حرب 1967 التي تعرف في كل من سورياوالأردن باسم نكسة حزيران وفي مصر باسم نكسة 67 وتسمى في إسرائيل حرب الأيام الستة، هي حرب نشبت بين إسرائيل وكل من مصر وسورياوالأردن بين 5 يونيو 1967 والعاشر من الشهر عينه، وأدت إلى احتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزةوالضفة الغربية والجولان وتعتبر ثالث حرب ضمن الصراع العربي الإسرائيلي، وقد أدت الحرب إلى مقتل 25 ألف شخص في الدول العربية مقابل 800 في إسرائيل، وتدمير 80 في المائة من العتاد الحربي في الدول العربية مقابل 5 في المائة في إسرائيل، إلى جانب تفاوت مشابه في عدد الجرحى والأسرى؛ كما كان من نتائجها صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 وانعقاد قمة اللاءات الثلاث العربيّة في الخرطوم وتهجير معظم سكان مدن قناة السويس، وكذلك تهجير معظم مدنيي محافظة القنيطرة في سوريا، وتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة بما فيها محو قرى بكاملها، وفتح باب الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية. هذا، وكانت لهذه الحرب تبعات، منها احتلال الضفة الغربية من طرف إسرائيل، علاوة على ضم القدس والجولان إلى حدودها. وكان من تبعاتها، أيضا، نشوب حرب أكتوبر عام 1973 وفصل الضفة الغربية عن السيادة الأردنيّة، وقبول العرب منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 بمبدأ “الأرض مقابل السلام”، الذي ينصّ على العودة لما قبل حدود الحرب، لقاء اعتراف العرب بإسرائيل، ومسالمتهم إياها؛ رغم أن دولا عربيّة عديدة باتت تُقيم علاقات منفردة مع إسرائيل سياسيّة أو اقتصادية. حرب 67 لم يتعبأ لها الجيش المغربي بشكل جيد ولم يتحمس لها الملك الحسن الثاني، لكنه في الوقت عينه سوف يصدر تعليماته للجنود المغاربة للتوجه إلى ساحة المعركة، على ثلاث دفعات لمساعدة مصر برئاسة جمال عبدالناصر، لكنهم وصلوا متأخرين، قبل أن يطلب منهم العودة فترفض الجزائر السماح لهم بالمرور فوق التراب الجزائري، ليضطر المغرب لإرسال طائرة إلى ليبيا لتقل الجنود العائدين. فعكس حرب 73، التي تحمس لها الملك وأصر على مشاركة سريات عسكرية مغربية مجهزة بأحدث الأسلحة، تغيب الكثير من المعطيات عن قصة مشاركة المغرب في حرب 67، إلا أن ما سيرشح من أخبار سيحمل معه معطيات ملتبسة تزعم بأن هناك دورا مثيرا للملك في هذه الحرب، بل تذهب بعيدا حين تتهم الملك الراحل بالتجسس لصالح إسرائيل، وهو الموقف الذي تنفيه السلطات المغربية نفيا قاطعا، هذه المعطيات ستكشف عنها إسرائيل بعدما وضعت الحرب أوزارها. يقول المؤرخ العسكري الإسرائيلي، يغآل بن نون، إنه “مع مرور 51 عاما على حرب الأيام الستة في 1967 تتكشف المزيد من الأدوار لبعض الأطراف في حيثياتها، كان آخرها التورط المغربي في هذه الحرب”. وأضاف في مقال له بصحيفة يديعوت أحرونوت أن “اندلاع الحرب تزامن مع تطور في العلاقات السرية بين تل أبيب والرباط بمبادرة من الملك آنذاك، الحسن الثاني، رغم وجود تيار قومي عروبي ساد المملكة آنذاك”. وزعم في مقاله أن “وثائق إسرائيلية كشفت في الآونة الأخيرة، بالتزامن مع إحياء هذه الذكرى السنوية للحرب، عن إعلان المغرب إرسال جنوده على ثلاث دفعات لمساعدة مصر برئاسة جمال عبدالناصر، لكنهم وصلوا متأخرين”. وأوضح بن نون، الباحث في العلاقات السرية المغربية الإسرائيلية، أنه “في ظل وجود معارضة داخلية للملك المغربي تقودها أطراف وتيارات قومية من اليمين واليسار، فقد اتخذ المغرب موقفا مزدوجا من تلك الحرب، فمن الناحية العلنية وقفت الرباط بجانب عبدالناصر والدول العربية الأخرى، لكن من تحت الطاولة وخلف الكواليس نشأت علاقات سرية وتقدير كبير للدولة الصهيونية”. وأشار إلى أنه “مع انطلاق المعارك يوم 5 يونيو 1967، شعر اليهود العاملون في أجهزة المملكة المدنية بأن الأرض تغلي من تحت أقدامهم، ما دفعهم لاتخاذ قرار بمغادرة الدولة لقضاء