بعد ظهر الاثنين الماضي ودع الرئيس المصري محمد مرسي الحياة بشرف كبير. يقول الشاعر تميم البرغوثي «إذا أقصدَ الموتُ القتيل فإنه.. كذلك لا ينجو من الموت قاتلهُ». فالموت أقوى من القاتل، و»عموم المنايا»، كما يقول الشاعر نفسه، «ما لها من تُجامله». الفرق إذن في المعنى. وهل رحلة الإنسان هنا إلا رحلة بحث عن معنى؟ الكل سيرحل، الفرق في المعنى، والفرق في الشرف، والفرق في شهادة التاريخ. من الأقوال المأثورة عن كاليغولا، القيصر الروماني، قول يورده «ألبير كامو» في مسرحية تحمل اسم القيصر المذكور: «اقتله ببطء شديد ليشعر بالموت وهو يخترقه» (Tue-le lentement pour qu›il se sente mourir) ، فهل قتل النظامُ المصري محمد مرسي، أول رئيس مصري منتخب ديمقراطيا، ببطء شديد؟ هذا ما بدا أن معظم المنظمات الحقوقية العالمية تلمّح إليه. منظمة العفو الدولية قالت: «إن السلطات المصرية تتحمل مسؤولية ضمان تلقي (الرئيس محمد مرسي)، كمحتجز، الرعاية الطبية المناسبة». ومما ترويه المنظمة عن ظروف اعتقال الرئيس الراحل أنه «تعرض للاختفاء القسري لعدة أشهر بعد اعتقاله، قبل مثوله لأول مرة أمام قاضٍ في رابع نونبر 2013. واحتُجز في الحبس الانفرادي لمدة ست سنوات تقريبا، مما وضع ضغطًا كبيرًا على صحته النفسية والبدنية، وانتهاكا للحظر المطلق للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة بموجب القانون الدولي. وخلال فترة السنوات الست هذه، تم عزله فعليًا عن العالم الخارجي – ولم يُسمح له سوى بثلاث زيارات عائلية، ومُنع من الاتصال بمحاميه أو الطبيب». ماذا يُسمّى هذا؟ منظمة «هيومن رايتس ووتش» قالت إن: «الوفاة أمر فظيع، لكنها متوقعة تماما، نظرًا إلى فشل الحكومة (المصرية) في توفير الرعاية الطبية الكافية له (مرسي)، أو الزيارات العائلية اللازمة». مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دعا بدوره إلى إجراء تحقيق مستقل في وفاة الرئيس، مطالبا بأن يشمل التحقيق كل جوانب علاجه خلال احتجازه على مدى ما يقرب من ست سنوات. بقاء مرسي كان بقاء للشاهد الأكبر. وهو بقاء ثقيل وفاضح ومكلف على من سرقوا الحُلم. غير أن رحيله بذاك الشكل المحزن والشريف كان شهادة أكبر على السرقة الموصوفة. من يقلّب نشرات الصحف وعناوين الأعمدة وتقارير المنظمات في تفاعلها مع خبر وفاة الرئيس، يقف على تلك اللازمة التي لم يخلُ منها نص: «وفاة محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا بمصر». «مُنتخب ديمقراطيا». كحلم مرّ بسرعة في بلاد العرب. ترأس مرسي مصر في لحظة صدمة ديمقراطية شبيهة بصدمة الضوء. أخطأ في قرارات وأصاب بأخرى، استفرد بقرارات وأشرك آخرين معه في أخرى، تحرك بحذر وأمل، نجح في الوقوف ضد الثورة المضادة، وأخفق في استيعاب حساسيات وتوجسات أخرى. رغم كل ذلك، كانت هناك إرهاصات لشيء من السياسة. إرهاصات تلاشت بعدما دبّرت القوى السياسية بمصر لحظة مصيرية بأنانية كبيرة. أخطأت الجماعة بلا شك. وأخطأ دعاة الحداثة والتحرر والعلمانية و»الديمقراطية هي الحل»، حين تنكروا لكل هذه الشعارات التي «فرعوا» رأس العالم العربي بها وأكلوا من موائد المشرق والمغرب باسمها، ثم في أول اختبار تحولوا إلى أبواق دعاية رخيصة. من عبارات العزاء الجميل التي قرأت تعليقا على هذا الحادث المؤسف ما قاله مغرد بتويتر «محمد مرسي إفراااااااااااج يا بطل، إفراج رباني». لقد أفرج الله أسر الرئيس الراحل من الدنيا وما فيها. عدالة السماء سحبت الملف من أرض بلا عدالة..