بالتزامن مع نقاش الحريات الفردية الذي طفا إلى واجهة الأحداث هذه الأيام، بعد إعلان بعض التيارات رغبتها في تقديم تعديلات حول القانون الجنائي بالبرلمان، كان آخرها الموقف الذي أعلن فيه عمر بلافريج، النائب البرلماني عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، اعتزامه تقديم تعديلات تحث على رفع التجريم عن الإجهاض، والعلاقات المثلية، والعلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، بادرت حركة التوحيد والإصلاح، وفي موقف استباقي، إلى فتح نقاش فكري وسياسي وقانوني حول الحريات، والكشف عن الموقف الشرعي منها. حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي للبيجيدي، تعتزم تنظيم ندوة علمية بحر الأسبوع الجاري في موضوع: “جدل الحريات الفردية في المجتمعات الإسلامية”، وهي عبارة عن قراءة في كتاب لأحد قيادييها الحسين الموس، الذي بادر بتأليف كتاب حول: “الحريات الفردية تأصيلا وتطبيقا”. مصدر مأذون من حركة التوحيد والإصلاح قال ل”أخبار اليوم”، إن هذه الندوة العلمية “ستكون مناسبة لفتح نقاش هادئ حول الحريات الفردية بعيدا عن التوظيف السياسي، وهو نقاش سينصب، أساسا، حول ما تعيشه الأمة الإسلامية من تدافع قوي بين دعاة الحفاظ على الهوية ومقوماتها، وبين الذين يتبنون الاستنساخ الكامل لمنظومة حقوق الإنسان كما يراها الإنسان الغربي، فالندوة محاولة لبحث ومناقشة الموضوع بأسلوب علمي رصين”. وتعليقا على هذا النقاش المنتظر، شدد إدريس الكنبوري، الباحث في الفكر الإسلامي وعلم الأديان، أن قضية الحريات الفردية يجب أن تكون موضوع حوار بين أصحاب الفكر والعلماء والمشرعين لا ورقة ضغط في الشارع عبر الاستقواء بالمنظمات الأجنبية. وقال الكنبوري إن قضية الحريات الفردية ليست قضية ملحة في المغرب، لأن هناك قضايا جوهرية ذات أولوية، كما أنها قضية تهم فئة صغيرة وليست قضية عامة، متهما الداعين إلى إقرارها بأنهم يريدون جر المغاربة إلى قضية تهم الأقلية عوض أن يلتحقوا هم بالمغاربة في قضايا تهم الجميع. وعلاقة بندوة التوحيد والإصلاح، التي ستناقش كتاب الحريات الفردية تأصيلا وتطبيقا، فإن هذا الأخير يلامس الحريات الفردية، “من زاوية التأصيل لريادة الشريعة الإسلامية في إقرار الحريات الفردية، حيث جعلت الحرية مناط التكليف والمسؤولية، مستدلا لذلك بنصوص من الكتاب والسنة، وكذلك ببعض القواعد الشرعية كقاعدة: الشارع متشوف للحرية”. كما يحاول المؤلف الجديد النظر “في بعض تطبيقات الحريات الفردية في قضايا الاعتقاد والعبادات، والتصرف في البدن وإشباع الغريزة الجنسية، وعلاقة ذلك بالمجتمع ومؤسساته التربوية”. وتروم التوحيد والإصلاح من ندوتها الأولى طرح تساؤلات حول قضايا تتعلق ب”كيف نوازن في مجتمع غالبية أفراده مسلمون بين حق الفرد بعد البلوغ في التصرف وفق قناعته في قضايا الاعتقاد والتصرف في الأمور الخاصة، وبين دور الدولة في حماية الدين ورعايته انطلاقا من أحكام الدستور؟”. كما سيخوض أعضاء الحركة في ندوتهم في موضوع آخر، يتعلق بما “إذا كان القانون الجنائي يعبر عن قيم المجتمع وهويته، فما هي حدود الخصوصية الهوياتية فيه، مع مقتضيات العولمة وأطروحات الحقوق الكونية؟ وهل تجريم بعض التصرفات الفردية في القانون الجنائي يروم تقييد الحريات الفردية أو الحفاظ النظام العام، وما ضوابط ذلك؟”. وتتساءل الندوة، أيضا، عن الكيفية التي “نوازن بها بين الحفاظ على الأسرة كقيمة مجتمعية، وبين إطلاق الحريات الفردية في العلاقات الرضائية خارج مؤسسة الزواج، وفي إباحة الإجهاض بإطلاق وعدم تجريمه؟”. ومن المنتظر أن يعرج نقاش الحركة، حسب القائمين عن الندوة، عن ما “ما هو دور المؤسسات التشريعية في ملاءمة القوانين مع الحقوق والحريات؟ وهل لها القول الفصل في كل ذلك، أم لا بد من إشراك العلماء والمؤسسات الدستورية الأخرى؟”. إلى ذلك كان مركز المقاصد للدراسات والبحوث التابع لحركة التوحيد والإصلاح، قد أصدر كتابا جديدا يقع في 220 صفحة حول موضوع “الحريات الفردية تأصيلا وتطبيقا”، من تأليف الحسين الموس، عضو المكتب التنفيذي، و نائب مدير مركز المقاصد للدراسات والبحوث وينطلق الكتاب من التأكيد على أنه قد “أسيء فهم موقف الإسلام من الحريات الفردية ووُجِّهتْ له الكثير من التهم” بسبب الحريات الفردية، قائلا: “مفكرون وفقهاء مسلمون يرفضون فكرة الحريات الفردية جملة وتفصيلا ويظنوها سببا مباشرا في انتشار الموبقات والمحرمات”. ويهدف الكتاب إلى بيان موقع الحريات الفردية في النسق الإسلامي العام وعلاقة ذلك بقيم المجتمع الإسلامي وآدابه، مركزا على الموضوع من زاوية فقهية محضة، وذلك عبر “تتبع جزئيات الحريات الفردية وأبعادها في التصور الإسلامي في تناغم مع حق الجماعة في الحفاظ على قيمها وآدابها”. وفي المقابل، يدافع القيادي في التوحيد والإصلاح عن فكرة أن الحرية المطلقة غير ممكنة بأي حال من الأحوال، موضحا أنه لا بد من ربط الحرية الفردية بالمسؤولية، مضيفا أن “أصالة الحرية الفردية في الإسلام لا يوازيها إلا تحميل الإنسان مسؤولية أفعاله وتبعة تصرفاته أمام النفس، وأمام الناس وأمام لله”.