إجازة عاجلة في إسبانيا حتى تنتهي الحرب، وفي أنحاء المملكة انطلقت مظاهرات عارمة معادية لإسرائيل، وصدرت شعارات ضد اليهود، وتم تحطيم نوافذ المتاجر اليهودية، حتى وصل الأمر قيام شرطي مغربي بمدينة مكناس بقتل اثنين من اليهود كانوا يقضيان وقتهما في أحد المقاهي”. وأكد أن “وزير الداخلية آنذاك، الجنرال محمد أوفقير، لم يصدق ما تبثه الإذاعات العربية من انتصار مصر في الحرب على إسرائيل، واعتقد في حينه أن الأخيرة ستنتصر خلال أربعة أيام، ولذلك سارع لوضع العديد من إجراءات الحماية أمام بيوت اليهود لحمايتهم”. وقال إنه “بسبب الأجواء الشعبية العامة قرر الملك إرسال قوات عسكرية من بلاده لجبهة القتال المصرية، وبصورة استعراضية قام رئيس هيئة أركان الجيش الملكي المغربي بإعلان إرسال عدد من الفرق العسكرية لمساعدة مصر في حربها المستمرة، حتى أن الحاكم العسكري لمدينة الدار البيضاء الجنرال بوعزة بولخيماس، تم تعيينه قائدا لهذه القوات المغربية للقتال ضد إسرائيل، وطار مع عدد من ضباط هيئة الأركان إلى القاهرة”. المؤرخ الإسرائيلي، وهو يكشف تفاصيل مثيرة عن الموقف المغربي من هذه الحرب، قال إن “المصريين لم يُشرِكوا الجنود المغاربة في أي عملية عسكرية، واضطروا إلى الانتظار فترة طويلة من الزمن دون القيام بأي جهد عسكري، ما اضطر الحكومة المغربية إلى الطلب منهم العودة للبلاد عبر البر، لكن السلطات الجزائرية رفضت السماح لهم بالمرور، فأرسلت الرباط سفنا إلى طرابلس الغرب في ليبيا لتمكينهم من العودة إلى المملكة”. المقال الإسرائيلي يكشف ما حصل فعليا، قائلا إن “بولخيماس تحدث مع مستشار السفارة الفرنسية في إسرائيل إيف ديفرواه بين عامي 1951-1954، الذي نقل بدوره هذه المحادثة إلى السفير الإسرائيلي في فرنسا فيلتر إيتان، وهو ما أكده رئيس محطة جهاز الموساد في المغرب رؤوفين شاروني، جميعهم اتفقوا على رواية مفادها أن السلطات المغربية كانت تعلم أن قواتها العسكرية ستصل أرض المعارك بعد انتهاء الحرب”. يقول بن نون إن “العلاقة التي ربطت الملك المغربي بإسرائيل ظلت تشغل الرأي العام المغربي حتى بعد انتهاء حرب 1967، فقد كتبت صحيفة “العلم”، التابعة لحزب الاستقلال بعد خمسة أيام على توقف القتال، إن الشعب المغربي يجب أن يأخذ دوره في هذه المعركة، ويقطع أي صله له مع أمريكا، فإسرائيل هي أمريكا، وأمريكا هي إسرائيل، فلا يذهب أحد من المواطنين المغاربة لمقهى أو يشاهد فيلما أو يستبدل عملة لأي من هؤلاء الاستعماريين والصهاينة”. وأضاف أنه “في 28 يونيو 1967 تم عقد مؤتمر لاتحاد الطلبة المغاربة، ووضع على جدول أعماله بند الصراع العربي الإسرائيلي، لكن السلطات الرسمية حظرت تنظيم هذه الفعالية؛ لأن محتواها لا علاقة له بالقضايا الطلابية، في حين أدان الملك الحسن الثاني ووزير داخليته أوفقير الحملة المعادية لإسرائيل التي قامت بها المعارضة”. وأشار المؤرخ الإسرائيلي إلى أن “تلك المرحلة شهدت إغلاق صحف للمعارضة لفترات زمنية متباعدة، في حين دعا الملك للانتباه للقضايا الداخلية والاقتصادية، لكن الشارع المغربي نظر إلى ملكه على أنه قريب من الإسرائيليين، وكتبت على الجدران في شوارع المملكة شعارات “حزان الثاني”، وهو اسم يهودي، بدل الحسن الثاني”. وأوضح أن “هذه الحملة لم تكن عبثية أو اعتباطية، فبعد انتهاء حرب 1967، تم الإعلان أن إسرائيل باعت المغرب معدات قتالية فرنسية قديمة كانت لديها، وشكلت هذه الصفقة التعبير الأكثر وضوحا عن حجم العلاقات السرية التي ربطت الرباط مع تل أبيب منذ فبراير 1963، لكنها خرجت إلى العلن مع أوائل سنوات السبعينيات، عقب الدور الكبير الذي قام به الملك المغربي في التوصل إلى اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل”. وفي سياق آخر، سيكشف شلومو جازيت، الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، لصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، أيضا، أن “الحسن الثاني، ملك المغرب السابق، سجل بصورة سرية مناقشات الحكام العرب عن معركة محتملة ضد إسرائيل، خلال قمة العام 1965، وسلم التسجيلات لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي “الموساد” بعد ذلك”. وقال جازيت إن “هذه التسجيلات ساعدت الجيش الإسرائيلي بشكل كبير على التحضير لحرب 1967، والتي يطلق عليها “حرب الأيام الستة”، والتي هُزمت فيها الجيوش العربية (مصر وسورياوالأردن)، وأدت إلى تدمير من 70 إلى 80% من العتاد الحربي للدول العربية، واحتلت بعدها إسرائيل سيناء المصرية والضفة الغربية الفلسطينية والجولان السورية”. وأضافت الصحيفة الإسرائيلية، أنه في “هذه التسريبات إلى جانب اتفاق زعماء العرب على ضرورة الاستعداد للحرب القادمة مع إسرائيل وعواقبها الخطيرة على العالم العربي، كانت هناك، كذلك، خلافات عديدة بين المشاركين في القمة اطلعت عليها دولة الاحتلال، فعلى سبيل المثال دخل الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر، والملك حسين، ملك الأردن حينها، في جدال حاد حول رؤاهم المختلفة للحرب مع إسرائيل، وعلى إثر هذه المعلومات جهزت إسرائيل للحرب القادمة مع العرب مستندة على الكم الهائل من المعلومات ذات القيمة العسكرية التي استمدتها من تلك التسجيلات، وأصبح لدى قادة الجيش الإسرائيلي ثقة أن بإمكانهم الانتصار في الحرب، بعدما توفر لهم رؤية غير مسبوقة لما خلف الكواليس ولعقلية قيادة عدوها”. وتزعم المعطيات الإسرائيلية، أيضا، أن “الملك الحسن الثاني سمح للموساد الإسرائيلي أن يُرسل طاقمًا فنيًا لمراقبة المؤتمر والتجسس عليه عن قرب، حيث وصل إلى مدينة الدار البيضاء فريق مشترك بقيادة، بيتر زفي مالكين، ورافي إيتان، ويتكون من شين بيت، (جهاز الأمن العام الإسرائيلي)، وجهاز الموساد الإسرائيلي، حيث خصص الملك المغربي لهم طابقًا كاملًا لهم بالفندق عينه الذي اجتمع فيه القادة العرب”. وبحسب ما أوردت الصحيفة في روايتها الملتبسة، قام الملك المغربي قبل يوم من انعقاد المؤتمر، بأمر طاقم الموساد بمغادرة الفندق خوفًا من ملاحظة الضيوف العرب لهم، وروى رافي إيتان قائلًا: “ولكن على الفور بعد انتهاء المؤتمر، (المغربيون) أعطونا كل المعلومات اللازمة ولم يحرمونا من أي شيء”. وهي التسجيلات التي تؤكد المعطيات الإسرائيلية، أنها سُلمت بعد ذلك مناقشات المؤتمر – التي سجلت بدون علم المشاركين- إلى مركز البحوث بشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، وتم فك شفرتها ونسخت وترجمت إلى اللغة العبرية”. واعتبرت “هذه التسجيلات في مذكرة أرسلت إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها، ليفي أشكول، بوصف مير آميت، رئيس الموساد آنذاك، هذه العملية بأنها واحدة من الأمجاد المتوجة للمخابرات الإسرائيلية”. ويقول شلومو جازيت، رئيس مركز البحوث بشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وقتها، إن “هذه التسجيلات التي كانت حقًا إنجازًا استثنائيا للمخابرات، كشفت من ناحية عن اتجاه الدول العربية لصراع مع إسرائيل يجب علينا الاستعداد له. ومن ناحية أخرى، لم يعكس التشتت في حديثهم عن الوحدة العربية وتأسيس جبهة موحدة ضد إسرائيل إجماعًا حقيقيًا بينهم”. وتابع جازيت قائلًا: “إنه بفضل هذه التسجيلات، إلى جانب مصادر أخرى، “عرفنا مدى عدم استعدادهم (العرب) للحرب.. وتوصلنا إلى استنتاج بأن سلاح المدرعات المصري في حالة يرثى لها وغير مستعد للمعركة”. وأكد جازيت أن “المعلومات الموجودة في التسجيلات ولدت إحساسًا لدى كبار قادة الجيش الإسرائيلي أنهم سينتصرون في الحرب ضد مصر. وعلى الرغم من النبوءات السائدة بين غالبية الإسرائيليين والمسؤولين خارج الجيش بالهزيمة الوشيكة والهلاك، إلا أن الجيش الإسرائيلي كان واثقًا من قوته، بفضل هذه المعلومات التي أهدها إليهم الملك المغربي الحسن الثاني”، على حد زعمه.