حالتا وفاة جديدتين جرى تسجليهما، خلال يوم واحد، في صفوف مرضى القصور الكلوي بالرحامنة، فقد توفيت امرأة، ليلة الجمعة السبت، وهي في الطريق إلى منزلها بجماعة "سكورة الحدرة"، عائدة من معاينة طبية قصيرة بقسم المستعجلات بالمستشفى الإقليمي بابن جرير، الذي نقلتها إليه عائلتها إثر تدهور حالتها الصحية بسبب معاناتها من مرض الفشل الكلوي. واستنادا إلى مصادر مطلعة، فقد كانت المريضة المتوفية، وتسمى "الزوهرة الإدريسي"، تجري حصصا لغسيل الكلي بمركز تصفية الدم بابن جرير، منذ حوالي خمس سنوات، وكانت تحتاج إلى عملية جديدة لتركيب القسطرة الوريدية (المكَانة)، وقد نُقلت إلى مراكش، مؤخرا، لإجراء هذه العملية الجراحية البسيطة، التي يفترض أن تستغرق أقل من ساعة من الزمن، غير أن تخصيص ثلاثة مستشفيات بالمدينة الحمراء لمرضى كوفيد-19" حال دون خضوعها للعملية، ليتم إرجاعها، مجددا، إلى الرحامنة، قبل أن تتم إحالتها، الثلاثاء المنصرم، على مصحة خاصة بمدينة قلعة السراغنة المجاورة لإجراء عملية تركيب أنبوب (التيّو) على مستوى الوريد الفخذي من أجل تصفية الدم للمريضة، في انتظار إخضاعها لعملية قسطرة وريدية. وإذا كان بعض المسؤولين الإداريين والصحيين لا يأتون، البتة، على ذكر العملية الجراحية الاستعجالية التي كانت تحتاجها المريضة، ويكتفون بإرجاع السبب الرئيس للوفاة إلى تقدم المريضة في السن وتدهور حالتها الصحية الناجم عن إصابتها بشلل نصفي بسبب إصابتها بجلطة دماغية سابقة، فقد لاذوا بالصمت ولم يصدر عنهم أي تعليق على حالة أخرى، وقعت قبل الأولى بساعات قليلة، وأخذت منحى مأساويا انتهى بوفاة شاب في منتصف عقده الثالث بمصحة خاصة لتصفية الدم. ففي حدود الثانية من زوال الجمعة الماضي، وبينما كان مجموعة من مرضى القصور الكلوي بابن جرير يستعدون لإجراء حصص غسيل الكلي بمركز تصفية الدم بوسط المدينة، فوجئوا بالمسؤولين به يأمرونهم بالانتقال إلى مصحة خاصة بقلعة السراغنة،على متن سيارة تابعة لجمعية الرحامنة للعناية بمرضى القصور الكلوي، بذريعة أن المركز سيتكلف بإجراء حصص الدم، فقط، للمرضى المستقرة حالتهم الصحية، فيما ستُحال "الحالات المستعصية" على المصحة الخاصة، التي جرى الحديث عن التعاقد معها للتكفل بمرضى الفشل الكلوي المسجلين في لائحة الانتظار، بتمويل من ميزانية المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، في إطار ما سمي ب"دعم الأشخاص في وضعية هشاشة بالإقليم". قرار نقلهم لقلعة السراغنة صدم المجموعة المكونة من خمسة مرضى، ويتعلق الأمر بثلاث نساء ورجلين، بينهما شاب يسمى "كمال لقطيب" (26 سنة)، والذين لم تنفع احتجاجاتهم في ثني المسؤولين عن التراجع على القرار، الذي كان يسهر على تنفيذه قائد الملحقة الإدارية الأولى وعون سلطة، وهو البطل المفترض لشريط موضوع اتهام بالشطط في استعمال السلطة خلال مراقبة الالتزام بالحجر الصحي، المعروف محليا بفيديو "طلّع مّو"، ولم يجد المرضى، في النهاية، بدّا من الرضوخ للقرار، ليصلوا إلى المصحة، في حدود الثالثة زوالا، وما إن همّ بالنزول من السيارة حتى بدت على كمال أعراض إرهاق شديد تطور إلى انهيار، ليتم إدخاله إلى المصحة، تحت ضغط احتجاجات المرضى المرافقين له، وقد جرى وضعه داخل إحدى القاعات التي لم تكن تتوفر على جهاز للتنفس الاصطناعي، ولم يرقد بها سوى دقائق معدودة قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويتم نقل جثته، مساء اليوم عينه، ويجري دفنه بمقبرة "سيدي علي" بابن جرير، ليضاف المتوفيان الأخيران إلى خمس حالات وفاة أخرى، سُجلت خلال الفترة الأخيرة، لأشخاص كانوا مسجلين بلائحة الانتظار، قبل أن يتوفوا قبل أن تتم تلبية طلبهم بإجراء حصص غسيل الكلي، أو لفظوا أنفاسهم الأخيرة بسبب عدم كفاية نظام تصفية الدم الذي يخضعون له، والذي لا يتجاوز حصتين أسبوعيا. مصدر مسؤول بالمصحة الخاصة،أكد بأن المريض سقط منهارا وهو يهم بالنزول