تقدم أريفينو على حلقات يوميات يحكيها مصطفى حسيني و هو شاب ناظوري يوجد الآن من بين المعتقلين 12 المشهورين لجماعة العدل و الإحسان بفاس و الذين أعتقلوا و حوكموا إثر أحداث جامعة محمد الاول بوجدة أريفينو تثير إنتباه قراءها الكرام أنها لا تتبنى وجهة نظر المعتقل الناظوري و لكنها تعرضها فقط التعذيب المنظم خلال مراحل الاعتقال (الحلقة الثانية) انتظمت سيارات الأمن وهي ملأى بالإخوة محاطة بسيارات التدخل السريع فانطلقت في موكب رهيب، وجمهور غفير قد اصطف على جنبات الطريق يتابع ما يحدث بحزن وأسى. نظرات تقرأ فيها التعاطف والتبرم والسخط على سياسة بدائية يقودها مخزن مارق، كيف لا وهم يشاهدون بأم أعينهم أسلوبا همجيا واعتداءات كانوا يخالونها تقتصر على قوات الاحتلال بفلسطين. كانوا يعرفون هؤلاء الفتية المعتقلين المتميزين بأخلاقهم العالية، وخدماتهم الجليلة المقدمة للطلبة وأبناء الحي على السواء، ونشاطهم الدؤوب داخل الساحة الطلابية وفصيل طلبة العدل والإحسان، ويحبونهم ويقدرونهم، فطبيعي جدا أن يتعاطفوا ويتألموا لما أصابهم من أذى وظلم واعتداء. وطيلة المسافة التي تفصلنا عن مركز الشرطة المخصص للتعذيب ونحن نتعرض للشتم والضرب بالعصي فأصيب العديد من الإخوة بجروح في رؤوسهم، حتى إن أحد الإخوة أصيب بجرح غائر، وآخر- الأخ ح م- كادت تبتر أذنه الخ. وبينما نحن في طريقنا إلى هذا المركز نعذب ونجلد ضدا على القانون والمواثيق التي صادق عليها المغرب، كان الحجاج -الحاج هو الاسم الذي يحلو للمحققين أن يطلقوه على أنفسهم- في مخفر الشرطة ينتظرون قدومنا بشغف كبير إذ تفتقت عبقريتهم على إبداع أساليب جديدة من التعذيب والتنكيل لم نكن قد سمعنا عنها من قبل حيث افترشوا جزءا من أرضية الطابق السفلي بحصى حاد، وبمجرد أن وصلنا تعالت صيحاتهم وصراخهم في وجوهنا، وبدأت حصة أخرى للتعارف تمتزج فيها اللكمات والضرب بالعصي إلى أن تم جمعنا في الأرضية المفروشة بالحصى، وأجبرنا -أزيد من ستين طالبا- على السجود عليها مستقبلين وجهة واحدة كأننا في صلاة، وأحطنا برجال الأمن السري وقوات التدخل السريع المسلحة بالهراوات، وأكرهنا على التزام الصمت المطلق، ولبثنا على تلك الحالة 13 ساعة، من مساء يوم الجمعة 01/11/1991 إلى صباح يوم السبت 02/11/1991، دون شراب ولا طعام ولا نوم. واضطر بعضنا لقضاء حاجته في مكانه. لم يسمح لنا بأدنى حركة فاضطررنا إلى الصلاة -صلوات المغرب والعشاء والصبح- أفذاذا على نفس الهيئة والحالة. وطيلة الليل وزبانية المخزن” يطربوننا” بكلام ساقط، والعصي تهوي على ظهر كل من أخذته سنة من النوم وحاول الاتكاء على جنبه دون إرادته، فأدميت أيدي وأرجل معظم الإخوة بسبب حدة الحصى والضرب الهمجي الذي ظلت آثاره بادية على أجسادنا مدة غير يسيرة. وجرح آخرون في رؤوسهم، فالحجاج لا يضرهم أن يصاب المعتقل بعاهة، أو يقتل أو يموت. في حين ظل الإخوة يرددون حسبنا الله ونعم الوكيل، ويدعون الله تعالى ويذكرونه. فذكر الله نور يطرد كل غم أو فزع أو خوف قد يتسرب إلى القلب “ألا بذكر الله تطمئن القلوب”. ونحمد الله تعالى أن لطف بنا، ورفع عنا كل ما كنا فيه من ألم وعذاب وقهر، وجعله بردا وسلاما، لأنه عز وجل “يدافع عن الذين آمنوا” -الحج:38-، فهو سبحانه يحمل عنهم عند نزول الابتلاء ما لا يقوون على تحمله، فيخفف عنهم، ويغمرهم بلطفه وسكينته. يجيب المضطر إذا دعاه، وينقذ الغريق إذا ناداه، “ولكن أكثر الناس لا يعلمون” -الأعراف:187-. لطف الله بنا، وأبرد علينا، وكنا على يقين أن الابتلاء درب الصالحين، وقد جلد وعذب قبلنا المرسلون والأئمة والأولياء، وأن الأمر إذا ضاق اتسع، وأن هذه الآلام مهما بلغت شدتها فلن توازي عشر المعشار مما أصاب المسلمين في فجر الإسلام “أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما ياتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، ألا إن نصر الله قريب” -البقرة:214-. هذه الليلة الأولى التي قضيناها داخل مخفر الشرطة ساجدين معذبين ستظل راسخة في الذهن، وشاهدة على معاملة دنيئة وقذرة ومهينة تنم على قساوة قلوب هؤلاء الحجاج الجلادين ومن يقف وراءهم، وتدل على أنهم ليسوا من طينة البشر. ليلة كانت مباركة بالنظر إلى روحانية الإخوة وقلوبهم الصافية التي كانت متعلقة بالله عز وجل يدعونه، ويذكرونه، ويعظمونه، ويفوضون أمرهم إليه، ويرجون لطفه وثباته، وقبول ابتلائهم وجعله في ميزان حسناتهم، “فأنزل السكينة عليهم، وأثابهم فتحا قريبا” -الفتح:18-. والحقيقة أن الإخوة أبدوا ولله الحمد ثباتا لاحظه الجلادون أنفسهم، وهو ما استفزهم، وزاد من حدة بطشهم. لا يدركون سر ذلك الثبات والرجولة لأنهم لم يفهموا أن هؤلاء الفتية صنعتهم تربية العدل والإحسان التي تربط الإنسان بالله فلا يخاف في الله لومة لائم. تربية، ولا نزكي على الله أحدا، تنشئ أجيالا قادرة على صناعة الحياة والتاريخ تنشد مع خبيب بن عدي، وهو على مشنقة الموت: ولست أبالي حين أقتل مسلما *** على أي جنب كان في الله مصرعي. فهذه الطريقة التي اتبعها المخزن لاعتقالنا من داخل بيوتنا، و”حفاوة” استقبالنا بمركز الشرطة تعبر بدون شك على وحشية مخططيها ومنفذيها، ونزعة انتقامية لديهم، وتهدف إلى إدخال الرعب على المعتقل، وتهييئه لمرحلة لاحقة أشد وحشية، وهي مرحلة التحقيق التي سنتناولها في لقاء مقبل إن شاء الله. وقبل أن أستودعكم أود الإشارة إلى أن سرد هذه المعاناة والتعذيب يصادف حلول ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهي مناسبة ليتعرف العالم على بعض ما يزخر به سجل المخزن من مأساة، وحقيقة شعاراته الزائفة التي تردد في كل مكان. كما يتزامن مع إعلان هيأة الإنصاف والمصالحة عن نتائج أعمالها. هيأة تصالحت مع الجلاد، وزعمت إنصاف المظلوم إلا مظلوم العدل والإحسان وفق ما حددته التعليمات التي سطرها المخزن. لذا فهي لن تلتفت إلى مثل هذه المعطيات والحقائق، ولا تعنيها إلا أن يشاء المخزن. لكنها ستظل حقائق تاريخية لن يضرها اهتمام المخزن ومؤسساته من عدمه.هي مأساة تعد جزءا من الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها رجال ونساء العدل والإحسان ولا يزالون. معاناة هي بمثابة ضريبة تؤديها العدل والإحسان في شخص معتقليها وشرفائها ومناضليها نيابة عن الشعب كي ينعم يوما ما بحياة إيمانية كريمة، ومستقبل زاهر مشرق خال من الظلم والاستبداد والمقاساة يفخر به ويفرح بدل هذا الواقع المخزني المعيش المخزي اللئيم. مأساة قد يراد لها أن تبقى طي الكتمان، ونحن نريد لها أن يعرفها العالم. -يتبع- المعتقل السياسي مصطفى حسيني التعذيب المنظم خلال مراحل الاعتقال (الحلقة الأولى) أقدمت دولة