يبدو أنه لم يعد بالإمكان النظر إلى الملتقى الوطني لشبيبة العدالة والتنمية، المختتمة دورته 15 يوم السبت 27 يوليوز 2019، على أنه مجرد نشاط عادي تنفذه منظمة شبابية، تجمع أعضاءها من أجل هدف حزبي، قد يكون ضيقا، لكنه مشروع. ذلك أن هذا الملتقى اكتسب رصيدا على مستويات كثيرة، كفيل بأن يجعله أكبر حتى مما يريده منظموه، وأن تؤهله ليصبح مِلكا للتجربة السياسية المغربية، على الأقل في مراحل معينة، وليس مِلكا للعدالة والتنمية شبيبة وحزبا. إن بلوغ الملتقى دورته 15، بما تعنيه من استمرارية وتحقيق للتراكم في سياقات وظروف متباينة، يعكس مستوى عالٍ من التحدي والإصرار ومواجهة الإكراهات والعراقيل الموضوعية أو غيرها، ومنها عدد المشاركين الذي يتجاوز 3000، من فئة عمرية صعبة وحساسة، مع ما يطرحه اجتماعهم في مكان واحد لمدة سبعة أيام بنهارها وليلها، وتغذيتها وكثافة فقراتها، ومع كل ذلك لم يُسمع عن الملتقى أي تجاوز مما لا يمكن التساهل معه، ولم يُسمع عنه طيلة كل دوراته، احتجاج أو شجار أو عراك أو أي سلوك آخر مشين وإن أمكن تفسيره لا تبريره بالمرحلة العمرية للمشاركين. وربما تكون المواظبة على تنظيم هذا الملتقى في سياق سياسي وطني روتيني، أمرا عاديا، غير مثير لكثير من الانتباه، لكن أن يُنظم في سياق كالذي يطبع المشهد السياسي المغربي منذ ثلاث سنوات على الأقل، حيث المحاولات حثيثة للالتفاف على مسار سياسي طموح وواعد، ومحاولات تغيير موازين القوى قائمة على قدم وساق، وحيث ارتفاع منسوب اللايقين في المستقبل، وتزايد موجة التشكيك في المؤسسات والتشويش على مصداقيتها، بغية إبعاد المواطنين، وخاصة الشباب عن السياسة، فإن ذلك مدعاة لالتقاط ما يمكن أن يبعثه هذا الملتقى من رسائل في اتجاهات مختلفة، خاصة مع استمرار تنظيمه في وقت ما يزال يعيش فيه حزب العدالة والتنمية، ارتباكا يصعب إخفاؤه، أو القفز عليه. وتكشف فقرات ملتقى شبيبة العدالة والتنمية، أن أهدافه تتجاوز بالفعل كونه نشاط حزبي داخلي هدفه الحشد فقط، إذ يكون بمثابة مساءلة جماهيرية لقيادة الحزب قبل غيرها، التي تقبل بدورها الصعود إلى المنصة والتفاعل مع الأسئلة والمداخلات الجريئة والمحرجة، بمقياس ما هو متعارف عليه داخل جميع التنظيمات، دون أن يكون هناك أي رد فعل تنظيمي، يحد من الحرية أو يحدد ما ينبغي وما لا ينبغي قوله في حضرة القيادة. ومن يتتبع هذا الملتقى الذي يجري النقاش فيه أمام أعين الصحافيين، وينقل عن طريق تقنية البث المباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لن يتردد في تصنيفه نشاطا فوق حزبي، يمكن تقديمه عنصرا من عناصر تميز وتفرد الممارسة السياسية في المغرب، على ما يصيبها من تراجعات وارتدادات. ومجريات الدورة 15 التي احتضنتها مدينة القنيطرة، تعزز هذا التصنيف، بالنظر إلى السياق المشار إليه، وبالنظر إلى تزامنه مع نقاش حاد حول القانون الإطار للتعليم، وما خلفه من تقاطب في الشارع وداخل حزب العدالة والتنمية، ومع ذلك حضر رئيس الحكومة الحالي الأمين العام للحزب، وحضر رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق، وحضر كاتب الدولة في التعليم العالي القيادي في الحزب، ومثُلوا جميعهم أمام شباب غاضب رافض لعدد من مقتضيات هذا القانون، وناقش الجميع بكل حرية، دون إساءة ولا تجريح ولا قمع، بل تحت التصفيق المتبادل والتقاط الصور التذكارية، مع احتفاظ كل ذي رأي وموقف برأيه وموقفه. والملاحظ من خلال مواضيع ندوات ملتقى القنيطرة، أن شبيبة العدالة والتنمية، أرادت أن توفر الفضاء للتداول والنقاش حول دستور المملكة بعد ثمان سنوات من إقراره، فاختارت أن تساهم في التقييم الجماعي لما تحقق من مكتسبات على المستوى الديمقراطي والاقتصادي والحقوقي والاجتماعي، وسبل تعزيزها، مع النظر في خلفيات مطالبة بعض الأطراف بتعديل بعض مقتضياته، فاستضافت لتحقيق هذه الغاية عددا من المسؤولين الحكوميين والبرلمانيين والمفكرين من تيارات سياسية واجتماعية مختلفة، وهو ما وفّر شروط التقييم الموضوعي والمنصف، فضلا عن فتح المجال أمام سياسيين وأكاديميين ومتابعين من خارج المغرب، للمساهمة في تقييم التجربة الإصلاحية المغربية، لتوسيع زاوية النظر والتقييم والحكم. بقيت إشارات أخيرة، تؤكد أن ملتقى من هذا النوع والحجم، وجبت رعايته ودعمه وتجويده ليشكل رافعة لتنمية الوعي السياسي بأفق وطني، وغير حزبي فقط، وتتعلق بحضور قضية فلسطين في برنامجه، بما لها من مكانة في وجدان المغاربة، وقضية الصحراء بما هي أولوية الأولويات في البلاد، مع تسجيل حضور مسؤولين بالبرلمان الإفريقي لأول مرة، وهو ما سيشكل إسنادا على قدر من الأهمية للدبلوماسية المغربية. لا أدري إن كان مطلوبا تهنئة شبيبة العدالة والتنمية بهذا الملتقى، أم تهنئة حزب العدالة والتنمية، أم تهنئة الحكومة وباقي المسؤولين، لأن عائده بالتأكيد يمس كل هؤلاء، وينبغي أن يكون الرابح من نجاحه المغرب.. كل المغرب.