هناك قناعة لدى العديد من المتتبعين والراصدين، مفادها أن المرحلة التي دخلتها الحياة السياسية بالمغرب، بعد إفشال مهمة الأستاذ عبدالإله بنكيران في تشكيل حكومة ما بعد انتخابات 2016، لها دفتر تحملات، تحدد سرعة وقوة تفاعل الديناميات المتصارعة، وتيرة تنزيل مقتضياته. أحد هذه المقتضيات تتعلق في مستوى من مسويات الصراع السياسي، بإضعاف حزب العدالة والتنمية، عبر تجريده من عناصر قوته، سواء أكانت أفرادا أو أفكارا ومواقف وخطابا سياسيا. لذلك، تابع الجميع كيف تم إنجاح «البلوكاج» والوصول به إلى جعل إعفاء الأستاذ بنكيران، المخرج الوحيد للحيلولة دون بلوغ الأزمة إلى مستوى يهدد الاستقرار المؤسساتي، وبالتالي، إبعاده عن رئاسة الحكومة التي حوّلها إلى عنصر قوة لصالح حزب العدالة والتنمية. الخطوة الموالية من عملية الإضعاف، تجلت في فرض الأغلبية الحكومية على الحزب، بعد تعيين الدكتور سعد الدين العثماني خلفا للأستاذ بنكيران، حيث قبل الحزب في لحظة صدمة ما ظل يقاومه طيلة نصف سنة تقريبا، فبدا الحزب كما لو انه الحلقة الأضعف على الرغم من كونه الحزب الأول انتخابيا. لتصل عملية تجريد العدالة والتنمية من عناصر قوته، إلى خطوة إبعاد الأستاذ بنكيران من الأمانة العامة للحزب، بعدما تقاطعت في هذه الخطوة رغبات من خارج الحزب، مع قراءة للقوانين الداخلية انتصرت للجمود، وفجرت خلافات حادة داخل الحزب، بلغت المس بالثقة فيما بين قياداته، وفيما بينهم وبين عموم الأعضاء، بفعل ما كان يضخه الإعلام حول إعفاء بنكيران وتشكيل حكومة العثماني. بعد ذلك، اتجهت الأحداث صوب تفكيك التحالف السياسي القائم بين «العدالة والتنمية» و»التقدم والاشتراكية»، لعزل الحزب وإظهاره كطرف يتخلى عن حلفائه بسهولة من أجل البقاء في الحكومة، وهكذا تم إخراج الأمين العام لهذا الحزب اليساري من الحكومة، ثم تقليص حضوره فيها، إلى أن تطورت الأمور بإعلانه بداية أكتوبر 2019 الانسحاب الكلي من الأغلبية والاصطفاف في المعارضة. كانت هذه التطورات تجري بالموازاة مع محاولات محاصرة حزب الدكتور العثماني، داخل الأغلبية وداخل الحكومة كذلك، مع محاولات تفجير التناقضات في وجهه مع المجتمع، من خلال محاولة تحميله مسؤولية الممارسات الماسة بحقوق الإنسان، بالنظر لكونه يرأس الحكومة ويتولى تدبير حقيبة حقوق الإنسان، ومع الهيئات المدنية القريبة منه وخاصة حركة التوحيد والإصلاح، في قضايا الهوية، ومنها رفض الحركة للتضييق والتهميش الذي طال اللغة العربية في القانون الإطار للتربية والتكوين. وإذا سلّمنا بأن عملية إضعاف العدالة والتنمية، ماضية على قدم وساق، فإن التعديل الحكومي المعلن عنه يوم 9 أكتوبر 2019، لن يكون سوى خطوة إضافية في إطار هذه العملية، وإن بدا التعديل حاملا لرسائل وإشارات إيجابية في مجملها، ومنها تقليص عدد أعضاء الحكومة، وتعيين الكاتب الوطني لشبيبة العدالة والتنمية وزيرا على قطاع اجتماعي وازن، وتقليم أظافر رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، وتهميش حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خاصة أن الحزبين سوّقا عن نفسيهما أنهما محور الحكومة وأن لهما اليد الطولى فيها. لكن من زاوية أخرى تراعي ما استجد في المشهد السياسي من أحداث، من بينها استمرار المخاض داخل حزب الأصالة والمعاصرة، والاستقالة الغامضة لزعيمه السابق إلياس العماري من رئاسة مجلس جهة طنجة، وكذا تبرير حزب التقدم والاشتراكية لانسحابه من الحكومة، بمعطيات تتعلق بغياب مؤشرات النّفس الديمقراطي المطلوب، وبممارسات تقلل من الخلفية السياسية للحكومة، إلى جانب خرجات إعلامية لحزب الاستقلال، وتصاعد «الحراك» داخل حزب الاتحاد الاشتراكي، مع تواصل ترقب الإعلان عن لجنة النموذج التنموي الجديد، يدفع إلى طرح فرضية الشروع في إجراءات إعادة انتشار داخل الرقعة نفسها، وفي سياق العملية نفسها، المتعلقة بإضعاف حزب العدالة والتنمية، خاصة إذا ما تم الانتباه إلى أن التعديل أخرج الحزب من تدبير قطاعات مهمة، مع بقاء القطاعات الوازنة بعيدة عنه، بالإضافة إلى مغادرة أسماء محسوبة على قيادته التاريخية، من بينها الدكتور لحسن الداودي والأستاذ محمد يتيم والأستاذة بسيمة الحقاوي. كل هذه المعطيات، تفيد بأن هذا التعديل يمكن فعلا أن يخدم هدف إضعاف حزب العدالة والتنمية في أفق انتخابات 2021، والوصول به إليها منهكا، أو حزبا آخر غير الذي صوت عليه المغاربة خلال المحطات الانتخابية الماضية، إذا ما قرر التفاعل ببرودة وكأن شيئا لم يقع، أو إذا اختار ترويجها داخليا على أنها انتصارات وإنجازات، دون تقديم إجابات سياسية عن ما جرى، مع العلم أن الأمين العام للحزب ورئيس الحكومة، ظل ينفي وجود نية إجراء تعديل على الحكومة، قبل أن يحمل خطاب العرش التعليمات الملكية بذلك، وظل يصف عمل الحكومة والأغلبية بالمنسجم، قبل أن يكشف بلاغ انسحاب «التقدم والاشتراكية» من الحكومة، عكس ذلك تماما.