حصلت “أخبار اليوم” على معطيات جديدة حول كواليس تسريب مشروع القانون المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي المثير للجدل، الذي يعاقب بالسجن على التحريض على مقاطعة المنتجات والتشكيك في جودتها. وتفيد مصادر أن مسودة هذا النص أُعدت في عهد وزير العدل السابق محمد أوجار في 2018، وتضمنت تجريم الدعوات إلى مقاطعة المنتجات للحد من الخسائر التي تكبدتها عدة شركات، في حملة مقاطعة تلك السنة، منها شركة محروقات لعزيز أخنوش، أمين عام التجمع الوطني للأحرار. لكن هذا النص لم يقدم حينها لمجلس الحكومة. وتشير مصادر إلى أن وزير العدل محمد بنعبد القادر، الذي خلف أوجار، تحمس لهذا المشروع فقدمه ودافع عنه بشدة في مجلس الحكومة في 19 مارس، مدعوما من عدد من الوزراء، لكن هناك من الوزراء من تحفظوا عليه، إذ أثير جدل داخل الحكومة على الخصوص حول عدم اعتماد المقاربة التشاركية في إعداده، خاصة أنه يهم ملايين مستعملي الأنترنيت. فعادة ما تخضع النصوص القانونية لاستشارة واسعة من طرف القطاعات الحكومية، وتنشر في موقع الأمانة العامة للحكومة ليبدي الرأي العام رأيه فيها، لكن هذا النص “المستعجل” عُرِض في آخر لحظة على مجلس الحكومة. فقد جرى إضافته إلى جدول أعمال مجلس الحكومة في 18 مارس، في حين عقد المجلس في 19 مارس. بعض الوزراء طالبوا بتأجيل المصادقة عليه، إلى حين إعمال المقاربة التشاركية، خاصة أن القطاعات الوزارية لم تبد رأيها فيه، كما أن الوزراء لم يتوصلوا به إلا في آخر لحظة، في توقيت حساس تميز بأزمة كورونا. فالحكومة اتخذت قرار إعلان حالة الطوارئ الصحية في 19 مارس، وهو التاريخ عينه الذي عرضت فيه المشروع المثير للجدل، وكأن هناك رغبة في استغلال هذه الوضعية الاستثنائية لتمرير نص يقيد الحريات. وطرحت خلال الاجتماع إمكانية تأجيل المصادقة على النص لفسح المجال للتشاور حوله وإبداء الملاحظات وتعديله، لكن وقع إصرار على المصادقة عليه أولا، على أساس تكوين لجنة تقنية مكونة من ممثلي قطاعات وزارية لتعيد صياغته على ضوء الملاحظات التي قدمها مجموعة من الوزراء منهم وزير الدولة مصطفى الرميد، الذي أعد ملاحظات كثيرة. وفعلا اشتغلت هذه اللجنة، وأعدت نسخة ثانية، لكن اللجنة الوزارية التي كلفت بمراجعة الصياغة والمكونة من وزير العدل ووزير الداخلية ووزير الدولة، والأمين العام للحكومة، لم تتفق على الصيغة الثانية، وبقي الأمر معلقا، إلى أن جرى تسريب مضامين المشروع أولا، ثم نص مذكرة الرميد ثانيا، لينتقل الجدل من أروقة الحكومة إلى وسائل الإعلام والمجتمع المدني ووسائل التواصل الاجتماعي. فمن يقف وراء التسريب؟ وهل يعكس التسريب تفجير الخلافات حول المشروع ونقلها من داخل الحكومة إلى الرأي العام؟ لا نعرف الجهة التي سربت النص، لكن من المؤكد أن التسريب نقل المعركة حوله إلى الرأي العام وقد يعرقل إخراجه.. ورطة بنعبد القادر وكشف عضو في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، ل”أخبار اليوم” أن وزير العدل الاتحادي محمد بنعبد القادر، الذي أعد مشروع القانون لم يسبق أن أبلغ قيادة حزبه بهذا النص، ولكن من غير المستبعد أن يكون إدريس لشكر على علم بذلك، علما أن الأخير أكد أن حزبه سيتخذ الموقف المناسب من النص انطلاقا من مرجعيته. ويبدو أن بنعبد القادر أصبح في ورطة ليس فقط، تجاه المجتمع المدني، بل أيضا مع حزبه. ومن ردود الفعل داخل الاتحاد صدور بلاغ لقطاع المحامين الاتحاديين يعلن استنكاره “لما يحمله مشروع القانون المسرب من مقتضيات منافية للدستور وللمواثيق الدولية الضامنة لحرية الرأي والتعبير” و”مناهضة هذه المقتضيات لما تشكله من انتكاسة حقوقية”. كما أعلنت النقابة الوطنية للصحافة المغربية رفضها له وعبرت عن استهجانها للسلوك “غير المسؤول الذي تعاملت به الحكومة مع الرأي العام، في قضية تحظى باهتمام بالغ من طرف جميع المغاربة”. وانتقدت استفراد الحكومة بهذا المشروع، حيث اشتغلت عليه بصفة “سرية ومغلقة”، ولم تحترم مقتضيات قانونية تحتم عليها الاستشارة في شأنه مع المجلس الوطني للصحافة، بحكم علاقة هذا المشروع بصفة مباشرة بحريات التعبير والنشر والصحافة، كما لم تحترم الأعراف والتقاليد باستشارة المنظمات المهنية الصحافية والمنظمات الحقوقية صونا للمكتسبات وحماية الحريات. وأعلنت النقابة رفضها لهذا المشروع المتداول جملة وتفصيلا، وتعتبره من أكثر القوانين خطورة التي عرفها المغرب، والتي تستهدف حرية التعبير والصحافة والنشر والتفكير. ودعت الحكومة إلى السحب الفوري لهذا المشروع، وحملت الطبقة السياسية الوطنية مسؤولية التصدي لهذا المشروع إذا ما أصرت الحكومة على الإبقاء عليه، وذلك بإعلان رفضها له بصفة قطعية. وأطلق فاعلون في المجتمع المدني عريضة على الأنترنيت ضد المشروع، كما وقّع العشرات من الجمعيات المغربية والدولية، مثل الفضاء الجمعوي، وجمعية عدالة، وحركة المبادرات المواطنة، وعدة شخصيات بلاغا مشتركا اعتبروا فيه أن تجريم بعض أشكال التعبير مثل الدعوة إلى مقاطعة المنتجات التجارية يُعد “سابقة خطيرة للرقابة على حرية التعبير”، وعبروا عن قلقهم من الانحرافات في مجال الحريات بمبرر تدبير جائحة كورونا. كما انتقدوا عدم شفافية الحكومة في التعامل مع هذا النص، بعدم نشره في الأمانة العامة للحكومة، ودعوا إلى سحبه.