عندما تلج جامع الفنا من جهة جامع الكتبية يكون في استقبالك على اليسار بنايتان اثنتان . الأولى هي كوميسارية جامع الفنا الضاربة في التاريخ الأسود للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان منذ عهد الحماية مرورا بفترات القمع الشرس في الستينات و السبعينات و الثمانينات ، و الثانية هي مقهى أركانة الذي يلفت الانتباه بارتفاعه غير المنسجم مع الطابع المنبسط للساحة و الشكل المعماري النشاز الذي يتخذه مقارنة مع بنايات المدينة العتيقة . و منذ أن عمل مالكه على تمديدها عموديا حتى أضحت أشبه بعمود كهربائي ضخم ينتصب في سماء الساحة ، تحول هذا المقهى لدى العديد من المدافعين عن حرمة جمالية جامع الفنا و تناسقها المعماري رمزا للتسيب في مراكش و اللامبالاة اتجاه الانسجام في تركيب الأشكال المعمارية للمدينة العتيقة و للروح التاريخية للساحة الأسطورية . و كان المقهى منذ أن أضاف إليه صاحبه طابقين اثنين دفعة واحدة محط انتقادات كبيرة حتى أنه كان من الأسباب التي زادت في تدمر خوان غويتصوللو من مآل جامع الفنا . لكن و رغم ذلك كان للارتفاع المبالغ فيه لبناية المقهى فائدة تجارية . فقد سمح بتوفير سطحين علويين يمكّننان الزائر من نظرة مسيطرة على الساحة بكاملها . و أتاح تخصيص أحد السطوح كمطعم . و هو ما ساهم في تقوية قدرات أركانة في استقطاب الزوار الأجانب ، حيث أضحى السياح الوافدين على الساحة الزبون رقم واحد . و شجع ذلك مالكوه على رفع أسعار خدماته . يكتظ مقهى اركانة الذي يشكل إضافة إلى مقهى كلاصيي و مقهى فرنسا ثلاثيا شهيرا بالساحة ، من صباحه إلى مسائه بالزبناء الأجانب الذين يقصدونه لتناول وجبة الفطور في الصباح أو لتناول مرطبات و مشروبات معتادة في مثل هذه الفضاءات من قهوة و شاي و مياه غازية و غيرها ، كما يتناولون في مطعمها وجبتي الغذاء و العشاء . لذلك من الصعب الظفر بمقعد بأحد سطوحها بسبب قوة الإقبال عليها . مع العلم أنه قلما يقصدها الزبناء المراكشيين بكثافة . و في العادة فالمغاربة من خارج المدينة هم الذين يقصدونها على قلتهم . في سنة 2001 دفع اسم مقهى اركانة إلى الواجهة عقب تفكيك خلية نائمة تابعة لتنظيم القاعدة و كان من المعطيات التي تدوولت حينها أن من مخططات هذه الخلية تفجير هذا المقهى . و منذ ذلك الوقت ظهر هذا الفضاء في مواجهة تهديد جدي لكونه يمثل الصيد الثمين لأي تنظيم يهدف إلى ضرب قلب السياحة المغربية و إضفاء طابع دولي على العملية من خلال اختيار مكان يضمن جنسيات دولية لضحاياه . و صمد المقهى طيلة العقد الأول من القرن الجديد في وجه شبح الاعتداءات الإرهابية إلى أن حل صباح الخميس الأسود الذي كتب تاريخا جديدا لأركانة حروفه من دم و حزن و دموع .