المخزن في مطلع الموسم الجامعي سنة 1991-1992 على اعتقال ثلة من خيرة شباب الجامعة -أزيد من ستين طالبا من نشطاء فصيل طلبة العدل والإحسان بجامعة وجدة- ظلما وعدوانا، وتعريضهم لأقسى أصناف التعذيب، ولاعتداءات لا تخطر على بال بشر ابتداء من اللحظة الأولى للاعتقال، ومرورا بفترة التحقيق التي سامنا فيها زبانية المخزن سوء العذاب، والتي توجت بالحكم علينا بأكثر من ثلاثة قرون سجنا نافذا وخمسة أحكام بالسجن المؤبد غيابيا -كان نصيبنا منها نحن الإثني عشر عشرين سنة لكل واحد منا-، وانتهاء بفترة الاعتقال التي امتدت لأزيد من عقد من الزمن. وقد تلقينا هذا الابتلاء بصدر رحب، وبقلوب راضية مطمئنة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك إلا للمؤمن”. ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة، فقد أوذي في الله إيذاء شديدا، وأدميت قدماه، وجرح، وكسرت ثنيته، وشج وجهه، وطرد من مكة وقتل أصحابه ونكل بهم... صبر، ولبى نداء ربه فكان النصر حليفه، “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم” -محمد:7-. والحقيقة أن الشدائد تقرب إلى الله تعالى، وتحيي القلوب، وتذكر العبد بأنه ضعيف بنفسه، وقوي بالله ما تمسك بحبله المتين. وهي طريق الاجتباء والاصطفاء ونيل المحبوبية متى قوبلت بالرضا والتسليم، ففي الحديث: “إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط”، وفي حديث آخر رواه الترمذي “إن عظم الجزاء من عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط”. ولسنا أول من يبتلى، “أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم، وليعلمن الله الذين صدقوا، وليعلمن الكاذبين” -العنكبوت:2-، وواجب المبتلى أن يصبر، قال تعالى: “فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل” -الأحقاف:35-، فلن يغلب عسر يسرين “فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا” -الشرح:6،5- تعذيب شديد ومعاناة قلما نذكرها ونتحدث بها لاحتسابنا الأمر لله تعالى فالدنيا ساعة وتمضي، ومن أصيب هنا يثاب هناك “سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار” -الرعد:24-، لكنني أجدني مضطرا لسردها والتذكير بها لاعتبارها جرائم ارتكبها في حقنا المخزن، فينبغي أن نوثقها ونكشفها ونضعها بين يدي الرأي العام، والمنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان الدولية والمحلية المحايدة غير الأسيرة لتعليمات المخزن أو لخلفيات سياسية ضيقة، وهي جمعيات تستحق كل التقدير لاعتنائها بهذه الانتهاكات بغض النظر عن أصحابها وانتماءاتهم وقناعاتهم. مأساة نسجلها للتاريخ ونعرف بها الأجيال القادمة التي ستحصد وستنعم بما تزرعه العدل والإحسان اليوم من بذل وتضحيات ثمنا لتحرير الشعب المستضعف من قبضة الاستبداد والطغيان. ففضحنا ونشرنا لما جاد به علينا المخزن من سوء العذاب إنما هو فضح لتلك العقلية العتيقة المستهترة بالإنسان وكرامته، ومساهمة في تغييرها أو طردها من بين ظهرانينا. تعذيب ومعاملة قاسية أعجز عن وصفهما إذ لا تسعفني الكلمات للتعبير عما عايشته وشاهدته، ولكن حسبي أن أشير إلى بعض ملامح ذلك الابتلاء الذي نسأل الله تعالى أن يدخر لنا ثوابه ليوم “تجزى كل نفس بما كسبت” -غافر:17-. فالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية