ليس واضحا ما يريد أن يفعله حكيم بنشماش، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، بخصومه. فقد جمع لمرة جديدة، المكتب الفيدرالي الذي يطعن “تيار المستقبل” في شرعيته، لكنه على خلاف ما كان متوقعا، لم يصدر قرارات تأديبية. ومع ذلك، فإن بنشماش ما يزال مصرا على ملاحقة خصومه على كل حال، وهذه المرة يبدو أكثر تصميما على أن تكون المحاكم بينهما هي الفيصل، رغم خسارته لمعركة قضائية قبل شهر، ورغم الثغرات الجديدة التي تضرب مجهوده الحالي. وكان أعضاء الحزب يتوقعون أن يقرر المكتب الفيدرالي في اجتماعه، أول أمس، تجميد عضوية بعض قادة “تيار المستقبل” في الحزب، ناهيك عن إحالة قضية عزيز بنعزوز، رئيس فريق الحزب سابقا في مجلس المستشارين، على المحكمة، بعد البت في أمره، داخل المكتب الفدرالي. لكن، بدلا من ذلك، اكتفى بنشماش بطرد أعضاء عاديين بالحزب، دخلوا في مناوشات مع بعض أنصاره على الشبكات الاجتماعية. وهي مناوشات عادة ما تتخذ أبعادا فظة، يتبادل فيها الأطراف إطلاق الاتهامات. أما بالنسبة إلى القياديين البارزين في تيار المستقبل، فإن بنشماش على غير عادته، أرجأ إصدار قرار محدد ضدهم، رغم تلويحه بعزمه على أن يتخذ “قرارات تأديبية مناسبة” في حقهم. ويستهدف بنشماش من وراء هذا التهديد من رأت اللجنة الوطنية للأخلاقيات بأنهم “عديمو الأهلية عندما اعتلوا منصة القاعة التي شهدت الاجتماع الأول للجنة التحضيرية، وواصلوا أشغال الاجتماع” بعدما رفعه هو. ويتعلق الأمر بكل من سمير كودار، وعبداللطيف وهبي، ومحمد الحموتي ومحمد صلوح. لكن بنشماش كان قد طرد كودار من الحزب يوم 11 يونيو في اجتماع للمكتب الفيدرالي عقد في فاس، كما أقال الحموتي من منصبه كرئيس للمكتب الفيدرالي عقب أحداث الاجتماع المذكور للجنة التحضيرية. ولا يشعر قادة تيار المستقبل بأي رهبة من تهديد بنشماش. عبد اللطيف وهبي، عضو المكتب السياسي للحزب، قال في تصريح ل”أخبار اليوم”، إن بنشماش يُعدل تدريجيا أسلوبه في مواجهة تيار المستقبل: لم تعد قرارات الطرد تتطاير في الاجتماعات كما كان مألوفا طيلة الفترة الأخيرة.. لقد أصبح يميل الآن، إلى التهديد باستعمال ورقة العقوبات”. هذا القيادي في تيار المستقبل، لم ير أي تطور في موقف بنشماش غير ما أشار إليه آنفا. لكنه شدد على أن أي “لين أو ضعف يظهره بنشماش في الوقت الحالي، ليس مهما بأي حال، للطرف الآخر، وليس مؤشرا على وجود مبادرة ما لتقريب وجهات النظر. أنصاره وحدهم من يروج لدنو مصالحة ما.. ربما هي مصالحة بنشماش مع نفسه”. المكتب الفيدرالي الذي يعتمده بنشماش بعد تجميد أنشطة المكتب السياسي، وسيلة رئيسية في حربه على خصومه، بسبب صلاحية هذا المكتب في النظر في توصيات لجنة الأخلاقيات، وإقرار العقوبات، استغرق وقتا طويلا في تزكية التوصيات التي رفعتها لجنة الأخلاقيات، فيما يتعلق بأشغال الاجتماع الأول للجنة التحضيرية. رئيس لجنة الأخلاقيات، إدريس بلماحي، كان قد أعلن تجميد عضويته في هذه اللجنة بعدما قام بنشماش بنشر مشروع تقريره دون موافقته، لكنه عاد على ما يبدو، إلى وظيفته دون ضجيج هذه المرة. وتتشكل هذه اللجنة بالكامل من أعضاء موالين لبنشماش، كما يقول تيار المستقبل. وهو ما يفسر إصدارها توصيات مطابقة لما يحتاجه في هذا الصراع الداخلي. ولئن كانت توصيات هذه اللجنة منذ بداية المشكلة، الأساس الذي بنى عليه