ساد الاعتقاد خلال شن مجموعة من الدول بقيادة السعودية الحرب ضد الحركة الحوثية في اليمن، بأنها ستكون مجرد نزهة عسكرية، لكن هذه النزهة تستمر منذ سنوات، وتحولت إلى مصدر قلق حقيقي للبنتاغون، وقد تؤثر نسبيا على حظوظ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البقاء في البيت الأبيض، خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة. وفي إطار احتواء المد الإيراني في شبه الجزيرة العربية، بادرت الأنظمة الملكية السنية، باستثناء سلطنة عمان وبمشاركة جمهوريات وهي السودان ومصر، إلى شن حرب ضد الحركة الحوثية. وكانت أول مرة بعد حرب إسرائيل سنة 1973 تلتئم هذه الدول في مواجهة من اعتبرته عدوا، ولكن هذه المرة من الداخل العربي، الحركة الحوثية المتهمة بأنها تدور في فلك إيران الشيعية. وجرى الاعتقاد في البدء بسهولة هذه الحرب، واعتبارها نزهة للجيوش العربية، سلاح الجو أساسا، المشاركة لاسيما في ظل الدعم العسكري والاستخباراتي الكبير، الذي حصلت عليه السعودية والإمارات العربية من طرف ثلاث دول وهي، الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا. ومرت أربع سنوات على هذه الحرب، ولم ينهزم الحوثيون، وتعيش البلاد حربا أهلية، بعد محاولة الجنوب الانفصال وفق مخطط إماراتي – سعودي لتفتيت وحدة هذا البلد. وأصبحت الفكرة اليقينية هي استحالة نجاح العربية السعودية والإمارات، في تحقيق الانتصار العسكري في هذه الحرب، التي تسجل جرائم ضد الإنسانية، وفق تقارير الأممالمتحدة، بسبب سقوط مدنيين، ومنهم أطفال، والتسبب في المجاعة والأوبئة. وكباقي الحروب، حرب اليمن تحمل انعكاسات داخلية وأخرى إقليمية ودولية، لاسيما بعدما تحولت إلى ساحة صراع مفتوح بين العربية السعودية، بدعم من الولاياتالمتحدةوإيران بشكل أساسي. وتأثيراتها على السعودية أصبحت واضحة، فقد أظهرت الجيش السعودي عاجزا عن حسم مواجهة عسكرية مع حركة مثل الحوثيين، فكيف سيواجه دولا مثل إيران، على الرغم من الصفقات العسكرية الضخمة التي يفترض أن الرياض توقعها لتكون دولة إقليمية، لكن لديها تأثيرات أصبحت الآن شبه مباشرة على الولاياتالمتحدة، وتقلق كلا من البيت الأبيض والبنتاغون. وعلاقة بالبيت الأبيض، فقد انخرط الرئيس دونالد ترامب في دعم العربية السعودية في الحرب ضد اليمن، حتى تحقق الرياض انتصارا سريعا، ويعود الاستقرار إلى المنطقة، وهذا سينعكس إيجابا على أسعار النفط نحو الانخفاض، ما يصب في صالح المواطن الأمريكي، لكن الوضع يشهد سيناريو مختلفا، إذ يعد صمود الحوثيين ونجاحهم في ضرب معامل «أرامكو» لإنتاج وتكرار وتصدير النفط يوم السبت الماضي، منعطفا قد يكون الأبرز في هذه الحرب الدائرة منذ أربع سنوات. فقد نجحت الهجمات في تجميد معظم إنتاج النفط، وتعترف السعودية بتعرض هذه المنشآت إلى أضرار كبيرة ستتطلب أسابيع لإصلاحها. ونجاح الحوثيين في ضرب «أرامكو» قد يعني بدون شك تكرار عمليات الهجوم عليها، حيث من المنتظر أن تصبح «أرامكو» هدفا على شاكلة مطار أبها في غرب البلاد، الذي يتعرض بشكل مستمر لسيل من الهجمات بصواريخ باليستية. إذا تكررت الهجمات ضد «أرامكو»، فهذا سيجمد الإنتاج ويجعل أسعار النفط ترتفع بشكل صاروخي في الأسواق الدولية، وسيؤثر هذا على الاقتصاد العالمي وعلى رأسه الأمريكي، وسيجعل العالم مجبرا على اللجوء إلى النفط الإيراني، رغم العقوبات الأمريكية.. ما سيجعل الناخب الأمريكي يغضب من كيفية تسيير دونالد ترامب للأزمة مع إيران وحرب اليمن، وقد يعاقبه في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وهذا سر إصرار ترامب على الحوار مع إيران لتهدئة الأوضاع السياسية في الخليج العربي، حتى تستمر أسعار النفط مستقرة. وقد يدعو للغرابة إعلان البيت الأبيض الأحد الماضي، استعداد ترامب للقاء الرئيس الإيراني روحاني، رغم ما تعتقد واشنطن بوقوف طهران وراء الهجمات ضد «أرامكو». وفي النقطة الأخرى المقلقة وهذه المرة للبنتاغون، هو نجاح الحوثيين في تجاوز معظم أنظمة الدفاع السعودية، وهي أمريكية الصنع في غالبيتها، والقليل منها بريطاني وفرنسي. فقد تجاوزت الطائرات المسيرة أنظمة الدفاع، كما نجحت الصواريخ الباليستية والمجنحة التي أطلقها الحوثيون في تجاوز منظومة باتريوت الأمريكية الشهيرة، التي تستعملها السعودية. ولعل الأكثر إثارة هو فشل ضباط أمريكيين أرسلتهم واشنطن بداية الصيف للمساهمة في اعتراض الصواريخ الباليستية والمجنحة. ووفق التقارير، تعد «أرامكو» بمثابة القلعة المحصنة ضد الهجمات، فهناك منظومات دفاع متعددة على رأسها أمريكية تحميها من الهجمات، خاصة الجوية للحفاظ على الإنتاج النفطي، ورغم هذه الترسانة الهائلة لم تنج من صواريخ الحوثيين الباليستية. وهجمات الحوثيين تلقي الضوء على نقاط ضعف الأسلحة الأمريكية، وكانت جريدة «نيويورك تايمز» قد نشرت يوم 4 دجنبر 2017 تحقيقا عن معهد ميدلبوري في كاليفورنيا يؤكد، أن نجاح صاروخ باليستي أطلقه الحوثيون في ضرب مطار الرياض، وفشل مجموعة الباتريوت في اعتراضه يعد أسوأ خبر للأمن القومي الأمريكي. ويبرز التقرير أنه يكشف أن التكنولوجيا العسكرية ليست بالمتقدمة، كما يعتقد، أو أن دولا أخرى حققت تقدما ملحوظا في سنوات قليلة في صناعتها العسكرية. وتحولت أزمة الخليج العربي خلال السنتين الأخيرتين الى تحد كبير للصناعة العسكرية الأمريكية، فقد أبان الباتريوت عن محدودية في مواجهة الصواريخ المصنعة يمنيا وإيرانيا، كما أسقطت إيران طائرة التجسس الشهيرة غلوبال هاوك. وهكذا، ترامب يتوجس من هجمات «أرامكو» وتأثيرها على ولايته الثانية، والبنتاغون قلق من تقدم استراتيجية الصواريخ في منطقة الشرق الأوسط. عن (القدس العربي)