السيد المحترم نائب رئيس جامعة محمد الخامس، السيد المحترم نائب رئيس المعهد العالم العربي، السيد المحترم عميد كلية الآداب، السادة الأساتذة الكرام، السيدات والسادة المحترمين، السلام عليكم جميعا. أحييكم تحية حارة صادقة نابعة من شعور عميق بالامتنان على هذا التشريف العظيم، قد يقول البعض عن حسن نيةدون بغض أو عداء إن المؤسستين العلميتين المشرفتين على هذا الحفل يُنتظر منهما الترفع والحياد، وها هما تكرمانرجلا معروفا بأفكار أقل ما يُقال عنها إنها خِلافية ولم تكن في وقت من الأوقات محل إجماع أو توافق. هل من حقهماالإقدام على هذه الخطوة. لقد درّست في هذه الكلية لمدة ثلاثة عقود ونصف، والطلبة الذين استمعوا إلى محاضراتي يعلمون كلهم أني كنتدائما حريصا على التمييز بين واجبي كموظف في خدمة الدولة والمجتمع، أي كأستاذ تاريخ، عاما كان أو خاصابالمغرب الكبير أو الأقصى، أهم عرض الأحداث أو تمحيصها أم توضيح مناهج البحث وتفصيلها، وبين عملي كمفكريتعاطى لِما سميّته النقد الإيديولوجي، كما يتعاطى غيري إلى نقد الشعر أو حل ألغاز الرياضيات. لم يحفظ عني قط، أني عرضت في قاعة درس أي مما جاء في الإيديولوجية العربية المعاصرة أو في سلسلة مفاهيم. هذه كتب نشرت في الخارج عُرضت ونوقشت فيه أكثر مما عرضت ونوقشت هنا في المغرب. أما الكتب التي كانت منصميم مهنتي كمؤرخ، أعني “مجمل تاريخ المغرب” و“دراسات تاريخية أصول الوطنية المغربية” إلى آخره، فهذهعكس الأخرى لقيت استحسانا من طرف الأغلبية الكبرى من القراء، وإن هي نوقشت، فكان ذلك على أساس علميعادي بين الزملاء المهتمين بالموضوع. الواقع إذن، أن الكرسي الذي نحتفل اليوم بتدشينه في رحاب كلية الآداب بمشاركة المعهد العربي في باريس، هوبالأساس مجال للتباحث والتدارس لمناقشة مفاهيم وإشكالات ارتبطت باسمي في السنوات الأخيرة. فضاء يوفرالمراجع والوثائق والمستندات التي تساعد على تحديد وتوضيح وتقييم تحليلات ونظريات تقدمتُ بها في ظروفهاوحدودها. تحليلات وإشكاليات واجتهادات ترتبط بالتاريخ بالتطور والجمود بالتقدم والتخلف بالاستمراريةوالقطيعة، بالعقلانية واللاعقلانية، بالاستقلال والتبعية، باللغة واللهجة، بالدولة والفوضى بالثقافة والفلكلور إلى آخره. لماذا اخترت هذه المفاهيم بالذات؟ هل انفردت بطرحها أم سبق إلى طرحها غيري في السياق ذاته ومن الزاوية ذاتهاأم من منظور مختلف. مفاهيم مرتبطة بمشكلات معينة، هل مازالت تلك المشكلات قائمة أم أصبحت متجاوزة؟ إنكانت لاتزال قائمة هل يجب تمحيصها مجددا في إطار تظافر وتكامل اختصاصات شتى من تاريخ واقتصادواجتماع ولغة، فيجب حينئذ إعادة تعريف المفاهيم وتجديد الأساليب البيانية. أما إن كانت هذه الاقتراحات متجاوزة،فبأي معنى يكون التجاوز، هل بمعنى أن المشكلات المتناولة وجدت طريقها إلى الحل، أم أنها فقدت راهنيتها فيالمحيط الحالي. وهنا أقف عند ثلاثة أمثلة: أولا، قد يقال والكلام موجه إليّ كمؤلف أطلتَ الكلام عن الدولة الوطنية والدولة القومية، كل أطروحاتكَ عن التاريخانيةالتخلف، القطيعة الإصلاح ترتكز على هذا المفهوم وعليه وحده، لكن اليوم، في المجتمع الحالي، ماذا تعني الدولةالوطنية؟ ونحن نراها في كل بقاع الدنيا إما تتفكك، وإما تُسلب من كل فاعلية ونفوذ. كل أزمات الأرض تختزل فيانحلال الدولة القومية. الانتماء اليوم، هو للعرق للمذهب للقبيلة، لا للدولة كما تمثلت في فرنسا الثورية، يبدو وكأنالمستقبل هو على الأرجح للسلطة القبلية أو للفدراليات الهشة. وقد يقال لي ثانيا، لقد أثنيتَ في مناسبات عدة على ابن خلدون، (وأتمنى أن تكون روح ابن خلدون معنا في هذهالقاعة)، لأنه أولى أهمية كبرى لما سمّاه عملية التدوين أي نقل ثقافة شفوية إلى ثقافة مكتوبة، فشيد صرح علمالعمران على هذه النقطة، وذهبتَ إلى القول إن تأخرنا يعود إلى أننا وقفنا عند هذا الحد، ظنا منا أن لا ثورة بعد ثورةالتدوين، فلم ننتبه إلى ما حصل في أوروبا أواسط القرن الخامس عشر باختراع الطّباعة التي كانت بمثابة ثورةتدوينية ثانية، بل ذهبتَ إلى أبعد من هذا، حيث فسرت نجاح الأسيويين بأنهم كانوا مهيئين للثورة التحديثيةباختراعهم قبل الأوروبيين لنوع ما من الطباعة، آلة النسخ. هذه النقطة نتركها بين أيدي المؤرخين ليفصلوا فيها إنأمكن ذلك. لكن حتى لو صحت أي أهمية لها في عالم اليوم، حيث تعود بقوة الثقافة الشفوية، وحيث يمر الكتاب بأزمة خانقة. قدتكون الثورة المعلوماتية والرقمية لاحقة تابعة زمنيا لثورة الطباعة، لكنها جاءت معاكسة لها وقضت على الكثير مننتائجها، فاختفى بذلك العديد من العراقيل والعوائق التي أطلت فيها الكلام. ربما، نواجه اليوم مشكلات أكبر وأعوصمن مشكلات الأمس، لكنها غير التي شغلت بالك سنين طويلة وجاهدت لتصور حلول لها. وقد يقال لي ثالثا، أثنيت على ابن خلدون في مقام آخر يتعلق بالجانب الواقعي البرغماتي من فكره مقارنة بما سميتهطوبى الفقهاء والمتصوفة، لكن في عالم اليوم، ماذا يعني الواقع؟ الواقع في المتعارف حتى الآن، هو المحسوس، مايُرى ما يُسمع ما يُلمس، فإذا بنا ترى ونسمع ما نعلم غير موجود ماديا. لا نتوفر إلى حد الساعة على حاسة تمكننامن التمييز التلقائي بين المعقول والموهوم، بل في حالات كثيرة أصبحنا نفضل الوهم ونتعلق به. إذن، أي فائدةللواقعية التي مافتئت تدعونا إليها في الفكر وفي السلوك وفي الإبداع. أوردت كل هذه الاعتراضات وكلها وجيهة لا دحضها على الفور، ليس هنا مقال سِجال ومناظرة، أوردتها كمثال علىما يمكن أن يطرح للنقاش في نطاق الكرسي الذي نحتفل بتدشينه اليوم. أذكر من بين هذه المسائل ثلاثة، أولا، نلاحظ بالفعل أن الدولة القومية لم تعد مقنعة، والدولة الوطنية لم تعد مُجزية،فنطرح السؤال المقلق. ما البديل؟ أهو اللا دولة؟ أهو الدولة الأممية التي تخيلها فلاسفة القرن الثامن عشر الأوروبي. ثانيا، نلاحظ بالفعل أن الأميّة الرقمية قد تكون أسوأ من الأمية الحرفية، لكن ما الفرق. ما العلاقة بين الحالتين، هلمحو الأولى، أي الأمية الرقمية يُعفي من محو الثانية، أم بالعكس محو الثانية هو شرط لمحو الأولى. الجواب ليسسهلا ولا بينا ولا يكفي فيه استشارة متخصص بعينه. ثالثا، هذا الواقع الافتراضي الذي يغشانا اليوم، ويذهلنا، هل هو من نتائج العلم العقلاني التجريبي، أم هو من عملسحرة موسى. المتوهمُ، هل هو فعلا غير المعقول، بمعنى آخر، هل المجتمع غير الحداثي يستطيع أن يتصور واقعا افتراضيا. المجتمع غير الحداثي أنشأَ في الماضي وتلقائيا قصص السحر والمغامرات رسم عوالم الغرائب والعجائب، لكنه تحتظل الحداثة لم يبدع قصص الخيال العلمي. لا خلاف إذن في أن إشكالات اليوم ليست هي إشكالات القرن الماضيوهذه النقطة هي التي يجب أن تُناقش بجد ومن عدة أوجه. لكن لا خلاف، أيضا، أن هذه الإشكالات الجديدة التيتواجهنا اليوم تولدت في إطار معروف، هو إطار الدولة الوطنية والإنتاج الصناعي والعقلانية الواقعية. فلا يتصور أنتُفهم أن تُدرس أو تعالج في إطار عتيق، إطار اللادولة، إطار العمران البدوي، إطار العلوم الغيبية، بعبارة ابن خلدون. كل إشكال يُطرح في نطاق أين؟ ومتى؟ هذا ما حاولت توضيحه في كتاب: “بين الفلسفة والتاريخ“، حررته بالفرنسيةوقام بتعريبه مشكورا الأستاذ عبدالسلام بنعبدالعلي. مارست الترجمة وأعرف مكامنها ومزالقها، يحرص المترجم ألايقحم ذاته فيما يُترجم، وأن يظل وفيا قدر المستطاع لأسلوب المؤلف في نقل المعنى كما جاء في النص، لكن أنا عندماأقوم بترجمة نص كتبته أشعر بما لا يشعر به غيري. إذ أستعيد في الغالب الفكرة التي أردت التعبير عنها بالفرنسية،ثم أحاول أن أعبر عنها هذه المرة بالعربية، فأرى بوضوح أن العبارتين تختلفان. أعطي على ذلك مثالا واحدا، وهو لفظ érudition في أحد مقاطع الكتاب المشار إليه تكلمت على طلبة المشرقالوافدين على باريس لدراسة الفلسفة، وقلت إنهم عندما يصلون إلى صف الدكتوراه لا يجدون منفذا سوى القيامبأعمال تسمى travaux d'érudition . كيف نعرب هذا النعت؟ القاموس العادي يعطينا متبحر، مدقق، محقق،عالم. لكن المعنى الذي أومأت إليه يشير إلى الاهتمام بجوانب هامشية من مسألة ما. وذكرت على سبيل المثال دراسةعن سبينوزا والإسلام، وهي دراسة طويلة نسبيا أخذت من الباحث وقتا غير قصير. وفي النهاية تُحدثنا لا عمّا كتبالفيلسوف فعلا، عن الموضوع، بل عما لم يكتب علما أنه كان يعرف حق المعرفة موسى بن ميمون الناشئ في الأندلسالإسلامي. تمدنا الدراسة بمعلومات صحيحة موثقة، لكن فائدتها هزيلة، وربما، منعدمة. أي لفظ عربي يؤدي إلىهذا الإيحاء. ننتقل إذن، إلى اللسان العربي الأقرب إلى ما نعني بلفظ érudit في الاتجاه الذي ذكرت. هو لفظعالم. من هو العالم في الثقافة العربية القديمة؟ وهنا أيضاً قاموس الاشتقاق لا يفيد، بدليل أن المترجم إلى لغةأوروبية يواجه الصعوبة ذاتها التي واجهتنا فيترك الكلمة على حالها ويقول:un alim des olama .