بنشماش قراراته بإقالة مسؤولين وأعضاء في اللجنة التحضيرية، وإيقاف ترتيبات عقد المؤتمر الرابع بعدما توضح أن خصومه يملكون الأغلبية داخلها، إلا أن الحكم الاستعجالي للمحكمة الابتدائية بأكادير خلق ارتباكا في صفوف أنصاره المتوجسين من قدرته على حسم المعركة إن جرى نقلها إلى المحاكم. وقد طلب بنشماش عقد هذا الاجتماع للمكتب الفيدرالي بشكل رئيس، ل”سد ثغرة” كشفها الحكم الاستعجالي نفسه، حينما شدد على أن الاعتماد على توصيات لجنة الأخلاقيات وحدها دون مصادقة المكتب الفيدرالي عليها، لا يضفي عليها أي مشروعية كما ينص على ذلك القانون الأساسي للحزب. وتتوضح هذه الرغبة في تدارك هذه المشكلة، في تبني المكتب الفيدرالي لكافة التوصيات بسرعة، سواء تلك المتعلقة ب”عدم شرعية انتخاب رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الرابع للحزب”، أو حتى الموافقة على تحفظ اللجنة نفسها على لائحة أعضاء اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني الرابع. وهذه دعوى جديدة لم يكن بنشماش قد طرحها من قبل، حيث يصبح بمقتضاها، أعضاء اللجنة التحضيرية الذين شكلهم المجلس الوطني في موضع شك بخصوص عضويتهم. لكن يعوز بنشماش لإثبات هذه القضية مصادقة رئيسة المجلس الوطني، فاطمة الزهراء المنصوري، التي تتحوز على تقارير الاجتماعات التي شُكّلت بموجبها اللجنة التحضيرية. المنصوري ترفض منح بنشماش هذه الأفضلية، لاسيما أن هذه السيدة قررت أن تكون بجانب “تيار المستقبل”، وصادقت على شرعية أعماله حتى الآن. وليس غريبا، بالتالي، أن يهاجم المكتب الفيدرالي هذه السيدة في بيانه، معبرا عن “امتعاضه من أسلوب الاستهتار الذي تنهجه.. واستمرارها في احتقار وتعطيل مؤسسات الحزب”. لكن، وبالنظر إلى موقف المنصوري، فإن التحفظ على الطريقة التي شُكّلت بها اللجنة التحضيرية سيستغرق وقتا أطول مما يأمل فيه بنشماش، كي يصبح صالحا للاستعمال، ما لم يلجأ إلى المحاكم في هذه النقطة، أيضا، كي يفرض على المنصوري تسليم التقارير التي بحوزتها. وسيبدأ بنشماش بعد ترتيب أوراقه القانونية، معركة قضائية جديدة ضد “تيار المستقبل”، يكون هدفها إيقاف عقد مؤتمر نهاية شتنبر، لكن خصومه يحضرون، أيضا، لمعركة قضائية ضارية، تتأسس على طعون بشأن الطريقة التي أقال بها بنشماش أعضاء بالمكتب الفدرالي، كما رئيسه. ثم تعيينه لأعضاء جدد بنفسه، خارج المساطر القانونية. وهي الطعون نفسها التي يعتقد “تيار المستقبل” أن المحكمة ستقبلها لرد كل الدفوعات التي سيتقدم بها بنشماش، والمستندة كليا على مقررات هذا المكتب. ناهيك عن طعون إضافية مرتبطة بعدم أهلية الأمين العام في رئاسة اجتماع اللجنة التحضيرية ثم رفعه. ويشار إلى أن اجتماع المكتب الفيدرالي هذه المرة عقد بمدينة المحمدية، بفندق يملكه محمد لمفضل، رجل الأعمال الذي جرى إبعاده تدريجيا من حزب الأصالة والمعاصرة بعدما كان نائبا عنه في البرلمان، ورئيسا للمجلس البلدي للمحمدية. ويخوض لمفضل حربا كبيرة ضد حزبه في المحمدية، حتى إنه دعم تحالفا بين حزبي العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي للسيطرة على الجماعة بعد إقالة رئيسها، رغم أن مستشاري حزبه – وهو أحدهم- كانوا يشكلون تحالفا آخر بمعية حزب التجمع الوطني للأحرار، وبعض الأعضاء المتمردين من حزبي العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي.