بعد قرابة شهر ونصف على إصدار التقرير الخاص بأحداث الحسيمة، والذي لقي ردود أفعال سلبية ومنتقدة لمضامينه، أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا جديدا خاصا بحالة حقوق الإنسان بالمغرب خلال سنة 2019. التقرير ركز على تقديم الأرقام وإحصائيات الخاصة بالشكايات التي توصل بها، وعدد الزيارات التي قام بها أعضاء المجلس للسجون وعدد الأشخاص الذين تم استقبالهم، حيث قسم التقرير إلى سبعة محاور، المحور الأول خصص للحديث عن حماية حقوق الإنسان في شقها المتعلق بالحق في الحياة، وادعاءات التعذيب والحريات الأساسية وملاحظات المحاكمات والحقوق الفئوية وحقوق النساء، فيما ركزت باقي المحاور الستة على حصيلة عمل المجلس. التقرير لم يلق استحسان مجموعة من الحقوقيين، الذين أثاروا حوله جملة انتقادات، تخص شكله ومضمونه وتوقيت نشره. عبد الرزاق بوغنبور، الرئيس السابق للعصبة المغربية لحقوق الإنسان، يرى في حديثه ل”أخبار اليوم”، أن التقرير يغلب عليه الطابع الإنشائي والتركيبي لمجموعة من الأحداث والمواقف، التي عبرت عنها القطاعات التي لها ارتباط بمجال حقوق الانسان سابقا بدون قراءة نقدية بمقاربة حقوقية لها. بدوره خالد البكاري، الناشط الحقوقي، اعتبر في تصريح ل”اليوم 24″، أن التقرير السنوي الأخير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي عنونه بحالة حقوق الإنسان بالمغرب، يظهر مجددا انحراف المجلس نحو “الهواية”، والابتعاد عن الاحترافية وعن الصرامة المنهجية أثناء صياغة تقاريره. توقيت النشر في الوقت الذي ينشغل فيه العالم بفيروس كورونا المستجد، أصدر المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريره السنوي، إذ لم يلق هذا التقرير نفس الاهتمام الذي تلقاه عادة تقارير المجلس، واعتبر بوغنبور أن اختيار هذا التوقيت بالضبط للنشر كان مقصودا، موضحا أنه “اختير له زمن “كورونا” من أجل تمريره دون أن يحظى بالنقاش الكافي، إذا ما اعتبرنا أن الحظر الصحي لا يسمح بمناقشة مفتوحة لمضامينه”. نفس الطرح ذهب إليه البكاري قائلا: “سياق صدور التقرير يطرح علامات استفهام عن جدواه، إذ الهدف من نشر أي تقرير هو فتح نقاش عمومي حول القضايا المثارة فيه، والحال أن سياق مواجهة جائحة كورونا المستجد، سيجعل نشر هذا التقرير في هذه الظرفية من عدمه سيان”. تقرير متردد بخصوص مضمون التقرير، قال المعطي منجب، المؤرخ والحقوقي البارز، إن “الملاحظ أن خطاب التقرير يصبح أكثر ترددا وضبابية فيما يتعلق بقضايا سياسية أو لنقل محرجة سياسيا للنظام”، موضحا أنه “في مثل هذه قضايا، يتفادى التقرير إعطاء المعلومات ولو كانت حيوية إذا كانت محرجة. كما لا يستشهد بالتصريحات “الفاضحة” ولو كانت مبرهنا عليها بحجج مادية، مثل تصريحات ضحايا التعذيب مع وجود تقرير رسمي وجروح تؤكدها مثلا، كما قد يتصرف التقرير فيها أو يحذف ما هو صادم منها ولو كان ضروريا لإحقاق الحقيقة”. وزاد أن “الوقائع تلخَّص بشكل يجعل القارئ غير المتخصص أو غير المتابع لا يفهم أن القضية أو الخرق القانوني الحاصل، إذ تصبح اللغة “دبلوماسية” حاضرة في مثل هذه القضايا وكأنها تروم الالتباس لا التوضيح”. ويرى منجب بالعودة إلى مضامين التقرير أن “هاجس المحرر الرئيس يبدو هنا إقناع القارئ أن هناك ولا شك أخطاء يرتكبها بعض الموظفين، ولكن النظام ككل يحاول ما أمكن أن يحمي حقوق الإنسان، وأن الأمن والقضاء يقوم كلاهما بدوره في هذا الصدد”.”ويبرهن التقرير على موضوعية وعن تحريات جدية في ما يخص القضايا غير السياسية أو لنقل القضايا غير المحرجة بالنسبة للنظام، أو التي لا ترتكب فيها السلطات عنوة أو عن سابق تعليمات خروقات، كحقوق الأطفال أو حقوق المسنين أو حقوق ذوي الحجات الخاصة”، يقول المتحدث ذاته.