أو المهينة اعتداء على كرامة الإنسان التي منحها الله إياه. وسلوك غير متحضر. حرمه ديننا الحنيف، وأعده فعلا شنيعا يستوجب صاحبه العقاب. وهو يعتبر من الاعتداءات الجسيمة التي تشكل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان، لذا أدانه وحظره المجتمع الدولي وكل المواثيق الدولية حيث نصت المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب، ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة”. وجاء في المادة العاشرة -الفقرة 5-1- من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: “يعامل جميع الأشخاص المحرومين من حريتهم معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصيلة في شخص الإنسان”، وتنص المادة الرابعة منه على عدم جواز تقييد الحق في عدم التعرض للتعذيب حتى “باسم حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة”. ويقصد بالتعذيب في القوانين الدولية أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول على معلومات أو اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه أنه ارتكبه. ورغم مصادقة المغرب على هذه القوانين فإن الكثيرين من أبناء هذا الوطن ذاقوا مرارة الاضطهاد. والملاحظ أن هناك قواسم مشتركة بين جل الاعتقالات السياسية التي شهدتها بلادنا، فجل المعتقلين يتعرضون لتعذيب بشع يترتب عنه آثار سلبية قد تصل إلى عجز جسدي في أحد الأعضاء، أو اضطراب نفسي وغيرهما. أما الجلادون المنفذون للتعذيب، أو المخططون والآمرون فهم دائما في منأى عن المساءلة القانونية، ولا يتعرضون لأية متابعة قضائية أو إدانة. سأخصص هذه الحلقة للحديث عن التعذيب المنظم الذي ذقنا مرارته أثناء الاعتقال، على أن نتواصل عبر حلقات أخرى للتعريف بتعذيب فترة التحقيق الأشد شراسة، والتعذيب المنظم الذي تعرضنا له داخل المعتقل. التعذيب المنظم أثناء الاعتقال أرجع بالذاكرة إذن إلى سنة 1991 التي كانت بداية الطلاق مع الحياة الطليقة التي كنت أحياها بكل ما فيها من حيوية ونشاط، وحرية نسبية وتفان في خدمة الطلبة والدفاع عن حقوقهم، ونضال واجتهاد وأحلام وطموحات وذكريات... حينها امتدت إلينا أيادي آثمة واختطفتنا من داخل بيوتنا. فما زلت أتذكر ذلك اليوم الذي اعتقلنا فيه، كان يوم جمعة، لذا قصدت رفقة أحد الإخوة مسجدا قريبا من الجامعة لأداء صلاة الجمعة، ولاحظت أمرا غير معتاد، فرجال البوليس السري منتشرون في كل الشوارع الموصلة إلى المسجد، يحملقون في الإخوة الطلبة وكأني بهم يحصون عددهم، وكنا قد ألفنا استفزازات أولئك الخفافيش المعروفين ب”الحنوش” نسبة إلى الأفاعي، ومطارداتهم واعتداءاتهم علينا خلال مرحلة النضال داخل الجامعة. غير أنني لم أكن أدري ما يخبئه لنا القدر، ولا ما يبيته المخزن وشركاؤه. لم أكن أعلم أنني سأجد نفسي يوما ما وراء القضبان بتهم باطلة وملفقة. لقد كانوا يخططون للهجوم واقتحام المنازل التي يقطنها بعض الإخوة الطلبة من العدل والإحسان. استمعنا لخطبة الجمعة التي أشار فيها الخطيب إلى أثر الإيمان في تزكية النفوس، وكان قد تحدث في خطب سابقة عما يحدث في جامعة وجدة من انتهاك لحرمة المسجد والقرآن الكريم، ودعا السلطات إلى الخروج من صمتها والقيام بواجبها في حماية دين الله من عبث العابثين. فاعتقل بدوره على كبر سنه وأخلي سبيله فيما بعد. عدنا إلى منازلنا آمنين، وفي مساء نفس اليوم شرعت قوات الأمن بكل أشكالها -قوات التدخل السريع، القوات المساعدة، البوليس السري وأجهزة المخابرات والشرطة، ورجال المطافئ..