هل كان من الضرورة خلق حزب جديد سنة 2008، مثل حزب الأصالة والمعاصرة؟ نعلم جيدا أن تأسيس هذا الحزب جاء في ظروف عقب انتخابات 2007 التشريعية التي عرفت أكبر نسبة عزوف في تاريخ الانتخابات المغربية من جهة، ومن جهة أخرى، أفرزت اندحار اليسار. وبالتالي، كانت ضرورة تأسيس هذا الحزب هي مواجهة الفراغ أمام تصاعد قوة سياسية، أي العدالة والتنمية. حيث أُجبر النظام آنذاك على تأسيس هذا الحزب باعتباره حزبا يجمع كل الحداثيين في وقت اندحار اليسار وتراجع ما يُسمى بالأحزاب الإدارية أمام الإسلاميين، وكان الهدف هو مواجهة الإسلاميين. وعلى عكس جميع الأحزاب في الديمقراطيات، لم يكن تأسيس هذا الحزب انعكاسا لضرورة اجتماعية أو تاريخية معينة، بمعنى أنه تأسس من طرف جهات عليا. إذن، ففي نظري هو إعادة إنتاج مجموعة من الأحزاب التي عرفها المغرب أو ما يسمى بالأحزاب الإدارية يعني حزب السلطة. ألم تكن لهذا الحزب إضافة ما في المشهد السياسي والحزبي؟ لم تكن له أي إضافة، بل أعاد إنتاج البلقنة عينها. كذلك، كان له دور في تكريس هيمنة السلطة على المشهد الحزبي. وتركيبة الحزب خير شاهد على ذلك، حيث نلاحظ أنه حزب مكون من أعيان ورجال أعمال ومستشارين ووزراء سابقين.. وأعتقد أن إسهامه في المجال الحزبي كان سلبيا، مع الإشارة أن تركيبة الحزب مكونة من شقين رئيسيين: أقلية مكونة من يساريين سابقين ومعتقلين سابقين لهم تاريخ نضالي، ولكن الأغلبية الساحقة من رجال أعمال.. إذن، لم يقدم إضافة، بل أساء للمشهد الحزبي . يوصف البام من قبل كثير من المحللين بأنه تنظيم السلطة، لكنه لم يحظ بها! طبعا، هو حزب خرج من رحم السلطة. لنعد للتاريخ، ففي بداية الأمر كانت هناك لائحة ترشحت في الانتخابات التشريعية سنة 2007 بالرحامنة بقيادة فؤاد عالي الهمة، الذي كان آنذاك مقربا من الدوائر العليا وحصدت ثلاثة مقاعد، وكان الهدف آنذاك هو مقارعة الإسلاميين الذين أصبحوا يشكلون قوة سياسية، وجرى تأسيس هذا الحزب ليكون قائدا للحكومة، وإلى حدود 2011 كان هو الحزب الأول في عدد المقاعد بالبرلمان، لكن الذي أخل بالموازين هو الربيع العربي وحركة 20 فبراير، ما أجبر الدوائر العليا تغيير المعادلة، فصعد حزب العدالة والتنمية. إذا ما قرأنا أدبيات الأصالة والمعاصرة، فليس هناك لا برنامج ولا هوية ولا أي شيء، هناك مجموعة من الشعارات المتناقضة تتحدث عن الأصالة والمعاصرة وتقرير الخمسينية والحداثة والإسلام.. إذن، ليس هناك برنامج يقنع. الأحزاب تبتدئ من الصفر وتبحث عن مناضلين، وتقوم بعملية إشعاع، وهكذا تدريجيا تبني نفسها. في حين أن البام حزب لم يخض أي انتخابات، وما بين 2007 و2009 كان هو الحزب الأول على مستوى المقاعد. إذن، هو حزب خُلق ليكون حزب السلطة، لكن كما يقال تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن، إذ تراجع بعد اندلاع الربيع العربي سنة 2011؛ حتى جاءت اللحظة المناسبة2015 و2016، والتي جعلت هذا الحزب ينافس على المراتب الأولى بسبب تركيبته والدعم المالي، وما فعله هذا الحزب لشراء الأصوات والذمم كان غير مسبوق في تاريخ المغرب .. ما تأثير المواجهة بين البام والبيجيدي على أداء الأصالة والمعاصرة؟ آثار المواجهة لم تكن فكرية، ولكن على مستوى الإعلام وعلى مستوى شبكات التواصل الاجتماعي وتصريحات مجموعة من زعماء البام كانت لها آثار إيجابية على حزب العدالة والتنمية، عكس ما كان منتظرا منها، لأن البام فاقد للمشروعية وللهوية. أضف إلى ذلك، أن الذين حاولوا انتقاد البيجيدي والمرجعية الإسلامية والحديث عن الحداثة والليبرالية، وضمنهم آنذاك إلياس العماري، لم تكن لهم لا الكفاءة العلمية ولا الفكرية ولا الأكاديمية لقيادة هذه المعركة، وكما يُقال فاقد الشيء لا يعطيه. بالحديث عن إلياس العماري، أي دور لعب الرجل في الحزب، سواء أكان سلبيا أو إيجابيا؟ إلياس العماري من أين جِيء به؟ نحن لا نعلم ذلك. في مرحلة معينة ظهر فجأة، وجرى الحديث أن له ماضي نضالي، في حين أن اليسار يتبرأ منه، ولم يكن من الوجوه البارزة في اليسار أو الوجوه المناضلة، فإذا به يتصدر المشهد السياسي فجأة. أنا أعتقد أنه كانت له سلبيات أكثر من الإيجابيات، إذ جرى اختزال الحزب في شخصه ونتذكر آخر مؤتمر في حضوره، حيث جرى انتخابه بالإجماع وعندما نتحدث عن الإجماع نتحدث عن خاصية الأنظمة الشمولية، أي الزعيم الذي لا يُناقش، وهذا الزعيم صديق فلان، أو صديق جهات عليا، إلى غير ذلك. كان دائما داخل المشهد السياسي يُنظر إليه كشخص نزل من أعلى دون أي مجهود. لذلك لا يمكن أن نقول إنه قدم شيئا إيجابيا للمشهد الحزبي، اللهم في حضور عبدالإله بنكيران وحكومة بنكيران، حاول أن ينهل من معين القاموس عينه، حيث كان الشخص الذي يمكن إضعاف شعبية بنكيران، هو إنسان مثل إلياس العماري “جاء من الشعب” وأتى من منطقة الريف، مع ما نعرفه عن رمزية هذه المنطقة وتاريخها ويتكلم الريفية و”ولد الشعب”.. لكن كان يستعمل لغة عربية لا يتقنها وحاول أن يتحدث الفصحى، لكن كانت تثقل المستمع ولَم تكن له المؤهلات عينها، لا الكاريزمية ولا الفكرية لإعطاء أي إضافة . كيف تنظر إلى ولاية بنشماش والصلح والمؤتمر المقبل؟ بالنسبة إلى ولاية بنشماش فالصراعات التي طغت هي صراعات شخصية، وحتى أكون موضوعيا لها جانب شخصي بين بنشماش وتيار المنصوري ووهبي، وهناك جانب من أعلى. حين نتحدث عن خلافات، نتحدث عن حزب حقيقي والحالة هذه أننا أمام “حزب” أسسته جهات معينة لمواجهة قوة سياسية معينة، وهذه الخلافات هي خلافات مصطنعة، قد تكون لها أسباب ذاتية، ولكن هناك سقفا لا يجب تجاوزه داخل هذا التنظيم.. ليست خلافات حول مشروع سياسي أو حول توجه إيديولوجي أو مذهبي للحزب. في الأصالة والمعاصرة نحن بعيدين عن هذه المسألة. السبب الرئيس في الصراعات، يعود للجهات التي صنعت هذا الحزب، والصراعات حول الزعامة والقيادة هي سبب ثانوي وذاتي وشخصي، ولا يمكن أن يفسر أن هناك أزمة داخل هذا التنظيم . بالنسبة إلى المؤتمر المقبل لاحظنا أن هناك اتجاها نحو الصلح، وبين ليلة وضحاها لم تعد هناك خلافات إذ أخذ يحضر للمؤتمر، وهذا يثبت أن هذا التنظيم مسيرٌ، وهناك جهات معينة ارتأت في مرحلة معينة أن تشق هذا التنظيم وحاولت اللعب على تنظيم آخر لمواجهة العدالة والتنمية. ربما، وأقول، ربما، لأنني لا أتوفر على معطيات دقيقة ولأن واقعا سياسيا مثل المغربي تنقصه الشفافية واستقلالية الأحزاب. (ربما) ارتأت هذه الجهات العليا أنه من الأجدر أن يجري ترميم صفوف هذا التنظيم، فقد يلعب دورا في المستقبل. إذن، المسألة ليست تلقائية من القيادة، بل هي مسطرة في هذه المرحلة لأن الحزب وجب أن يقوم بالصلح ويقوم بمؤتمر ويكون جاهزا للاستحقاقات المقبلة .