تحول «اليوم العالمي لحقوق المرأة» إلى لحظة استهلاكية يجري فيها ترويج نجاحات فردية ومعزولة، عنوانها تحسينشروط الاضطهاد والتمييز. رغم أن هذا اليوم هو لحظة للوقوف على وضعية حقوق النساء، والمرتبطة أساسا بطبيعة النظام العالمي المبني علىالاستغلال واللاعدالة الاجتماعية، وانعكاساته على تحقيق المساواة. هذه المساواة التي ليست فقط قضية تساوي الحقوق بين جنسين، بل إنها نظام متكامل يجتمع فيه الثقافي والسياسيوالاجتماعي والاقتصادي، ولا يمكن تحقيقه في إطار نسق تتحكم فيه الفوارق الاجتماعية والاستبداد. إن النضالالنسوي الحقيقي هو انعكاس مباشر لصراع طويل مع السلطوية، الدعامة الأساسية للذكورية الاجتماعية الثقافية،والتي لا يمكن الانتصار عليها إلا بالتمرد على كل هذه الأنساق وتفكيك بنياتها. مشاركة النساء في الانتفاضات التي يعرفها العالم اليوم، والتي تجعل من إنهاء الشمولية شعارا مركزيا لها، دليل قاطععلى أن قضية المساواة ليست قضية أرقام شكلية تجعل من كثرة البرلمانيات في مؤسسات لا تشرع نجاحا، وتعيينقاضيات معاديات للقضية النسوية مكتسبا، وتحميل المسؤولية لامرأة تضلل الرأي العام في قضايا حقوق الإنسان علىرأس مؤسسة وطنية مؤشرا إيجابيا على تحقيق المساواة. إن الافتخار بهذه المؤشرات الشكلية يعتبر تقزيما للقضية النسوية، واختزالا لتقدمها في مكتسب مشاركة النساء فيمؤسسات لا تضمن الحق في صناعة القرار، ودون مصداقية لدى المواطنات والمواطنين. إن الديناميات الجديدة التي أفرزتها الانتفاضات منذ 2011 تنتقد الفكر والنضال النسوي «الكلاسيكي»، وتعتبره لايستجيب للتحولات الجوهرية التي عرفتها المجتمعات، خصوصا في دول الجنوب.وقد خلق هذا جدلا واسعا في العالم،حيث اعتبرت هذه الديناميات أن التعاطي مع قضايا النساء، إلى حد الآن، لم يخرج عما فرضه النظام النيوليبرالي منمطالب عليها. وفي هذا الإطار نفسه، قدمت الباحثة فرانسواز فرجيس، في آخر إصداراتها: «حركة نسائية مضادةللاستعمار»، تحليلا نقديا يخرج الحركات النسائية من الصراع بين الرجل والمرأة، إلى ضرورة التفاعل مع الطبقةالاجتماعية والتوجه الجنسي والعرق. إن هذا التحليل يضع قضية المرأة في صلب الصراع السياسي، وفي عمق التحديات الجديدة، من تراجع للنمو العالمي،وإشكاليات الهجرة، والتحولات المناخية، والاضطرابات السياسية في العالم. إن التحرك الشعبي الحالي يستهدفأساسا بنيات الشمولية المعششة في ثقافاتنا وسياساتنا، والتي تعتبر أول ما يطيل أمد الأنظمة المستبدة. وما مشاركةالنساء وخروجهن إلى العلن إلا تجسيد لوعي خالص بأن مطالبهن هي، في الجوهر، تفكيك لهذه الأنظمة التي لا تعترفإلا بوحدة الرأي والثقافة والتصور. هذه المعيارية والتنميط اللذان يكرسان النموذج الوحيد للجسد، للحاكم وللمواطنالصالح، هما أول عدو لتحقيق المساواة والعدالة في صفوف كل المضطهدين في العالم. إن هذه الأصوات الاحتجاجية اليوم هي من أجل الاعتراف بالتنوع والاختلاف والنقد والتعدد، ومن أجل ترسيخ العدلوالعدالة في جميع الأوطان. إن النضال النسوي نضال جذري بالأساس، لأنه يستهدف تغيير السلوكات والثقافات والسياسات والقوانين، أي أنهنضال شامل لا يقبل منطق التجزيء ولا منطق «التسقيف». إنه نضال من أجل إنهاء الاعتقال السياسي، من أجل القضاء على كل أشكال التمييز، ونضال من أجل الدفاع عن الحقفي الاختيار الهوياتي والجنسي، وفي احترام الاستقلالية والحرية في الحياة الخاصة والعامة. ببساطة، إنه نضالديمقراطي من أجل إن يكون للجميع الحق في تقرير مصيره العام والخاص. تقول مارلين مونرو: «المرأة التي تسعى إلى أن تكون على قدم المساواة مع الرجال تفتقر إلى الطموح»، لأن الطموحالحقيقي الذي يجب أن تتمتع به كل امرأة حرة هو تحقيق نظام ديمقراطي يكرس المساواة والعدالة على جميع المستويات. إن كل هذه النضالات النسائية تاريخيا في العالم لا تستحق فقط منصبا في حزب سياسي، أو كلمة في قبة برلمان، إنهاتستحق مكانا في معادلة صنع القرار، حقا في ثروات البلاد، وحقا في اختيار الحياة التي نريد دون خوف ولا خجل ولاتحريم. ببساطة، نحن نستحق الحرية الحقيقية التي هي المقابل الوحيد لكل هذه التضحيات، وليس علينا أن نقبل أقل منذلك.