ساعات قليلة بعد زيارته المفاجئة لجامع الفنا، حوالي الساعة الثانية من صباح الأحد المنصرم، أصدر والي مراكش، كريم قاسي لحلو، أول أمس الاثنين، قرارا بسحب رخصة بناء مركب تجاري بالساحة التاريخية، بسبب “خرقه لميثاق الهندسة المعمارية للمدينة العتيقة لمراكش”. واستنادا إلى مصدر مطلع، فقد علل الوالي قرار سحب رخصة بناء المركب التجاري، الذي تعود ملكيته لشقيقة مستشار برلماني ينتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، بسبب خرق أشغال البناء لدفتر التحملات الخاص بإحداث الفضاءات العمومية بالمدينة القديمة، خاصة بالنسبة إلى سطح المركب الذي كان مزمعا استغلاله كمطعم ومقهى، ناهيك عن استعمال مواد بناء لا تراعي عناصر الهندسية المحلية، والإخلال بجمالية المشهد المعماري الأصيل و بخصوصيات ومميزات المدينة العتيقة. وقد جاءت زيارة الوالي/عامل عمالة مراكش لساحة جامع الفنا على رأس وفد رفيع، متكون من الكاتب العام للولاية والمهندسة رئيسة قسم التعمير وممثلي السلطة المحلية، بعد الغضب الذي عبّرت عنه جهات عليا، خلال الزيارة الملكية الأخيرة للمدينة، من الاختلالات التي تشوب فضاءات وأسطح العديد من المقاهي والمطاعم، ناهيك عن انتشار الاستغلاليات العشوائية بالمدينة العتيقة، وتجاوز العديد من البنايات المرخص لها للعلو المسموح به. وحسب المصدر نفسه، فقد سبق لصاحبة العقار، المتزوجة من شخص أجنبي، أن رفعت دعاوى قضائية ضد مكتري المحلات التجارية بهذا العقار، الذي كان في الأصل عبارة عن مركب تجاري تقليدي (قيسارية) انتهت بصدور أحكام قضائية بإفراغهم منها، قبل أن تهدم جزءا منه وتحصل على رخصة بناء، في سنة 2013، من أجل تشييد مركب تجاري عصري على أنقاضه، مكون من محلات تجارية في الطابقين الأرضي والمستوى الأول ومن مقهى بالسطح. كما سبق لها أن دخلت في نزاع قضائي مع الشركة المالكة والمستغلة لمقهى ومطعم مجاور لعقارها، وهو المقهى الذي لا يحترم بدوره ضوابط الهندسة المعمارية للمدينة العتيقة، من حيث إحداثه لطابق تحت أرضي، وعدم التزامه بالمقتضيات والتدابير التقنية المحددة لأشكال الواجهة والأبواب. هذا، ومن المقرر أن يثير تعليل القرار جدلا واسعا، خاصة وأن العديد من البنايات العمومية والخاصة تم تشييدها بالمدينة العتيقة، في خرق واضح لميثاق الهندسة المعمارية للمدينة العتيقة، خاصة من حيث تجاوزها للعلو المسموح به والمحدد في سبعة أمتار ونصف المتر، واستعمال الإسمنت المسلح في بنائها، من قبيل مصحة خاصة ب”باب تاغزوت”، التي يصل علوها إلى حوالي 16 مترا، ومقهى “أركَانة” بساحة جامع الفنا التي تم التغاضي عن تجاوزها للعلو القانوني وإحداث طابق تحت أرضي بها، ناهيك عن استعمال الإسمنت المسلح في بناء مؤسسات عمومية، كمقر مقاطعة مراكشالمدينة، ودار الشباب بحي “قبور الشو” المتجاوز علوها للسور التاريخي المجاورة له. ويأتي قرار الوالي لحلو تزامنا مع إطلاق مشروع تهيئة ساحة جامع الفنا بتكلفة مالية تصل إلى نحو 4 مليار سنتيم، ويهم أشغال الإنارة والتبليط وتهيئة الواجهات والأسطح، وهو المشروع الذي يدخل في إطار المشروع الملكي لتأهيل المدينة العتيقة بمراكش، وكان مقررا أن تنتهي الدراسات المتعلقة به في أواخر مارس المقبل، وهي الدراسات التي كان مفترضا أن تتم في إطار التنسيق والاستشارة مع المصالح المعنية والمجتمع المدني، وفق توصيات الاجتماع الرسمي المنعقد بمقر الولاية، شهر دجنبر الفارط، حول المشروع عينه. كما يعيد سحب رخصة إحداث مركب تجاري بقلب جامع الفنا إلى الواجهة، مجددا، المطالب بإحداث مؤسسة مستقلة تُعنى بمهام الوساطة والتنسيق من أجل المحافظة على الساحة المصنفة تراثا شفويا إنسانيا، والنهوض بأوضاع صانعي الفرجة بها، ورصد الاختلالات التي تخدش صورة القلب النابض للمدينة السياحية الأولى وطنيا وقاريا. يشار إلى أنه سبق التوقيع على اتفاقية، بتاريخ الاثنين 29 أبريل الماضي، بين بلدية مراكش وجماعة المشور القصبة ومقاطعة مراكشالمدينة، والوكالة الحضرية للمدينة، على هامش انعقاد الدورة التاسعة عشر للمجلس لهذه الأخيرة، وقد تناولت الاتفاقية إعداد ميثاق الهندسة المعمارية للمدينة العتيقة لمراكش، بهدف الحفاظ على الخصوصيات المعمارية والعمرانية الأصيلة للمدينة العتيقة وتثمين العناصر الهندسية المحلية، وهو الميثاق الذي تقرر بأن يشكل دليلا مرجعيا وتوجيهيا يوضع رهن إشارة جميع المتدخلين والفاعلين، قصد أخذه بعين الاعتبار أثناء إنجاز التصاميم المعمارية للبنايات والقيام بعمليات التهيئة والترميم بالمدينة القديمة. يذكر، أيضا، بأن لجنة مركزية تابعة للمفتشية العامة لوزارة الداخلية تقوم، منذ نحو شهر، بمهمة رقابية بولاية الجهة، وهي المهمة التي تتناول “اختلالات مفترضة في قطاع التعمير” بالمدينة والجماعات الترابية المحيطة بها التابعة لعمالة مراكش.