تجني الدبلوماسية المغربية ثمار البذور التي تزرعها في أمريكا اللاتينية منذ الزيارة السياحية الدبلوماسية التي قام بها الملك محمد السادس، في أبريل 2017، إلى كوبا، أكبر وأعرق معاقل جبهة البوليساريو في العقود الأخيرة. فقد استطاع المغرب منذ 2017 تليين مواقف كوبا من ذلك الخصم الشرس مرورا بالانحياز الإيجابي لصالح البوليساريو إلى الانحياز السلبي. هذا ما اتضح بشكل جلي خلال مداخلة الرئيس الكوبي، ميغيل دياث كانيل، خلال القمة الثامنة عشرة لحركة عدم الانحياز التي انعقدت يوم 24 أكتوبر المنصرم في باكو عاصمة أذربيجان. على عكس السنوات الماضية التي كانت فيها كل مداخلات الرئيس الكوبي، السابق والحالي، تدافع عن أطروحة جبهة البوليساريو في قمة دول عدم الانحياز؛ أثار اهتمام المتتبعين للدبلوماسية الكوبية، تجنب الرئيس الكوبي في مداخلته الأخيرة ذكر قضية نزاع الصحراء، وكأنها غير موجودة. هذا الموقف قد يفهم منه أن الدبلوماسية الكوبية أصبحت أقل إيديولوجية وأكثر إدراكا لأهمية تطوير علاقتها الدبلوماسية والاقتصادية بالمغرب. كارلوس كابريرا بيريز، أحد الصحافيين الكوبيين البارزين المتخصصين في الشأن الدولي والذي سبق واشتغل في منابر إعلامية مقربة من النظام الكوبي وفي وكالات أنباء دولية، قال إن عدم إشارة الرئيس الكوبي خلال مداخلته الأخيرة في قمة عدم الانحياز “يدل على أن كوبا تريد حماية علاقتها مع المغرب، حيث فتحت سفارة لها مؤخرا”. وأعزى المصدر ذاته هذا التغيير الواضح في موقف كوبا إلى الحاجة “إلى التوفر على شريك بديل في المنطقة في ظل اللاستقرار في الجزائر”، وفق الصحيفة الكوبية “سيبير كوبا”. وذكر المصدر ذاته أن “الشريك الأكبر لكوبا في المغرب الكبير منذ اندلاع حرب الرمال هو الجزائر، الداعم الرئيسي إلى البوليساريو، لكن كوبا والمغرب أعادا العلاقات الدبلوماسية بينهما في ربيع 2017، كما قام الملك محمد السادس بتعيين بوغالب العطار سفيرا له في كوبا”. وأشار كذلك إلى أن السفير المغربي ليس من موظفي الخارجية، بل يساري اشتراكي يتحدث اللغة الاسبانية؛ أي أن المغرب أصبح كذلك يدرك أهمية العامل الإيديولوجي في التعامل مع بعض الدول الأمريكية اللاتينية ذات التوجه الاشتراكي. من جهتها قامت السلطات الكوبية في البداية بتعيين سفيرها في باريس، سفيرا غير مقيم بالمغرب، قبل أن تقرر حديثا فتح سفارة لها بالمغرب وتعيين خافيير دوموكوسً رويث سفيرا بها. اليورادوارد رودريغيز بيردومو، السفير الكوبي حاليا في باريس والمعين مؤقتا سفيرا غير مقيم بالرباط، أكد يوم 9 أكتوبر المنصرم، خلال إعلانه قرب فتح سفارة بلده في المغرب، قائلا: “(قرب وصول السفير الجديد إلى الرباط) خطوة مهمة من أجل تطوير الروابط الثنائية”. من جهة أخرى، كشفت مصادر مطلعة على الشأن المغربي الكوبي وجود تحركات بين البلدين من أجل تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، لاسيما تشجيع بعض رجال الأعمال المغاربة بالاستثمار في هذا البلد الأمريكي لاتيني، وترى المصادر ذاتها أن الدبلوماسية المغربية حققت في السنتين الأخيرتين في الساحة الكوبية ما عجزت عن تحقيقه منذ 37 عاما.