من السيارة التي أقلت المرضى من ابن جرير، دون أن تتمكن جهود الطاقم الطبي من إنقاذه، وموضحا، في تصريح أدلى به ل"أخبار اليوم"، بأن عقدا تم إبرامه مع جمعية العناية بمرضى القصور الكلوي، تحت إشراف عامل الرحامنة والمندوب الإقليمي لوزارة الصحة بها، على أساس أن تجري المصحة حصص تصفية الدم للمرضى المسجلين بلائحة الانتظار. في المقابل، أوضحت مصادر مطلعة بأن قرار نقل المرضى لم يعد مقتصرا على المسجلين بلائحة الانتظار بل أصبح حتى على قدماء المصابين بالقصور الكلوي بالرحامنة، البالغ عددهم 67 مريضا، مشيرة إلى أنه جرى نقل مجموعة مكونة من 9 مرضى، صباح الجمعة الفائت، إلى المصحة ذاتها، مرجعة ذلك إلى ما اعتبرته "عدم استغلال أمثل للتجهيزات الطبية التي يتوفر عليها مركز تصفية الدم بابن جرير"، وموضحة بأن جمعية العناية بمرضى القصور الكلوي اقتنت، مؤخرا، ثلاث آلات جديدة لتصفية الدم، كلفتها 40 مليون سنتيم، تشمل تكلفة الآلات (36 مليون سنتيم) ومصاريف تركيبها، ليصبح المركز متوفر حاليا على 21 آلة، وهو ما تقول المصادر نفسها بأنه يجعل المركز كفيلا باستقبال جميع مرضى القصور الكلوي في الإقليم، بمن فيهم المسجلون بلائحة الانتظار، الذين يقل عددهم حاليا عن 10 مرضى، على اعتبار بأن المعايير الموضوعة من طرف وزارة الصحة تقضي بتخصيص آلة واحدة لكل أربعة مرضى، ودون حاجة إلى اللجوء إلى المصحة الخاصة. وتابعت مصادرنا بأن المركز يعاني، منذ مدة طويلة، مما وصفته ب"سوء تدبير موارده البشرية"، مستدلة على ذلك بالغياب الدائم لمديرة المركز، وهي طبيبة مختصة في أمراض الكلي، قاطنة بالرباط، والتي، وبعدما كانت لا تحضر لمقر عملها سوى مرّتين أسبوعيا، خلال الأيام العادية، تقدمت، مؤخرا خلال أزمة "كورونا"، بملف طبي لتبرير غيابها، ملقية بمهامها المهنية على عاتق 13 ممرضا و طبيبة عامة، والتي، وبعدما أنهكها ضغط العمل، تقدمت، مؤخرا، بشهادة طبية مدتها 15 يوما، وهو ما قالت المصادر عينها بأنه أوقع مندوبية وزارة الصحة في حالة لا تحسد عليها، لم تعد تدري معها ما تقدّم أو تؤخر، لتستعيض عن تعيين طبيب بالمركز باللجوء إلى القطاع الخاص، دون أن يتم ذلك في إطار صفقة عمومية، بل جرى الاكتفاء بانتقاء مصحة دون الالتزام بالمساطر القانونية في هذا المجال. و استغربت مصادرنا تسويق اللجوء إلى المصحة الخاصة على أنه "إنجاز غير مسبوق"، فقد أنجزت وكالة المغرب العربي للأنباء، الأربعاء الفارط، تغطية صحافية لمشهد مفبرك يوثق خدمة صحية مزعومة لم تقع على أرض الواقع، موضحة بأن عامل الإقليم كلف رئيس قسم الشؤون الاجتماعية بعمالة الرحامنة، بالسهر على توفير الوسائل اللوجيستكية لهذه التغطية الإعلامية، حيث تمت دعوة أربع مريضات من ابن جرير، اثنتان من حي "التقدم" وواحدة من حي "إفريقيا" والرابعة من حي "الأمل"، إلى الالتحاق بمقر المركز، وطُلب منهن بتصوير مشهد الركوب في سيارة تابعة لجمعية القصور الكلوي على أساس أنهن متوجهات إلى المصحة الخاصة، ثم أُخذت تصريحات لمندوب وزارة الصحة ورئيس الجمعية المذكورة أثنيا فيها على "جهود عامل الرحامنة في التكفل بمرضى الفشل الكلوي"، قبل أن ينفض الجمع مباشرة بعد انتهاء تصوير "الروبورتاج المفبرك". هذا، وعلمت الجريدة بأن لجنة مركزية للتفتيش، تابعة لوزارة الصحة، قامت بمهمة رقابية بالمستشفى الإقليمي بابن جرير، استغرقت ثلاثة أيام، بين الثلاثاء والخميس الماضيين، وتناولت جميع المصالح والأقسام بالمستشفى. وقد اتصلت "أخبار اليوم" بمندوب وزارة الصحة لإبداء وجهة نظره في الموضوع، غير أنه رفض الرد على اتصالاتنا الهاتفية، في الوقت الذي سبق فيه أن أدلى للجريدة بتصريح سابق أكد فيه بأن أصدر قرارا، بتاريخ الخميس 21 ماي المنصرم، قضى بتعيين 5 ممرضين جدد داخل المركز، الذي قال إنه سيشرع، خلال الأيام القلية الموالية للقرار، في استقبال دفعة أولية تضم 10 مرضى مسجلين بالمراتب الأولى بلائحة الانتظار.