في دراسة حول النقل العمومي بالدار الببضاء، رصدت فيدرالية اليسار الديمقراطي، مجموعة اختلالات تورطت فيها شركة “مدينة بيس”، المفوض لها تدبير النقل داخل المدينة، وجعلت البيضاويين يعانون من تردي جودة خدماتها، طيلة 15 سنة، استفادت خلالها الشركة من دعم وإعانات عمومية تجاوزت 700 مليون درهم. فعلى مستوى الوسائل المتوفرة، سجلت الفيدرالية، أمس الثلاثاء، خلال ندوة صحافية، تشغيل شركة “نقل المدينة”، ل75 خطاً فقط من أصل 154 خطاً، ينص عليه عقد التدبير المفوض، أي ما يشكل غطاء 45 في المائة، من الشبكة المخطط لها، منذ نونبر 2004، وانتشار 866 حافلة فقط، مقابل التزام تعاقدي ب 1207 حافلات، منها 770 حافلة قديمة ومستعملة، في مخالفة لالتزام ينص على نشر حافلات جديدة، يصل عمرها كأقصى تقدير إلى 7 سنوات، وفق عقد التدبير المفوض. وتم استثمار ما يقارب 600 مليون درهم، بحسب الدراسة ذاتها، مقابل التزام تعاقدي قدره 1616 مليون درهم، ما يعني معدل إنجاز قدره 37 في المائة فقط من المتفق عليه، تضمن استئجار گراجَين بسعر 6.67 مليون درهم في السنة، بدلاً من بناء مرآب بتكلفة 18 مليون درهم، وفق تقرير المجلس الأعلى للحسابات في 2015، فضلا عن عدم الالتزام بتدبير ثمن التذاكر كما هو المتفق عليه، رغم تقديم إعانة مالية قدرها 50 مليون درهم. أما على المستوى التعاقدي، فقد تم تطبيق بعض الزيادات والعقوبات التي لا يغطيها العقد، حيث بلغت ما يعادل 128 مليون درهم في نهاية عام 2014، وهو ما اعتبره المجلس الأعلى للحسابات في تقريره لعام 2015، قرارات غير قانونية، كما سجلت فيدرالية اليسار، عدم تغطية حافلات النقل للتعليم الابتدائي، على النحو المنصوص عليه في العقد، فضلا عن تورط شركة “مدينة بيس” في عدة فضائح، من قبيل الاغتصاب داخل الحافلات، والحرائق، والحوادث المميتة الناتجة عن سوء الحالة الميكانيكية لحافلات الشركة، وفق الدراسة التي قدمتها الفيدرالية. وفي هذا السياق ذكر النائب البرلماني، مصطفى الشناوي، في حديث مع “اليوم 24″، أن الندوة الصحافية تأتي ك”خطوة أولى بعد تشخيص تقني علمي وموضوعي، لوضعية النقل بالحافلات في مدينة الدارالبيضاء”، خصوصا مع اقتراب انتهاء العقدة مع شركة “مدينة بيس”، التي ساهمت، يضيف الشناوي “في هذه الاختلالات بتوفيرها حافلات مهترئة وسيئة دون جدوى”. ولفت المتحدث الانتباه إلى أن المدن الكبرى التي تحترم نفسها، منها دول شمال افريقيا، ودول عربية، “تضع شكلا استراتيجيا لتوفير نقل جيد لساكنتها”، مشيرا إلى أن “سكان الدارالبيضاء يعانون، مع الأسف، منذ عشرات السنين من تدهور النقل العمومي في المدينة”. وأوضح البرلماني في مجلس النواب، عن فيدرالية اليسار الديمقراطي، أن “ملف النقل مثال مصغر تتداخل فيه عدة قضايا”، ذكر منها “الفساد، ونهب المال العام، وغياب الشفافية، وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة”، فضلا عن “غياب رؤية واضحة لتدبير شؤون المدينة، وعدم الإعتناء بالعاملين داخل القطاع”، مشيرا إلى أن ما يعيشه سكان المدينة اليوم، هو نتاج للتدبير المفوض، والخوصصة المُقنّعة التي لا يجب أن تستمر، مطالبا الدولة بتحمّل مسؤولية تدبير النقل، “ولا تتركه للخواص الذين لا يهمهم سوى الربح”. ودعا الشناوي الدولة، في حديثه مع الموقع، إلى توفير خدمة عمومية من خلال “التدبير المباشر للملف، أو شركة من القطاع العام تشرف عليها الدولة، وتمولها”، مع رفض تدخل القطاع الخاص الذي يمكنه، بحسب المتحدث، العبث بالملف، وتكرير سيناريو تبذير الأموال الطائلة، موضحا أن الفيدرالية لن تقبل بأن تصبح الدارالبيضاء “لافيراي”، ومكبا لحافلات فرنسا المستعملة والقديمة، “لأن سكان المدينة يستحقون الأفضل”. هذا وتحدثت دراسة فيدرالية اليسار الديمقراطي، فيما يتعلق بالفاعلين الأساسيين، ضمن حركة النقل العمومي، عن “ما يقرب 8 ملايين متنقل يوميا، من بينهم نسبة 18 في المائة، من الطلبة والتلاميذ، و16 في المائة يتنقلون من أجل العمل، لتشمل النسبة المتبقية المتنقلين في إطار الأنشطة اليومية، داخل المدينة، ك”الأنشطة الترفيهية والاجتماعية، والثقافية، والأمور الشخصية، كزيارة الطبيب، والبنك، والإدارة، فضلا عن زيارة الأصدقاء أو الأسرة”. كما أشارت الدراسة إلى أن نسبة 62 في المائة، من سكان مدينة الدارالبيضاء، لا تستعمل وسائل النقل، وهو ما ينعكس على اقتصاد المدينة، إضافة إلى أن 18 في المائة، تستخدم وسائل النقل العمومي، مثل الحافلة والترامواي، بمعدل يفوق مليون رحلة يوميا، فضلا على أن 9 في المائة يستعملون سيارات الأجرة، و12 في المائة من الببضاويين، يستعينون بوسائل النقل الخاصة، ما ينعكس سلبا على بيئة المدينة. يذكر أن عقد التدبير المفوض للنقل الحضري، عبر الحافلات، الذي يجمع مجلس مدينة الدارالبيضاء مع شركة “نقل المدينة”، المفوض لها تدبير القطاع، سينتهي في شهر دجنبر من العام الجاري، في وقت يشهد فيه قطاع النقل بالمدينة، أزمة تشتكي منها الساكنة وفعاليات المجتمع المدني، بشكل مستمر.