بينما كان إدريس لشكر يخمن في الطريقة التي تجعل وجوده الحكومي مستديما، مخترعا حكومة وطنية تنهض بالبلاد عقب أزمتها، كان حليفه، عزيز أخنوش، يفكر بصفته رجل أعمال، وأيضا بوصفه ليبراليا محافظا يؤمن بأنه بالإمكان المغامرة بإفلاس الدولة إذا كنا نستطيع أن نبقي الشركات مزدهرة. وعلى كل حال، فإن فكرة أخنوش ليست غريبة. لقد كان حزبه، وهو، بشكل عام، يشبه هيئة للرساميل الوطنية، مؤمنا بأن على الدولة أن تتكفل بإنقاذ الشركات، فيما ليس مطلوبا من هؤلاء الرأسماليين سوى دفع أقل قدر من الضرائب للحكومة. لقد كان المسؤولون الكبار ذوو الخلفيات المالية، في حزب التجمع الوطني للأحرار، يستفيدون دوما من هذا الزخم النظري، فيما كان موظفوهم، عادة، هم من يروجون مفهوم حزب وسط ذي نظرة اجتماعية. وفي الواقع، لم يكن الأحرار يوما حزبا وسطا إلا إن كانت لهذا المفهوم السياسي معانٍ مبسطة، إن لم نقل مبتذلة، كالمشاركة في كافة الحكومات بغض النظر عن الهوية السياسية لمن يقودها، سواء كان يمينا أم يسارا أم تقنوقراط. ما يهم «الأحرار» هو ما يربحونه بصفتهم أصحاب شركات. ولسوف يخترعون فكرة جذابة؛ إن مصلحة الدولة تكمن في تعزيز رأسمالها الوطني، أي تلك القائمة الطويلة من الشركات التي يملكونها هم بالأساس. ليس عيبا أن يدعو أخنوش إلى ما يراه ملائما لفكرته الأصلية؛ أن تغرق الحسابات المالية للدولة في مزيد من العجز، كي تستطيع الشركات أن تقف على أقدامها سريعا. هذه ليست مشكلة كبيرة، ويملك الأحرار جيشا من الاقتصاديين يمكنه تبرير هذه العمليات ببراعة. وقد يكفيهم في ذلك وزير المالية، محمد بنشعبون، ذلك البنكي الناجح، وقد أصبح فجأة واحدا منهم. لم يكن أخنوش بحاجة إلى أكثر من هذه الحذلقة، وقد نشرت في مقال رأي جرى توزيعه بالدفع المسبق Sponsorisé، فهو لا يدافع عن الجشع الرأسمالي، وإنما يحاول رسم صورة جديدة عن نظام الحكم في البلاد. لكن، هل كان هذا «الرأسمال الوطني»، كما يبشر به أخنوش باستمرار، من المواضعات التي يستند إليها نظام الحكم؟ إن وضع الإغلاق الشديد للأمة على نفسها –مؤقتا- تحت عبء جائحة كورونا، قد أغرى الأحرار، دون شك، بجعل الرأسمال الوطني خطا عريضا في قلب السياسات العامة. إن صور مولاي حفيظ العلمي، وهو يفحص المنشآت الصناعية الوطنية وهي تتكفل بتغذية السوق المحلي بالضروريات، تدفع إلى الاعتقاد بأن كل شيء مدروس في هذه الخطة، حيث يصبح للرأسمال الوطني دور إضافي في البلاد، ليس فقط الضامن لسلامة اقتصادها، وإنما أيضا الوحيد القادر على إنقاذه. هناك تفاصيل كثيرة تجعل من كل هذه الأفكار المجردة محض دعايات سخيفة، لكن ما يهم، في نهاية المطاف، ليس ما إن كانت الشركات الوطنية هي من تحمي، فعلا، الدولة، وإنما كم ستجني مقابل تصوير نفسها على هذا الأساس. لقد قدم تجمع شركات أخنوش مليار درهم إلى الصندوق المخصص لإدارة أزمة كورونا، لكن شركاته ليست في حاجة بعد هذا إلى إعفاء ضريبي بسيط تقدمه الحكومة مقابل التبرعات. إن قطاع النفط والغاز، وهو العمود الفقري لشركات أخنوش، قد تضرر بشكل كبير بسبب هذه الأزمة. وقد تبلغ خسائر الشركات أكثر من مليار درهم لا محالة في الستين يوما حيث لا أحد يعمل تقريبا. ولسوف يكون من الصعب أن نرفض حصول شركاته، هي الأخرى، على أي تعويض عن الخسائر، أو أن تكون على قائمة أولويات أي خطة إنقاذ يرتقب تنفيذها. لقد كانت المشكلة دائما هي ذاتها: العجز عن الفصل بين ما هو سياسي وبين ما هو اقتصادي. وبالنسبة إلى أخنوش، فإن فكرته واضحة كما قلت؛ إنه سياسي «يدافع عن اقتصادياته»، وفي الغالب، لم يكن يحتاج إلى مقال رأي للتذكير بذلك. لكن، ماذا سيفعل السياسيون الذين لا يملكون أي «اقتصاديات» ليدافعوا عنها؟ إدريس لشكر يساري متقلب يملك مكتب محاماة، يقود حزبا متعثرا في طريقه إلى الاندثار التدريجي، لكنه، على نقيض أخنوش، وإن كان حليفه، لا يهتم كثيرا بالمال واللعب الحذق للشركات. كلا، فهو لديه عبء ثان: البحث عن الطريقة المناسبة لدحر الإسلاميين من داخل حكومتهم. ولسوف يبعث الروح في أكثر العبارات الاشتراكية إيلاما: إعادة تأميم الشركات. وبغض النظر عما يمكن أن تُشكله هذه الدعوة من نكوصية سياسية، إلا أن الطريقة التي يعرض بها لشكر أفكاره تبدو مريبة. من المذهل أن حزبا مثل الاتحاد الاشتراكي، الذي قاد عملية خصخصة منشآت الدولة قبل عشرين عاما، يقفز فجأة إلى دعوة كهذه دون مقدمات، إلا إن كان الهدف الوحيد هو أن يفسح الطريق أمام الرأسمال الوطني بالمفهوم الذي يبدو أخنوش مقتنعا به. لكن هناك ما هو أشد؛ دعوته المتسترة إلى تعطيل السياسة باسم حكومة وطنية. منذ حوالي عشرين عاما، لم يطالب بمثل هذه الحكومة إلا المنهزمون في معارك الانتخابات، لكن ما هو أكثر إثارة للقلق هو أن دعوته قد لا تنطوي فحسب على محاولة مقبولة للحؤول دون أن تكون نتائج الانتخابات معيارا للمشاركة في الحكومة، بل قد تكون تغطية لتصريف اقتصاديات الأزمة دون سياسيين. لقد شارك لشكر في أزمة 2016، وكان له دور في تعطيل استمرار رئيس حكومة في منصبه، لكنه هذه المرة، دون شك، إن نجح في تسويق مشروعه، سيقنص هدفين بحجر واحد؛ سوف يرمي بالعثماني وحزبه خارجا، ثم سيقدم مغرب ما بعد كورونا، بكل اقتصادياته ودراهمه، إلى الأشخاص الذين يخططون للسيطرة على المستقبل، دون أن يخضعوا لأي محاسبة في صناديق الاقتراع. سيكون الجميع متساويا بعد ذلك، وأيضا غير متساويين.