لم تكد التحقيقات تنتهي لتحديد المسؤوليات في بؤرة «للاميمونة» في إقليمالقنيطرة، والتي أسفرت عن إصابة حوالي 700 من العاملات في حقول الفراولة، حتى برزت بؤرة جديدة أخطر في مدينة آسفي. سارعت السلطات إلى تقييد حركة الدخول والخروج من المدينة، وأغلقت الشاطئ، وفرضت إغلاق المحلات في الساعة السادسة مساء، بعدما تبين أن الحالة الوبائية في المدينة خرجت عن السيطرة، بتسجيل أكثر من 600 حالة في معمل لتصبير السمك، ما يعيد طرح تساؤلات حول أسباب هذا التطور الوبائي الخطير، ومسؤولية الوحدات الصناعية عن عدم احترام التباعد الاجتماعي والالتزام بالتدابير الاحترازية. هناك عدة معطيات أولية تفيد بأن بعض المصانع تضرب بإجراءات السلامة عرض الحائط، وتستهتر بحياة المواطنين. وفي ما يلي بعض الأمثلة؛ هناك شهادة بالصوت والصورة لسيدة من العاملات في معمل لتصبير السمك بآسفي، لموقع إلكتروني محلي، تتحدث بحرقة عن ظروف عملها، حيث «لا توجد كمامات ولا تباعد اجتماعي في المصنع»، وتروي أنه عندما حلت لجنة للمراقبة بمعمل التصبير، طلب المسؤولون من مجموعة من النساء العاملات أن يختبئن في قبو، حتى لا تلاحظ اللجنة وجود اكتظاظ، بل إن هذه السيدة قالت إن مسؤولا بالشركة قال للعاملات إن «كورونا غير موجودة».. أمام هذا التصريح، لا بد من فتح تحقيق بالاستماع إلى هذه السيدة، ومن كان معها في القبو، وترتيب المسؤوليات، لأنه لا يعقل أن تبذل جهود كبيرة لمحاصرة الوباء، في حين أن هناك من يتعامل باستهتار. ثانيا، ظروف اشتغال عاملات تصبير السمك شبيهة بالظروف التي تعمل فيها عاملات الفراولة في للاميمونة وغيرهن من العمال الزراعيين، حيث يجري نقلهن متكدسات في وسائل نقل تفتقر إلى شروط السلامة. قبل أيام، انقلبت حافلة كانت تنقل نساء من أحياء قروية إلى معمل في آسفي، فتوفيت سيدتان. ومن يمر أمام المعامل في المدينة يلاحظ كيف تتجمع النساء خلال فترة تناول الطعام دون احترام التباعد. أما داخل المعمل، فتفرض سلسلة تصبير السردين توفر عدد كبير يتراوح بين 600 و900 عاملة، عادة ما لا يفصل بين الواحدة والأخرى سوى نصف متر، وهذه كلها عوامل تساعد على انتشار المرض. ثالثا، تبين أن هذه المعامل بدأت تشتغل دون إجراء الاختبارات المسبقة لجميع العاملات، وقد اكتُشفت هذه الكارثة الوبائية عندما جرى الشروع، في منتصف الأسبوع الماضي، في إجراء تحاليل مخبرية لعينة من 65 امرأة في المعمل المعني، بينت إصابة 55 منهن، وفي اليوم الموالي، جرى إجراء حوالي 500 تحليل مخبري أسفر عن اكتشاف أزيد من 400 حالة، ثم ارتفعت الحالات لتتجاوز 600، ومازالت التحاليل متواصلة في صفوف المخالطين، ولا نعرف إلى أين سنصل. لماذا بؤرة آسفي أخطر من للاميمونة؟ لأننا أمام مدينة متوسطة يصل عدد سكانها إلى أزيد من 300 ألف نسمة، وليست جماعة قروية ببضعة آلاف من السكان، ما يطرح تحديا كبيرا بخصوص حصر عدد المخالطين. كما أن البؤرة برزت في معمل واحد، من أصل 18 التي جرى إغلاقها جميعا، بالتالي، يجب انتظار إخضاع بقية عاملات المعامل الأخرى للفحص. فهذه المعامل توجد في المنطقة عينها، وقد تجد عائلة كلها تشتغل فيها؛ الأم قد تشتغل في معمل وبناتها في معامل أخرى، ويلتقين كل يوم في البيت، ما يرفع خطر العدوى. كما أن منطقة جنوبآسفي، التي تتركز فيها الإصابات، معروفة بالكثافة السكانية الكبيرة، لهذا، قررت السلطات فرض حصار على عدة أحياء فيها، وإغلاق بعض الأسواق. ولمواجهة هذا التحدي، سارعت السلطات إلى التكفل بالمصابين في عدة مراكز استشفائية في بنكرير، الجديدة، وفي المستشفى الإقليميبالمدينة، ومدرسة الممرضين، وهناك أيضا جرى تهييء الحي الجامعي في المدينة، ولكن هناك حاجة ملحة إلى توفير وحدة متنقلة للتحاليل المخبرية، لتفادي الاعتماد على مختبر في مراكش، ومحاصرة الوباء قبل أن ينتشر على نطاق واسع، لا قدر الله، أما الجانب الاجتماعي الناتج عن إعادة إغلاق المدينة، فهو يطرح إشكالية أخرى أكبر.