يصح إطلاق عبارة “الحاجة أم التحالف” على الاتفاق التاريخي بين الإخوة الأعداء اليساريين في الجارة الشمالية، إذ أن ما كان مستحيلا إلى حدود زوال الأحد الماضي، أصبح حقيقة في ظرف أقل من 10 ساعات من التفاوض المباشر بين رئيس الحكومة المؤقت وزعيم الحزب الاشتراكي، بيدرو سانتشيز، وزعيم تحالف “موحدون نستطيع”، بابلو إغليسياس. الاتفاق تم بمباركة من بعض الأحزاب والتشكيلة الوطنية (ماس باييس) والجهوية (الحزب الباسكي) وذات النزعة القومية في بعض الجهات. هذا التحالف الذي كان واجبا ومطلبا شعبيا بعد إعلان نتائج الانتخابات الأولى، يوم 28 أبريل الماضي، لم يكتب له النجاح في يوليوز وشتنبر الماضيين. لكن الشعب الإسباني عاد ليؤكد في الانتخابات المعادة، يوم الأحد الماضي، أن زمن الثنائية الحزبية قد ولى، وأن التحالف بين الرفاق لم يعد واجبا بل حاجة وضرورة لإخراج إسبانيا من البلوكاج الحكومي والمأزق السياسي الذي دخلت فيه في ظل المتغيرات والاضطرابات الداخلية، والتهديد بانفصال كتالونيا، والإقليمية التي تعيش على إيقاعها أوروبا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط والساحل، وعلى رأسها تحديات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكسيت). الاتفاق الذي لقي استحسان الشركاء الرئيسيين لإسبانيا في أوروبا وخارجها، من بينهم المغرب، في ظل تصاعد نجم اليمين المتطرف، حزب فوكس المعادي للمغرب والمغاربة”، يقول: “الحزب الاشتراكي وموحدون نستطيع توصلنا إلى اتفاق أولي من أجل تشكيل حكومة تقدمية تحالفية تجعل من إسبانيا مرجعا في حماية الحقوق الاجتماعية في أوروبا، كما قرر ذلك المواطنون في صناديق الاقتراع”. ويرتكز الاتفاق الذي تتوفر “أخبار اليوم” على نسخة منه على 10 محاور: أولا، ترسيخ النمو وخلق مناصب الشغل؛ ثانيا، العمل على التجديد ومحاربة الفساد؛ ثالثا، محاربة تغير المناخ؛ رابعا، تقوية المقاولات الصغرى والمتوسطة والمستقلين؛ خامسا، المصادقة على حقوق جديدة تعمق الاعتراف بكرامة الأشخاص؛ سادسا، تأمين الثقافة كحق؛ سابعا، نهج سياسية نسائية لضمان امن واستقلالية وحرية النساء؛ ثامنا، معالجة ملف زحف السكان، أي دعم إسبانيا الخالية؛ تاسعا، ضمان التعايش في كتالونيا؛ عاشرا، العدالة الضريبية والتوازن في الميزانية. وفي دردشة مع “أخبار اليوم”، أوضح الخبير المغربي المهتم بالشأن الإسباني والمقرب من الحزب الاشتراكي الإسباني، عبد الحميد البجوقي، أن الانتخابات التشريعية الأخيرة أفرزت مشهدا لا يختلف عن سابقه من حيث التشتت والانقسام، ولو أنها انتهت بسرعة إلى الوصول لاتفاق بين الحزب الاشتراكي الفائز وتحالف حزب بوديموس واليسار الموحد للإسراع بتشكيل حكومة ائتلافية بدعم لائحة من الأحزاب الجهوية من كاطالونيا وجهة الباسك وجزر الكنارياس وغيرها. وخلص إلى “أن يأتي (الاتفاق) متأخرا أفضل من ألا يأتي”، كما يقول مثل إسباني. ومن المتوقع أن يشكل وزراء الحزب الاشتراكي حجر الزاوية في الحكومة الجديدة، فيما قد يحصل تحالف “موحدون نستطيع” على منصب نائب رئيس الحكومة الذي قد يشغله بابلو إغليسياس، علاوة على ثلاث وزارات. ورغم أن المغرب من مصلحته أن تتجاوز الجارة الشمالية البلوكاج الحكومي الأخير، إلا أن حضور حزب “نستطيع” في الحكومة الجديدة قد يشوش بطريقة أو بأخرى على العلاقات الثنائية بين البلدين، نظرا إلى موقف “بوديموس” المنحاز إلى أطروحة جبهة البوليساريو في قضية الصحراء، إلى جانب تبنيه المطالب المشروعة لحراك الريف، علاوة على دعمه لبعض القضايا الحقوقية في المغرب من بينها إيجاد حل للوضعية الأقرب لاستعباد للحمالين المغاربة في حدود سبتة ومليلية. وعن مستقبل الحكومة الجديدة مع دول الجوار من بينها المغرب، يرى البجوقي أن الحكومة الجديدة تواجه مؤشرات أزمة مالية جديدة قادمة، والوضع على مستوى الاتحاد الأوروبي بعد البريكسيت البريطاني، واستعادة دورها الفاعل في مؤسسات الاتحاد، خصوصا بعد انتخاب وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جوسيب بوريل وزيرا لخارجية الاتحاد الأوروبي ونائبا للرئيس مكلفا بالدفاع، ومن أهم التحديات علاقات الجوار الجنوبي، وبالخصوص علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري والأمني مع المغرب، والحفاظ على الاستقرار الذي ميزها خلال العقدين الأخيرين. يشار إلى أن الحزب الاشتراكي تصدر الانتخابات المعادة ب120 مقعدا بتراجع قدره 3 مقاعد، مقارنة مع المقاعد ال123 التي حصل عليها في 28 أبريل الماضي؛ فيما حل الحزب الشعبي في المرتبة الثانية ب88 مقعدا، بارتفاع قدره 22 مقعدا، مقارنة مع المقاعد ال66 التي حصل عليها في أبريل. لكن المفاجأة جسدها حزب “فوكس”، اليميني المتطرف، باحتلاله المرتبة الثالثة ب52 مقعدا، بارتفاع قدره 28 مقعدا مقارنة مع المقاعد ال24 التي نالها في أبريل الماضي؛ فيما انهار حزب “مواطنون” بعد حصوله على 10 مقاعد، بتراجع قدره 47 مقعدا مقارنة مع المقاعد ال57 التي حصل عليها في أبريل؛ في حين تراجع حزب تحالف “أونيداس بوديموس” إلى المرتبة الرابعة بعد حصوله على 35 مقعدا فقط، متراجعا ب7 مقاعد مقارنة مع المقاعد ال42 التي حازها في أبريل.