لا بد إذن، منالغوص في التاريخ الثقافي الإسلامي والبحث عن نشأة المصطلح، “مصطلح عالم“. من هو العالم قديما؟ لا يسمىعالماً كل من له اطلاع واسع في ميادين شتى. نندهش عندما نكتشف أن كثيراً من العلماء لا يعترفون بعلم الغزاليلأنه لم يكن يُتقن علم الحديث باعترافه هو، وكذلك ابن خلدون لم يعتبر في الشرق أبدا على أنه عالم، مقارنة بابن حجر_ مثلاً _ العالم في الاستعمال القديم يُدقق، أيضاً، في جزئيات، لكن لأغراض فقهية مضبوطة، ليس هنا محلتفصيلها. إذاً حسب تطور المصطلح في الحالين لفظ عالم هو الأقرب إلى مؤدى لفظérudit ، رغم هذا التقارب منالواضح أنه لا يمكن أن نعرب هذا بذاك بسبب غياب الجانب السلبي التحقيري الموجود في حالérudit والغائب فيحال عالم. وما نقول عن هذا اللفظ البسيط نستطيع أن نقوله على مفردات أخرى أكبر أهمية مثلraison . هل تُقابلفعلا لفظ عقل المسجلة في القاموس؟ كذلك tradition. هل تقابل فعلا كلمة تقليد؟ وفي اللسان العربي، هل كلمةعمران تقابل فعلاً culture أو civilisation ؟ علماً أن كلتا الكلمتين لا تؤدي المعنى ذاته في الفرنسية والألمانية. ما هي الغاية من هذه الملاحظات؟ أسوق في هذا الصدد ما كتبته في بين الفلسفة والتاريخ في ترجمة السيدبنعبدالعالي. ليس مشكل نقل لغة إلى أخرى حديث العهد عندنا، لقد وصلت الفلسفة الإغريقية إلى المسلمين فيصورة مشوهة، ونادراً ما كانت الترجمات الأولى المعِيبة تُصحح فيما بعد. من غير المستبعد إذاً أن نجد أنفسنا بعدقرن أو اثنين في الوضع نفسه، فأولئك الذين هم منا أكثر اطلاعاً على الفلسفة الغربية، هم في الوقت ذاته أقلنا تأهيلاًلنقلها إلينا. خطأنا الكبير في الماضي وفي الحاضر، وما يدعوني إلى بعض التشاؤم، هو أننا نظن أن النقل يتم مرةواحدة، في حين أن الترجمة لكي تكون مثمرة، عملية مستمرة، لا يمر عقد في الغرب دون أن تصدر ترجمة جديدةلأرسطو أو لغيره من كبار المفكرين القدماء، بل تُشيد فلسفات جديدة على إثر إعادة ترجمة مفردة أو مجموعة منالمفردات، كحال مارتن هايدغر ولفظ “أَلِتيّا” اليوناني، أو حال ميشيل فوكو ولفظ “إبيستما“. طبعاً، نتكلم هنا علىألفاظ المعاني، لا على أسماء الأشياء العينية: “الفرس، الجمل، الكتاب.. إلخ“. هنا تتبادل الألفاظ كما تترجم. لكن التفكير هو انفصال تعال عن الأعيان وتعامل مع المعمم، المبهم، المتشابه، المُشترِك: “رب، دين ، أمة، وطن، دولة،مروءة، حرية، دهر.. إلخ“. نقل مثل هذه المفردات الدّالة على مفاهيم مجردة مرتبطة بتطور حضاري خاص بكل ثقافة،المرتبط بدوره بتطور مجتمعي معين، يقتضي دائماً قدراً من التأويل _ قبل الترجمة هناك تأويل للمعنى _ هذا أمراكتشف من زمن قديم لما أراد الرومان ترجمة الفكر اليوناني وجدوا صعوبة كبرى اللغة اللاتينية لم توافق بالضرورةوبمعنى حاسم المفاهيم التي تعبر عنها الألفاظ اليونانية. هذا أمر اكتشف من زمن قديم جربته في اتجاه عندما نقلتمونتسيكيو وروسو من الفرنسية إلى العربية. وجربته