قالت المندوبية السامية للتخطيط، إن المغرب سيتأثر بشكل كبير من تداعيات الأزمة الاقتصادية، التي تسببت فيها جائحة كورونا، زيادة على موسم الجفاف، مسجلة في الوقت ذاته أن هذا الوضع يشكل فرصا حقيقية، لتنفيذ إصلاحات هيكلية، وإحداث تغييرات عميقة للسياسات الإقتصادية، والمجتمعية المعتمدة. جاء ذلك ضمن تقرير جديد للمندوبية، تضمن عرضا للوضعية الاقتصادية للسنة الحالية، وآفاق تطورها، خلال عام 2021، حيث أكدت المندوبية أن حجم الناتج الداخلي الإجمالي، وبناء على الانخفاض المرتقب للضرائب والرسوم على المنتجات الصافية من الإعانات، سيشهد تراجعا بنسبة 5,8 في المائة، خلال عام 2020، عوض زيادة ب2,5 في المائة، المسجلة عام 2019. وبخصوص تطور الأسعار الداخلية، أكدت المندوبية أن انخفاض الأسعار العالمية للمنتجات الطاقية، والمواد الأولية الأخرى، مصحوبا بتباطؤ الطلب، سيؤدي إلى انخفاض المستوى العام للأسعار إلى حوالي -0,4 في المائة عوض ارتفاع ب 1,3 في المائة المسجلة عام 2019. وفي هذا السياق، حيث يشهد النمو الاقتصادي الوطني تدهورا، قالت المندوبية إن سوق الشغل سيفقد العديد من المناصب ستصل إلى 712 ألف منصب شغل عام 2020. وبناء على فرضية استمرار المنحى التنازلي لمعدل النشاط، سيؤدي فقدان هذه الوظائف إلى ارتفاع معدل البطالة على المستوى الوطني إلى حوالي 14,8 في المائة، أي بزيادة 5,6 نقطة مقارنة بمستواه المسجل عام 2019. أول ركود اقتصادي تؤكد المندوبية أن الاقتصاد الوطني سيعرف، خلال السنة الجارية، ركودا هو الأول من نوعه منذ أكثر من عقدين من الزمن، وذلك نتيجة لتأثر مختلف القطاعات الاقتصادية. موسم جفاف يعمق الأزمة وسجلت المندوبية أن الموسم الفلاحي الحالي سجل عجزا في التساقطات المطرية للسنة الثانية على التوالي، إذ لم تتجاوز سعتها 253 ملم، ليبلغ مستوى حقينة السدود حوالي 48 في المائة مقابل 65 في المائة خلال السنة الماضية. وهكذا سيسجل القطاع الفلاحي إنتاجا للحبوب لا يتجاوز 30 مليون قنطار (16,5 م.ق من القمح الطري و7,5 م.ق من القمح الصلب و5,8 م.ق من الشعير)، أي بانخفاض ب 42 في المائة مقارنة بالموسم الفلاحي الماضي. كما ستؤثر هذه التقلبات المناخية، ولكن بدرجة أقل، على أنشطة الزراعات الأخرى، وبخصوص أنشطة تربية الماشية، ستمكن التساقطات المطرية المسجلة من التخفيف من حدة التأثيرات السلبية للجفاف، وتحسن موارد الأعلاف بالمراعي. وبخصوص قطاع الصيد البحري، ستتراجع أنشطته، خلال عام 2020، متأثرة بالنتائج غير الجيدة لتسويق منتجات الصيد الساحلي والتقليدي، نتيجة تأثيرات الحجر الصحي. وبناء على التطورات المذكورة، سيفرز القطاع الأولي انخفاضا في قيمته المضافة ب5,7 في المائة عام 2020، بعدما تراجع ب 4,6 في المائة عام 2019. وبالتالي سيفرز من جديد مساهمة سالبة في نمو الناتج الداخلي الإجمالي ب -0,4 نقطة. تأثر كبير لقطاعي الصناعة والخدمات ستعرف الأنشطة غير الفلاحية تباطؤا ملحوظا، بداية بالصناعات التحويلية، التي سينخفض نشاطها ب 5,6 في المائة عوض ارتفاع ب 2,8 في المائة عام 2019، نتيجة لقلة الطلب الخارجي، لاسيما من الاتحاد الأوربي، وأيضا الصناعات الميكانيكية، والكهربائية ب ستنخفض ب7,9 في المائة، ما سيؤثر في قطاع صناعة السيارات، الذي يمثل 27 