تعد جريمة الإثراء غير المشروع جديدة في مشروع القانون الجنائي العالق في ردهات البرلمان حاليا، وتطبق فقط، على الموظفين الخاضعين للتصريح الإجباري بالممتلكات، وعددهم نحو 110 آلاف موظف، وجرى إدراجها في سياق خطة محاربة الفساد. للتذكير، سبق أن عرفت هذه الجريمة جدلا وسط حكومة بنكيران، فالنص الأصلي الذي أعده وزير العدل السابق مصطفى الرميد، كان يتضمن تطبيق هذه الجريمة على جميع موظفي الدولة والجماعات المحلية، وعددهم يتعدى 800 ألف، كما تضمن عقوبة سجنية تصل إلى خمس سنوات، ومصادرة الممتلكات. ولكن خلال مناقشة النص في عهد الحكومة السابقة وقع تحفظ على توسيع تطبيق هذه الجريمة على جميع الموظفين، مخافة أن تتحول إلى “وسيلة لتصفية الحسابات” وتطبيقها “بانتقائية” على موظفين دون غيرهم، كما وقع تحفظ على عقوبة السجن من سنة إلى 5 سنوات، في حالة الموظف الذي يثري بشكل غير مشروع، فتم حذف العقوبة السجنية، مع تشديد العقوبات الأخرى في حالة الإدانة، ففضلا عن الإبقاء على إمكانية الحكم بمصادرة الممتلكات، فقد جرى رفع الغرامة، ما بين 5000 و50 ألف درهم، إلى سقف يصل إلى مليون درهم، ضد الموظف المدان بتهمة الإثراء غير المشروع، كما جرى التنصيص على إمكانية الحكم بعدم الأهلية لممارسة الوظيفة، أي الطرد من المنصب، وهي عقوبة لم يكن منصوص عليها، في الصيغة الأولى التي أعدتها وزارة العدل. اليوم، يبدو أن الخلاف حول تجريم الإثراء غير المشروع في مشروع القانون الجنائي المعروض، حاليا، على مجلس النواب، بصدد أن يحدث أزمة أخرى داخل الحكومة وبين مكونات الأغلبية البرلمانية. فالنقاش الحالي، يجري بين ثلاث رؤى: الأولى، وردت في مشروع القانون الذي صادق عليه المجلس الحكومي في يونيو 2016 ويتشبث بها حزب العدالة والتنمية، الذي يلح أن يشمل تجريم الإثراء غير المشروع كل موظف عمومي ملزم بالتصريح بممتلكاته وأولاده القاصرين. وتلح هذه الرؤية على تشديد العقوبة، بحيث تشمل الغرامة والمصادرة والحرمان من تولى الوظائف العامة، وتجعل إثبات براءة المتهم على المتهم نفسه، وليس على النيابة العامة. في مقابل رؤية ثانية، تقول بأن يتولى المجلس الأعلى للحسابات إثبات تهمة الإثراء غير المشروع، وأن لا تكون المتابعة إلا بعد تقاعد الموظف أو انتهاء مدته الانتدابية، وهي الرؤية التي يدافع عنها التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية، علاوة على رؤية ثالثة، انفرد بها حزب الاستقلال، والتي تؤكد على أن يشكل جريمة الإثراء كل موظف عمومي يتصرف في المال العام، سواء أكان ملزما بالتصريح بممتلكاته أو لم يكن ملزما، على أن يعاقب في أي اختلال يرتكبه بعقوبات تتراوح بين السجن النافذ والغرامة والمصادرة والحرمان من أي وظيفة أو مهمة انتدابية. تباين المواقف هذا، يكشف بعض الرهانات التي جعلت مشروع القانون الجنائي رهينة في مجلس النواب لمدة تزيد حتى الآن، عن أربع سنوات. الخبير في سياسات مكافحة الفساد، محمد براو، قرأ في التوتر المحيط بهذا المشروع، تعبيرا من جانب الفاعل السياسي، عن أنه “غير جاد ولم ينجح بعد في الترفع عن الحسابات السياسوية الضيقة، مع العلم أن الموضوع لا يحتمل أي معادلات سياسوية ضيقة، فهذا موضوع استراتيجي مصيري للدولة والمجتمع بشقيه السياسي والمدني”. وفيما حاول وزير العدل، محمد بنعبدالقادر، نفي ارتباط تجميد مشروع القانون بمقتضيات تجريم الإثراء غير المشروع، شددت النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، آمنة ماء العينين، على أن هذه النقطة هي موطن الخلاف الحقيقي، نافية أن ينطوي ذلك على أية مزايدة سياسية. فيما يذهب النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار الموحد، عمر بلافريج، على أن النقاش الدائر يكشف غياب الانسجام بين وزير العدل وحزب العدالة والتنمية، مستبعدا أن السبب هو المادة المتعلقة بالإثراء غير المشروع، كما يقول حزب العدالة والتنمية. “ربما هناك أحزاب تتحفظ ومتخوفة من حملة انتخابية بخصوص هذه المادة بأن يستغلها “البيجدي” لصالحه، وإن كان لن يجري تطبيقها هذه السنة، في خطابه ضد محاربة الفساد، وهذا منطق غير سليم لأنه يجب تغليب مصلحة البلد”، يقول بلافريج.