المشهد السياسي والحكومي في إسبانيا أصبح أكثر تعقيدا وتقلبا بعد النتائج النهائية للانتخابات التشريعية العامة المعادة، يوم أول أمس الأحد. لكن الخطير في كل هذا هو أن الفاشية في نسختها الجديدة أصبحت على مشارف الحدود المغربية، على إثر اكتساح فوكس، الحزب اليميني المتطرف المعادي للمغاربة والمغرب، الخريطة السياسية بمضاعفة أسهمه من المقاعد في أقل من ستة أشهر. وقد عاقب الناخبون الإسبان حزب «مواطنون»، بعدما خيَّب أفق انتظار أنصاره في التحالف مع الحزب الاشتراكي لتجاوز الانسداد السياسي الذي يُهيمن تقريبا على الحياة السياسية في الجارة الشمالية منذ 2016، كما عاقبوا، كذلك، تحالف «أنيداس بوديموس» بعدما ضيّع فرصة ثمينة تتمثل في رفضه عرضا مغريا منحه إياه الحزب الاشتراكي، في يوليوز الماضي، لتشكيل الحكومة؛ كما أن الحزب الاشتراكي خسر الرهان رغم تصدره النتائج، إذ في الوقت الذي كان يسعى فيه إلى الحصول على الأغلبية، تراجع بثلاثة مقاعد مقارنة بنتائج الانتخابات الأولى يوم 28 أبريل الماضي. في هذا الصدد، كشفت النتائج النهائية تقريبا تصدر الحزب الاشتراكي بقيادة بيدرو سانشيز، رئيس الحكومة المؤقت، الانتخابات المعادة ب120 مقعدا، بتراجع قدره 3 مقاعد، مقارنة بالمقاعد ال123 التي حصل عليها في 28 أبريل الماضي؛ فيما حل الحزب الشعبي في المرتبة الثانية ب88 مقعدا، بزيادة 22 مقعدا، مقارنة بالمقاعد ال66 التي حصل عليها في أبريل؛ لكن المفاجأة جسدها حزب «فوكس»، اليميني المتطرف، باحتلاله المرتبة الثالثة ب52 مقعدا، بزيادة 28 مقعدا مقارنة بالمقاعد ال24 التي نالها في أبريل الماضي؛ فيما انهار حزب «مواطنون» بعد حصوله على 10 مقاعد، بتراجع قدره 47 مقعدا مقارنة بالمقاعد ال57 التي حصل عليها في أبريل؛ في حين تراجع حزب تحالف «أونيداس بوديموس» إلى المرتبة الرابعة بعد حصوله 35 مقعدا فقط، متراجعا ب7 مقاعد مقارنة بالمقاعد ال42 التي حازها في أبريل. كما حصل حزب اليسار الجمهوري الكتالوني على 13 مقعدا، ما يجعله معادلة صعبة في أي حكومة يسارية تقدمية مقبلة في الجارة الشمالية؛ وحصل تحالف «جميعا من أجل كتالونيا» ذو النزعة الانفصالية على 8 مقاعد؛ أما تشكيلة «ماس باييس»، التي يترأسها إنييغو إيرخون، الرجل الثاني سابقا في «بوديموس»، فلم تحقق أهدافها التي تشكلت من أجلها في آخر لحظة، واكتفت ب3 مقاعد لا تغني ولا تسمن من جوع. إغناسيو سيمبريرو، الصحافي المتخصص في الشأنين المغربي والإسباني، أوضح، في تصريح ل«أخبار اليوم»، أن «الانتخابات المعادة كانت كارثية. أولا، إسبانيا مازالت غير محكومة (دون حكومة فعلية)؛ ثانيا، اليمين المتطرف، المتمثل في حزب فوكس، أصبح يتوفر على أكثر من 50 مقعدا، إذ إن حضوره في مجلس النواب سيقيد كل السياسة الإسبانية». وبخصوص التأثيرات المحتملة لهذه النتائج على العلاقات الثنائية بين البلدين، لاسيما صعود فوكس، يبين سيمبريرو قائلا: «الأمر مرتبط بمن سيحكم، لكن اليوم ليس من المستبعد أن نذهب إلى الانتخابات للمرة الثالثة»، أما فوكس «فلن يحكم، لكن سيؤثر في السياسة الإسبانية. إنه حزب يكره الأجانب». مصدر آخر مطلع على المشهد السياسي الإسباني أكد للجريدة أن نتائج انتخابات أول أمس «تمس المغرب والمغاربة بطريقة أو بأخرى»، مبرزا أن اكتساح فوكس الدائرة الانتخابية في مدينة سبتةالمحتلة، وحصوله على المقعد الوحيد هناك و11.7 مليون صوت، متفوقا على الحزبين العريقين، الاشتراكي والشعبي، يعني أن «الفاشية» أصبحت على الحدود المغربية. وتابع المصدر ذاته أن الجنوب الإسباني، الذي يعيش عدد كبير من الجالية المغربية فيه، حصل فوكس في كل مدينة فيه على مقعد أو اثنين، بل حصل، مثلا، في مورسيا، حيث يقيم آلاف المغاربة، على 3 مقاعد بالتساوي مع الحزبين الاشتراكي والشعبي. وبعد تأكد حصوله على الرتبة الأولى، احتفى بيدرو سانشيز أمام أنصاره بالفوز، داعيا «كل الأحزاب» إلى التعامل مع النتائج ب«مسؤولية وبرويّة» من أجل تجاوز الانسداد السياسي، وطمأن الشعب الإسباني قائلا: «هذه المرة، نعم نعم، سنشكل حكومة تقدمية». من جهته، احتفى سانتياغو آبسكال، رئيس حزب فوكس، أمام أنصاره بالنتائج التي حققها قائلا: «قبل 11 شهرا، قبل فترة قصيرة جدا، لم تكن لنا تمثيلية في البرلمان، واليوم تمكنا من أن نكون الحزب الأكثر مضاعفة للأصوات والمقاعد». في سياق متصل، أجمعت الصحافة الإسبانية بمختلف أطيافها على أن انتخابات يوم أمس لم تكن جزءا من الحل، بل هي جزء من المشكل، لأنها زادت المشهد السياسي ضبابية، والبلوكاج الحكومي تعقيدا. هذا المأزق السياسي والحكومي الإسباني لخصته عناوين كبيرات الصحف بالخط العريض قائلة: «الحزب اشتراكي خسر ثلاثة مقاعد. الحزبان الشعبي وفوكس صعدا. بوديموس ضعف، وحزب مواطنون انهار»، وفق «إلباييس»؛ و«فوكس يضرب بقوة، والاشتراكيون دون أغلبية، الحزب الشعبي ينمو، ومواطنون يغرق»، تعلق «إلموندو»؛ و«فاز الحزب الاشتراكي، لكنه خسر الدعم، وسيكون من الصعب عليه تشكيل الحكومة»، ترى «آ ب س»؛ «الاشتراكيون فازوا، وصمدوا، فوكس تضاعف، والحزب الشعبي ينمو، ومواطنون يغرق»، تورد «لاراثون». يظهر من النتائج النهائية لانتخابات أول أمس وردود الفعل أن الحكومة الإسبانية الاشتراكية، التي تحولت إلى محام مدافع عن المصالح المغربية بشراسة في منذ يونيو 2018 داخل الاتحاد الأوروبي، توجد في مأزق حقيقي، كما أن الحزبين التقليديين، الاشتراكي والشعبي، اللذين تجمعهما علاقات تاريخية بالمغرب يعانيان. لكن فوز «فوكس» في سبتة يحتاج إلى المزيد من التحليلات والدراسات..