في الاتجاه المعاكس عندما نقلت ابن خلدون من العربية إلىالفرنسية. لنتأمل آفة الترجمة الخاطئة أو المرتبِكة في حالين: الأول، مفهوم Laicite، الذي عُرّب في البداية بلفظ لادينيةلأسباب ظرفية شرحتها بإسهاب في محاضرة ألقيتها في كلية الآداب بجامعة مكناس، ماذا كان يحصل لو كانالمعرب _ آنذاك _ على اطلاع بتاريخ المفهوم في أوروبا المسيحية أو لو انطلق من الإنجليزية عوض الفرنسية وعربلفظ secular بدنيوي. هذا هو المعني. أما كان المفهوم _ حينئذ – ينفصل عن اللا دين ويتخذ النقاش حول المسألةمساراً آخر؟ الثاني لفظ “دارجة“، الذي يعني في استخدام البعض اللغة الوطنية المغربية. اللفظ معرب منالفرنسيةcourant “دارج“، والذي كان جارياً عند المترجمين الفرنسيين منذ احتلال الجزائر، حيث كانوا يميزون بينالعربية المكتوبة “لغة المتعلمين” وبين “لغة الأمين“. ماذا كان يحصل لو فعل هؤلاء المترجمين كأهل المشرق أو كقدماءالنحات وقالوا “لغة عامية” أو “لغة العوام“. أما كان النقاش _ هنا أيضاً _ يأخذ منحى آخر أكثر فائدة وجدية. ولو اجتهد من يتكلم في هذا الموضوع الحساس وبحث عن أصل التباعد بين المكتوب والملفوظ، ليس في العربيةوحسب، بل في معظم لغات الأرض لاتضح له أنه وُجد في الماضي، ويوجد حالياً وسيوجد مستقبلا فرق يضيق أويتفاقم بين المكتوب المدون المرسّم وبين المنطوق الحر المتشعب، والذي إذا دُوّن ورُسّم لا يلبث أن يتجزأ بدوره إلىمكتوب وملفوظ. لكل واحد من الاثنين مقامه ومجاله وهذا ما يعرفه جيدا المتحدثون بالإنجليزية، يقبلونه ويتعايشونمعه في أماكن مختلفة من الدنيا ويتعامى عنه غيرهم لأسباب عارضة خاصة بهم. أقول ما أقول لا لإثبات أن كل شيء على ما يرام في نظامنا التربوي والثقافي، بالعكس كنت دائما ولا أزال أدعو إلىإصلاح شامل في هذا المجال، خاصة اللغوي، ولكن هذا لا يمنعني من التنبيه من أن النقاش قد حاد عن الطريقالسوي لأنه انطلق من سوء تأويل لمفهوم عبر ترجمة غير دقيقة. كل ترجمة تأويل ولا أحد يملك من البدء التأويلالصحيح قطعاً لنتيه في سجال عقيم لا حد له لا بد حينئذ من العودة إلى الأصل وإعادة النظر في الترجمة باعتمادتأويل جديد. بما أن الترجمة تأويل فردي أو جماعي فلا مفر من أن تكون عملية متواصلة متجددة التفكير والتأمل والتمعن، هوبالأساس تأويل، وانتقال من مجال معنوي إلى مجال آخر أعلى أو أسفل أعم أو أخص أشمل أو أدق. وبما أنالتفكير تأويل، فهو إذاً ترجمة حتى في نطاق اللغة الواحدة إذ لا توجد أداة لغوية لا يوجد فيها القديم والدخيل والمشتقوالمستعار الجامد والمتحرك. لا ننفك نترجم عندما نناجي أنفسنا ونحاور غيرنا، ولا ننفك نترجم بشكل أوضح وأدوم،عندما نتأمل نتمعن، نفكر. لا تفكير جدي وعميق دون تأويل ودون ترجمة. لذا، أحب أن أختم كلمتي هذه باقتراح: لقد أعطينا اسماً لكرسي يُلحق ببرنامج كلية الآداب، يا حبذا لو أعطينا فيالوقت ذاته للاسم مسمى وهو: “كرسي للترجمة والتأويل“.