وأردف: “في هذه المواضيع غير الحساسة سياسيا، يؤكد التقرير أحيانا وبدون تحرج زائد على وجود خروقات، ويعطي عليها حججا ودلائل. كما يعبر عن توصيات وتنبيهات معقولة للمسؤولين العموميين، ويمكن أن تفيد في المستقبل هذه القطاعات الاجتماعية إذا أخذتها بعين الاعتبار الدولة”. من جانبه، قال بوغنبور إن “معدي التقرير يظهرون الانحياز التام بشكل ضمني أو صريح لرؤى ومواقف الدولة”، مسجلا أن التقرير “لم يطرح الانتهاكات المرتبطة بالأجهزة الأمنية، وما شاب تدخلات بعض الأعوان المكلفين بإنفاذ القانون من شطط في استعمال السلطة، رغم أن الإدارة المركزية قامت بواجبها في التأديب وفي الاعتذار للمواطن في حالات متعددة، فلم تكن للمجلس القدرة حتى على إدماجها في التقرير”. أما البكاري، فيعتبر أن “التقرير محتشم حد التواطؤ في رصد الانتهاكات الحقوقية، وحتى في الملفات التي تحدثت ضمنيا وليس صراحة عن وجود تجاوزات، إذ إنه لم يمتلك الجرأة للدعوة إلى رفع الضرر وإيقاف التجاوزات، بل اكتفى بمتمنياته في حلها عبر أحكام النقض كحالة الصحفيين الأربعة وحل جمعية جذور”. تقرير غير معتمد تنص المادة 35 على أن التقرير قبل نشره يرفع “إلى الملك وبعدها رئيس الحكومة ورئيسي غرفتي البرلمان، وهو ما لم يحترمه مسيرو المجلس”. وفي هذا الشأن اعتبر بوغنبور أنه “على مستوى المنهجية، خالف مقتضيات المادة 35 من القانون المنظم للمجلس، وهذا يطرح أكثر من علامة استفهام، باعتبار أن الرئيسة أمينة بوعياش لا يمكن أن ترتكب هذا الخطأ إلا إذا أعطي لها الضوء الأخضر، بل ويمكن أن نسجل أن التقرير غير مؤطر قانونيا بالاعتماد على توضيح بعض الأمور التقنية التي نجدها في مضامين القانون المنظم للمجلس رقم 76.15″، وزاد: “أعتقد في نظري أن نشر هذا التقرير دون احترام التراتبية الواردة في المادة 35 يجعلنا أمام تقرير يفتقد للدعم الرسمي، ويجعله يفقد قيمته من منطلق ما الجدوى الآن من إحالته بعد ذلك على الجهات المعنية؟”. البكاري من جانبه اعتبر أن “هناك خرقا شكليا للمادة 35 من القانون الأساسي للمجلس الذي ينص صراحة على رفع التقرير أولا إلى الملك، ثم توجيه نسخة منه إلى رئاسة الحكومة ورئيسي غرفتي البرلمان قبل نشره في الجريدة الرسمية وتعميمه، وهو ما لم يتم احترامه”. فيما اعتبر ادمين أنه تم خرق جميع المستويات ونشر المجلس التقرير، كأنه يضع المؤسسة الملكية والحكومة والبرلمان أمام الأمر الواقع، أي كأن أصحابه يقولون إن التقرير منشور الآن وانتهى الكلام، وزاد أن “التقرير طغى عليه الحكي والسر للوقائع، دون تمحيصها ولا تحليلها، كما أن يتناول الوقائع التي من المفترض أن تكون خروقات دون الإحالة لا على النصوص التشريعية المغربية ولا الاتفاقيات الدولية، كمثال عند تناوله لموضوعات التعذيب، يلاحظ غياب أدوات الرصد والتوثيق المحددة في دليل بروتوكول إسطنبول”. الوقوع في الخلط في الوقت الذي أطلق المجلس على التقرير تسمية “حالة حقوق الإنسان في المغرب”، يرى البكاري أن التقرير يخلط بين حالة حقوق الإنسان بالمغرب وهو عنوان التقرير، وبين حصيلة عمل المجلس والتي هي المتضمنة أساسا في التقرير، موضحا أن “التقرير عرض حصيلة المجلس ولا علاقة له بحالة حقوق الإنسان بالمغرب، وهذا الخلط نجده كذلك في متن التقرير بين “حماية حقوق الإنسان” وبين “النهوض بحقوق الإنسان”. غياب الآليات رغم تخصيص التقرير لمحور للآليات الوطنية لتعزيز حقوق الإنسان، إلا أن بوغنبور يعتبر أنه لم يكن هناك “حضور وازن للآليات الوطنية المحدثة لأول مرة بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان في فرعين ضمن القانون المنظم له في الفرع الأول المعنون ب”الآليات الوطنية المحدثة لدى المجلس لتقرير حماية حقوق الإنسان”، والذي خصص له المشرع موادا مهمة من 12 إلى 19، والفرع الثاني والمتعلق ب”أحكام مشتركة خاصة بالآليات الوطنية “من 20 إلى 23، حيث يلاحظ أننا لم نجد أنفسنا أمام تقارير مستقلة لهذه الآليات، ولا نجد توضيحا مرفقا بعملها وطبيعة المهام التي قامت بها، وهل تم إدماج ما جاءت به دون حذف أو تصرف كما هو الأمر في المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، التي اختارت تضمين الآليات ضمن المجالس. وزاد بوغنبور: “نتساءل هل ثلاث صفحات فقط في التقرير كافية للحديث عن الآليات الوطنية أم أن هذا التقزيم مقصود ويهدف منذ البداية إلى تبخيس عمل هذه الآليات، وهذا ما حذرت منه المنظمات الحقوقية أثناء إعداد مشروع القانون المنظم للمجلس في صيغته الجديدة، حيث كان التخوف من إمكانية احتواء المجلس للآليات وإقبار عملها”. فيما أردف البكاري أن “هناك ضعف المتن التوثيقي، حيث ندرة الإحالات على المرجعيات الحقوقية الكونية والوطنية، مثل بروتوكولات، مواثيق، اتفاقيات، توصيات”، موضحا أن “هذه الإحالات لها أهمية بالغة في التقارير الحقوقية، سواء الصادرة عن المؤسسات الوطنية أو الجمعيات الحقوقية”. لغة تدليسية يعتبر منجب أن التقرير ينحدر أحيانا من لغة غير حقوقية إلى لغة سياسية-سجالية-تدليسية، هدفها “تسخيف” أو التهكم على الفاعلين السياسيين أو المدنيين المناهضين للنظام، والذين كانوا أو هم رهن الاعتقال والمحاكمة، موضحا أن “الأمر يصل إلى عدم إعطاء اسم الضحية أو عدم ترديده لما يتطلب الأمر ذلك، فتبدو الجملة مبهمة إذا كان الضحية سياسيا وغير مرغوب فيه من لدن النظام حتى لا يستفيد من ذلك سياسيا”. وضرب المؤرخ مثالا بحالة “الاعتداء البدني على الزفزافي، إذ لم يؤخذ بعين الاعتبار ما صرح به هو أمام القاضي من أنه تعرض لإهانة جنسية حاطة بكرامته، وهي إيلاج جزء بسيط من عصا في دبره وتحايل التقرير على الواقعة، إذ يقول إن العصا كانت فوق الملابس وبين فخذيه”، متسائلا: “هل قام المجلس بتحرٍ جدي وبحث حول هذه النازلة ومع من؟ هل الأمن هو الذي قال إن العصا كانت بين الفخذين ولكن خارج اللباس؟”، وزاد: “المجلس لا يقول لماذا لم يُفتح تحقيق قضائي في النازلة رغم خطورة المعلومة المفصلة التي قدمها الضحية، والذي اضطر إلى أن يلتمس من أمه أن تغادر قاعة المحكمة، وأنه تردد ما يقرب من سنة قبل التصريح بهذا علانية”. أما المثال الثاني يقول المتحدث ذاته، “فيتعلق بموضوع انتهاك الحق في الحياة الخاصة وجريمة التشهير، يقول التقرير وفقا لمنجب: “تزداد حدة هذه الانتهاكات عندما يتعلق الأمر بالمرأة وبشخصيات عمومية أو مشهورة، وهو ما رصده المجلس سنة 2019 في حالة هاجر الريسوني ومن معها، وفي قضية البرلمانية ماء العينين”، مردفا: “لاحظوا أولا سخافة عدم ذكر اسم البرلمانية أمينة ماء العينين، فهي طبعا منتقدة للنظام ولا يجب أن تستفيد سياسيا من ذكرها كضحية لنفس هذا النظام من لدن مجلس يعتبر نفسه خادما للنظام”. في الشأن ذاته، قال بوغنبور إن التقرير تضمن الانحياز التام بشكل ضمني أو صريح لرؤى ومواقف الدولة، وزاد أن التقرير “شرعن المقاربة القمعية للحراك، واعتبار كل المتابعين والمعتقلين على خلفية الحراك مذنبين، وأن العقوبة الصادرة في حقهم متناسبة مع “الجرم الذي ارتكبوه، كما لم يعترف بكل المعطيات والأدلة التي قدمتها هيئة الدفاع عن المعتقلين، وما خلصت إليه لجان التقصي التي شكلتها المنظمات الحقوقية الوطنية، خاصة الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان”.