية، بل هي حكومة أقليات وجزر متناثرة، وتعيش زمنا انتخابيا دائما، وهذا لا يجعلها تدخل في منطق السياسات العمومية، وفي منطق تقديم الأجوبة»، مبرزا أن «المواطن يسمع فقط تراشقات وصراعات تدل على أن هذه الأحزاب منشغلة بالسياسة وليس بالسياسات، ومنشغلة ب2021، ومنشغلة بذاتها وبإشكالياتها»، وأضاف أنه «قبل سنة من اليوم، كان الملك قد تحدث عن النموذج التنموي، وقال إنه ينتظر من الحكومة والبرلمان تقديم مقترحات، غير أن ذلك لم يحصل، والآن سيحدث الملك لجنة خاصة لتقديم وإعادة صياغة المقترحات التي لم تقدم». ويذهب مصطفى السحيمي، الصحافي والمحلل السياسي، في الاتجاه نفسه، مؤكدا أننا إزاء «حكامة ملكية جديدة». فإذا كان خطاب عيد العرش وخطاب ذكرى 20 غشت أعطيا الأولوية للشأن الاجتماعي وللشباب، فإن خطاب افتتاح السنة التشريعية يشكل انعطافة كبرى، أي ب«حكامة ملكية جديدة»، وأضاف أن « الأمر يتمثل في تولي الملك مباشرة زمام الأوراش الإصلاحية المدرجة في جدول الأعمال. فهو دائما ما يعطي التوجيهات ويربطها بآجال محددة، ويضع دفتر تحملات مفصلا. ويبقى على الفاعلين السياسيين والاقتصاديين أن يتعبؤوا في هذا الأفق الموضوع من طرف الملك، الذي طالما أكد ضرورة التحلي بالجدية والمسؤولية». لكن هناك من قرأ في واقعة انتخاب رئيس مجلس المستشارين رسالة معاكسة للإرادة الملكية، «بعد يومين فقط من الخطاب الملكي لافتتاح السنة التشريعية، الذي اختار لهذه المرحلة شعار: "روح المسؤولية والعمل الجاد"، عشنا داخل المؤسسة التشريعية على إيقاع تمرين معاكس تماما لهذا النفس»، يقول عبد العلي حامي الدين، البرلماني وأستاذ العلوم السياسية، مضيفا: «ما موقع، يوم الاثنين المنصرم، داخل مجلس المستشارين لا يمت بصلة إلى منطق الأغلبية والمعارضة، إذ ابتدع شيئا جديدا لا علاقة له بالتصنيف المتعارف عليه في العمل البرلماني، وجعلنا لا نعرف الأغلبية من المعارضة». وفسّر حامي الدين ما حدث بالطريقة التي شكلت بها الأغلبية الحالية، فالمنهجية «التي جرى اعتمادها، منذ اليوم الأول لتركيب الأغلبية الحالية، لم تكن سليمة، منذ اختيار رئيس مجلس النواب بأصوات المعارضة، قبل أن تُفرض مشاركة الحزب الذي ينتمي إليه في الأغلبية… وهو ما كان يعني أن الأغلبية الحقيقية ليست في صف رئيس الحكومة آنذاك، ما كان يتطلب تقديم الاستقالة، والدفع في اتجاه انتخابات جديدة». والمفارقة التي نعيشها اليوم هي أن «الخطاب المعبر عنه من أعلى قمة هرم الدولة يختزل الكثير من المبادرات الإصلاحية المهمة، خصوصا في الجانب الاجتماعي، لكن تنزيل هذه المبادرات رهين بأغلبية متماسكة وبأحزاب سياسية جادة، والأهم هو تحقيق منسوب مرتفع من الثقة والانسجام، والذي يبقى وحده قادرا على إرجاع ثقة المواطن في المؤسسات». نحن، إذن، أمام ديناميتين؛ دينامية فاعلة في الواقع يقودها الملك، ودينامية ثانوية تقودها أحزاب الأغلبية. الأولى منشغلة بمطالب الشارع، والثانية منشغلة بمستقبل أحزابها. فهل تتعايش الديناميتان أم تنفصلان؟ بمعنى آخر، هل تتفكك الحكومة، أم يعاد ترميمها جذريا لتساير دينامية الملك؟ تعزيز السلطة الملكية يرى عبد الرحيم العلام، أستاذ القانون الدستوري، أنه «لن يتغير شيء»، ويضيف: «هذه الحكومة ولدت هكذا، وأريد لها أن تكون كما هي، وستبقى على ذلك الوضع حتى موعد الانتخابات المقبلة». ويشرح العلام موقفه بالقول: «لدينا حكومتان؛ حكومة فعلية يقودها رئيس التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، وحكومة ثانوية يقودها سعد الدين العثماني، تماما مثلما لدينا معارضتان؛ معارضة حزب الأصالة والمعاصرة ومعارضة حزب الاستقلال». في بداية تشكيل الحكومة -يضيف العلام- كان «هناك رهان على العثماني لإحداث تقارب بينه وبين أخنوش، وربما مطاوعة الأول للثاني، مثلما جرى الرهان على أن يطاوع الاستقلال حزب الأصالة والمعاصرة في موقع المعارضة، لكن هذا لم يحدث ولم يتحقق، لأن حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال لديهما قواعد ترفض مثل هذا التوجه». لكن هناك من يتوقع إحداث «رجة» سياسية في هذا الوضع، إما من خلال انتخابات سابقة لأوانها، كما دعا إلى ذلك صراحة عبد العزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، في ردّ فعل غاضب على نتائج انتخابات رئيس مجلس المستشارين، غير أن البشير المتقي، أستاذ القانون العام بجامعة مراكش، استبعد هذا السيناريو، أولا، بسبب الكلفة المالية والسياسية والتقنية التي تتطلبها انتخابات تشريعية سابقة لأوانها، وثانيا، بالنظر إلى الواقع السياسي المتسم بحالة «يأس عامة»، ربما تؤدي إلى «عزوف كبير عن التصويت». ويرى العلام أن الوضع الحالي سيستمر لأنه «يعزز السلطة الملكية. لقد رجعنا إلى ما قبل سنة 2011، حيث يبدو العثماني وزيرا أول فقط، وليس رئيس حكومة، وحيث زمام المبادرة بيد الملك، وإذا كان، هذا الأخير، يبدو وحيدا اليوم في جبهة الإصلاحات، فعلينا أن ندرك أنه هو من أراد ذلك، وإلا علينا أن نتساءل: كيف جرى إبعاد حميد شباط؟ ولماذا أهين بنكيران بالطريقة التي أعفي بها؟».