- في محاصرة حي القدس بمدينة وجدة، تلاه حصار خاص لبعض المساكن التي كانت مراقبة وعلموا أن قاطنيها من طلبة العدل والإحسان. ومن لطف الأقدار أنهم لم يتعرفوا على كل المنازل التي يقطنها الإخوة الطلبة، فضلا على أن معظمهم غادروا الجامعة، وعادوا إلى ذويهم لقضاء عطلة عيد المسيرة الخضراء، وإلا لاعتقلت السلطات العشرات منهم بسبب انتمائهم ونشاطهم في صفوف العدل والإحسان. داهمت قوات الأمن هذه المنازل المعروفة بعد أن انتظمت على شكل مجموعات صغيرة مدججة بالهراوات. اقتحمتها بشكل مفاجئ وبكل وحشية بعد أن كسرت أبوابها على الطريقة التي تنفذ بها سلطات الاحتلال هجوماتها ومداهماتها للبيوت الفلسطينية. كانوا يصرخون بأعلى صوت صراخا لا يشبه صوت بشر لو توالى دون توقف لأثقب طبلة الأذن، ويضربون بالعصي كل ما يجدونه أمامهم لبث الفزع، وإثارة الذعر في نفوسنا، وما أن يلقوا القبض على أحد الإخوة حتى يشبعوه ضربا بالعصي في جميع أنحاء الجسد مستخدمين جميع الوسائل التي أتيحت لهم من ركل وصفع... لقد تعرضنا لممارسات وحشية، وعوملنا كأننا حيوانات ضارة. فالعنف المخزني ليس له مقدمات إذ يبدأ منذ اللحظة الأولى للانقضاض على المعتقل. وهكذا اختطفوا أحد الإخوة من داخل فراشه بعد أن أيقظوه من النوم بطريقتهم الخاصة، واقتحم باب المرحاض على آخر واختطف دون السماح له بقضاء حاجته، وآخر انقضوا عليه داخل المطبخ. بينما وجدوني في بيت رفقة طفل لا يتجاوز عمره أربع سنوات، وعمره الآن ثمانية عشر عاما، وهو أحد جيراننا، كان يحب الإخوة ألفهم ويجد فيهم مبتغاه. يغادر أمه ولا يجد راحته إلا بين أيديهم. كنت أعلمه الكتابة حين فاجأني ثلاثة من الجلادين مشهرين في وجهي عصيهم. التفوا حولي وبسرعة فائقة وفي لحظات لم أتمكن خلالها من التقاط أنفاسي كانوا قد أسقطوني أرضا، وأوثقوا يدي بالأصفاد، وشرعوا في ركلي وضربي بعصي غليظة تقتحم جسدي بلا رحمة ولا شفقة، ومع كل ضربة وصفعة كانت تطرق أذني شتيمة جديدة ووصف الله تعالى جل شأنه بألفاظ تتزلزل لها السموات السبع والأرضون. أما الطفل المسكين فقد تابع المشهد وظل مذعورا. تغيرت ملامح وجهه وبدت عليه علامات السخط. اصطف زبانية المخزن على يمين وشمال ممر المنزل المؤدي إلى الباب، فكان كل من يمر بين أيديهم يسومونه سوء العذاب إلى أن ألقي بي في أرضية سيارة الشرطة بكل إهانة والتي وجدت فيها بعض الإخوة في حالة مأساوية: ملابسهم ممزقة وملطخة بالدماء من جراء الضرب العشوائي الذي لا يفرق بين أعضاء الجسد، وكأن وحوشا كاسرة قد افترستهم. وبعد مداهمة العديد من المنازل، واعتقال من وجد فيها ظل بداخلها مجموعة من رجال البوليس يمارسون عمل العصابات الإجرامية حيث فتشوها وعبثوا بأمتعتنا، وسرقوا ممتلكاتنا، وكل ما وقعت عليه أيديهم من نقود أو كتب أو أشرطة أو ملابس جديدة... ممارسات تثير علامات استفهام كثيرة حول موقع القانون في دولة المخزن التي تتبجح بمناسبة وغير مناسبة باحترام حقوق الإنسان. - يتبع -المعتقل السياسي مصطفى حسيني أحد معتقلي العدل والإحسان الإثني عشر حرر بالزنزانة 5 بسجن فاس عن موقع الجماعة