في المائة من صادرات المملكة. وبخصوص صناعة النسيج والجلد، ستسجل أنشطتها انخفاضا ب 14,6 في المائة عام 2020 نتيجة تراجع الطلب، خصوصا من إسبانيا، وفرنسا، اللتين تستحوذان معا على حوالي 60 في المائة من صادرات هذا القطاع. وبالموازاة مع ذلك، ستؤدي الأزمة الصحية إلى تفاقم الوضع في قطاع البناء والأشغال العمومية، لتنخفض قيمته المضافة ب 12 في المائة، حيث تسجل توقف العديد من الأوراش، تمثل منها الأوراش العقارية نسبة في المائة90، نتيجة الغياب الطوعي لليد العاملة. إنتاج وتحويل الفوسفاط لن يتأثر على الرغم من هذه الظروف العالمية غير الملائمة، ستواصل مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط دعم النتائج الجيدة لأنشطة قطاع المعادن والصادرات من الأسمدة، عبر مخطط استمرارية الأنشطة، الذي سيمكنه من مواصلة عمليات الإنتاج، والتحويل في مختلف المواقع الصناعية. كما ستتمكن أنشطة الصناعات الكيميائية وشبه الكيميائية نسبيا من تجاوز تأثيرات الأزمة، لتسجل بذلك تحسنًا في قيمتها المضافة ب2 بالمائة عام 2020 عوض5,6 في المائة المسجلة عام 2019. وستستفيد صناعة الأسمدة الكيميائية الموجهة نحو التصدير من زيادة الطلب الوارد من البرازيل، وإفريقيا، خصوصا من نيجيريا، وإثيوبيا. وبخصوص قطاع الطاقة ستتراجع وتيرة نمو قيمته المضافة إلى حوالي 11 في المائة عام 2020، ويعزى ضعف إنتاج الطاقة الكهربائية إلى انخفاض استهلاك الكهرباء الملاحظ نتيجة تباطؤ الأنشطة الصناعية، والطلب الخارجي على الكهرباء، خصوصا الوارد من إسبانيا. السياحة والنقل: إفلاس وفقدان كبير للوظائف يعد القطاع السياحي أكثر القطاعات تضرراً من الأزمة، بعدما توقفت أنشطته بشكل شبه كامل، منذ شهر مارس الماضي، لتتراجع قيمته المضافة ب57 في المائة، ما يؤدي إلى انهيار قوي لمداخيل القطاع، وفقدان كبير للوظائف، مصحوبا بالإفلاس، الذي يتهدد العديد من المقاولات، التي تعمل في أنشطة الفندقة، والمطاعم، ووكالات الأسفار، وكراء السيارات. كما سيتأثر قطاع النقل سلبا بالجائحة، نتيجة ارتباطه الوثيق بخدمات القطاع السياحي، ليسجل انخفاضًا في قيمته المضافة ب8,9 بالمائة عام 2020 عوض نمو بوتيرة 6,6 في المائة عام 2019. قطاعات مستفيدة من الأزمة يعتبر قطاع البريد والاتصالات المستفيد الأكبر من هذه الأزمة الصحية، نتيجة انتعاش عدد الوحدات المستهلكة بواسطة الهاتف المحمول والأنترنت، ومزاولة جزء كبير من المأجورين لأعمالهم ومواصلة التعليم عن بعد. وبالتالي، لتسجل قيمته المضافة 6,1 بالمائة سنة 2020 عوض 0,3 في المائة المسجلة عام 2019. فرصة للإصلاح وعلى الرغم من العواقب الوخيمة للأزمة، تؤكد المندوبية أن هذه الأخيرة تقدم فرصا حقيقية، لتنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وإحداث تغييرات عميقة في الرؤية الشاملة للسياسات الاقتصادية، والمجتمعية المعتمدة. وفي هذا الإطار، قالت المندوبية إنه يتعين على المغرب، من خلال هذه الأزمة الحالية، القيام بتشخيص عميق لفجوات اقتصاده، والاستفادة من ذلك. كما قد تكون هذه الأزمة مناسبة للقيام بإعادة هيكلة استباقية، شاملة، ومندمجة في إعداد الإصلاحات، تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة في المملكة على المدى المتوسط، والطويل.