أطفأت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية شمعتها التاسعة يوم الأحد الماضي، وهي فرصة لنحتفل بعيد ميلاد «INDH» لكن بطريقتنا وليس على طريقة وزارة الداخلية التي تكتفي بالفرح والطبل والغيطة، دون تقييم موضوعي وعلمي لهذه المبادرة التي انطلقت سنة 2005 بأهداف نبيلة، على يد الملك محمد السادس، من أجل ترميم الهشاشة الاجتماعية والفقر المدقع، والتهميش القاتل الذي تعيشه فئات واسعة في البوادي والمدن وأحزمة البؤس المحيطة بها... هذه هي أسباب نزول هذه المبادرة التي أكلت وستأكل، من هنا إلى 2015، حوالي 27 مليار درهم، 60% منها تأتي من الميزانية العمومية للدولة، و20% من الجماعات المحلية، و20% من المساعدات الدولية ومداخيل أسبوع التضامن الذي ينظم كل سنة... لنتطلع، أولا، إلى النصف المملوء من الكأس. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لقد مولت ورعت آلاف المشاريع الصغيرة ذات الطابع الاجتماعي والاقتصادي في كل ربوع البلاد... ولا يوجد مغربي لا يعرف هذه المبادرة التي تحركت من دعم قوي من المؤسسة الملكية، حيث يتكفل محمد السادس بنفسه بتدشين الكثير من مبادراتها وهي بذلك ساهمت في تخفيف العبء عن فئات من الفقراء والمحرومين. الآن لنمر إلى الجزء الفارع من هذه الكأس المسماة «INDH».. هل ما صرف عليها من مليارات أعطى النتائج المرجوة منه؟ من يتكفل برعاية هذه المبادرة؟ إنها وزارة الداخلية. من يراقب هذه الوزارة في صرف هذه المليارات؟ إنه المرصد الوطني لتتبع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. من يتابع هذا المرصد؟ رئيس الحكومة، لكن هذا الأخير لا يعرف أكثر مما نعرفه نحن عن المبادرة الوطنية. طيب، هل يملك المرصد الوطني لتتبع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية الأطر الكافية لمراقبة الولاة والعمال والقياد المكلفين برعاية المبادرة؟ الجواب هو لا. من هو رئيس هذا المرصد الوطني المكلف بتتبع مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟ إنه رشيد بلمختار الذي عين زمن إدريس جطو، ورغم أنه دخل إلى الحكومة منذ أشهر معدودة، فإنه مازال يجمع بين المنصب التنفيذي كوزير للتربية والتعليم ورئاسة المرصد، الذي يتشكل من 24 عضوا يمثلون مختلف الإدارات وبعض جمعيات المجتمع المدني، والذي يقتصر عمله على تكليف مكاتب دراسات خاصة بإنجاز بحوث ميدانية حول مشاريع المبادرة الوطنية، وحتى خلاصات هذه الدراسات لا تجد، في الغالب، طريقها إلى التقرير السنوي للمرصد لأن هذا الأخير لا يريد أن يصطدم بوزارة الداخلية التي لا تعرف شعارا غير «العام زين». قبل أربع سنوات كنت أنجز تحقيقا حول الآثار الاقتصادية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وكنت أبحث في المشاريع التي مولتها المبادرة وفشلت، في تلك الأثناء التقيت أحد الخبراء الذي أنجز دراسات وبحوثا ميدانية لصالح المرصد الوطني، وأطلعني على معطيات مثيرة حول فشل عدد من المشاريع التي مولتها المبادرة، وعلى عيوب كثيرة تطال التخطيط والتنسيق والتتبع الميداني، علاوة على مجاملة جمعيات دون غيرها، ويكفي أن نعرف أن نصف الجمعيات الموجودة في المغرب اليوم، وعددها يقدر بحوالي 100 ألف جمعية، خلقت بعد 2005، أي أن 50 ألف جمعية ولدت في حجر المبادرة الوطنية، وفي هذا العدد الضخم هناك الغث والسمين. المهم، لما بدأت أقترب أكثر من جوانب الظل في هذه المبادرة، اتصل بي المصدر الذي ذكرته، وطلب مني بإلحاح عدم توظيف المعلومات التي وضعها بين يدي، ولما التقيته أخبرني بأن وزير الداخلية اتصل به شخصيا، وحذره من مغبة التواصل مع الصحافة أو مس أسرار المبادرة... استغربت الأمر إلى أن قرأت تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي وقف عند جزء من اختلالات هذه المبادرة، ومنها غياب نظام إعلام شفاف أمام الرأي العام، حيث إن الولوج إلى معطيات المبادرة الوطنية ليس متاحا للجميع... هل محاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية من أسرار الدولة؟ لا تبحثوا عن الجواب هنا، بل في عقل وزارة الداخلية التي تشرف على المبادرة، ومن هنا يبدأ التقييم الموضوعي والمراجعة الجادة...