تنشر “أخبار اليوم”، على حلقات، مرافعة الزميل توفيق بوعشرين، التي قدمها في آخر جلسة من جلسات محاكمته الابتدائية، وفيها يشرح ملابسات اعتقاله، وما سبقه ذلك الاعتقال من محاكمات ومضايقات طالت تجربته الصحافية المستقلة ووخطه التحريري النقدي الذي لم تخف جهات عديدة انزعاجها منه. لم أكن أنتظر من النيابة العامة، بدرايتها وحنكتها، أن تسقط في إلباسي تهمة الاتجار بالبشر، ولعلها كبوة فارس. فمنذ البداية اصطدم السيد الوكيل العام للملك والطرف المدني بصعوبة إلباس هذه الوقائع، بغض النظر عن صحتها، جبة الاتجار بالبشر، ولهذا عوض أن يراجعوا التكييف، طفقوا يسمنون الوقائع، ويجرون عملية “الدوباج” عليها، لإقناع المحكمة، وحتى لا تسقط الجبة الجنائية من وقائع معروضة. لكن ما كانوا يتخوفون منه وقع، وهذا ما يفسر سرعة دفع الملف إلى قاعة الحكم، وجر عفاف برناني إلى المحاكمة لتخويف الأخريات من التراجع عن أقوالهن وقول الحقيقة، واستعمال هذا القانون كان الغرض منه هو اعتقالي فورا، ثم امتصاص صدمة الاعتقال لدى الرأي العام، ثم المس أخلاقيا بسمعتي، ثم إعطاء دليل لمن كان يشكو من كتاباتي، بأن مصيري هو التدمير. قسمة ضيزى فما هي القيمة القانونية للفيديوهات المعروضة كوسيلة إثبات؟ إنني مازلت متشبثا بأقوالي التي أدليت بها منذ اليوم الأول الذي عرضت عليّ فيه هذه الأشرطة، وهي أنها لا تخصني ولا أعرف مصدرها أو من يظهر فيها، ولم يسبق لي أن رأيت المعدات التي صورت بها، وهذا يسري عليّ وعلى المسؤول التقني بالجريدة (مراد موعبير) وعلى كاتبة الجريدة. لقد تم دس تلك الأشرطة في مكتبي دون علمي، ومع ذلك جلست في المحكمة وشاهدتها وأجبت عنها في الوقت الذي سمح به. فهل كنت أنا وحدي من ينكر الظهور في هذه الأشرطة؟ لا، مارية موكريم، وحنان باكور، وعفاف برناني، وأسماء حلاوي (نفت علاقتها بشريطين نسبتهما إليها الفرقة الوطنية)، فكل هؤلاء نفين أن يكن هن اللواتي ظهرن في الفيديوهات، فيما ادعت سارة المرس ووداد ملحاف وأسماء حلاوي ووصال طالع، أمام المحكمة، أن أكون أنا من يظهر معهن في الفيديوهات. فيما فرت صفاء زروال إلى فرنسا وأسماء كريمش إلى أمريكا وابتسام مشكور إلى ألمانيا وكوثر فال إلى بلجيكا، ورفضن المثول أمام القضاء الذي لا يعتد إلا بما يروج أمامه في الجنايات. هذا معطى واضح، سيقلب ميزان الأستاذ المسكيني الذي قال: “لنضع أقوال المتهم في كفة، وأقول 12 ضحية مفترضة في كفة”. لا يا سيدي، فهذه قسمة ضيزى، فهذا الملف يشبه جبل الجليد، لا يظهر على سطحه سوى الجزء الصغير، فيما الجزء الأكبر مستتر تحت الماء، ومن يريد مساعدة القضاء للوصول إلى الحقيقة، عليه أن يغطس تحت الماء وينظر ويدقق في خلفيات الملف وألغازه وأوراقه وتناقضاته وتصريحاته. التصوير لا يعتد به فلماذا لم تطلب المحكمة من الخبرة أن تجيب عن السؤال المحوري الذي هو: معرفة هوية من يظهر في الفيديوهات، والجواب يرجع إلى ثلاثة أسباب دفعت المحكمة إلى عدم طرح هذا السؤال: أولا، أن المحكمة تعرف بأنه لا وجود لأي برنامج علمي أو تقني يمكنه أن يحسم الجدل حول من يظهر في الفيديوهات، وحتى وإن عهدت بالخبرة إلى مكتب وطني أو دولي، فإنه لا يمكن أن يجزم، دون الوقوع في هامش كبير من الخطأ، ففي بريطانيا مثلا، إذا صورت كاميرا منزل أي مواطن دخل إلى المنزل وقام بالسرقة، وإذا لم يكن هناك اعتراف أو حالة تلبس أو ضبط المسروق بحوزة السارق، فلا يؤخذ بتصوير الكاميرا. ثانيا، في إسرائيل، وقبل أشهر، تمت إدانة طفلة صغيرة اسمها عهد التميمي بعدما عمدت إلى صفع جندي أمام عدسات كاميرا التلفاز التي شاهدها العالم، ولما أحيلت على المحكمة، لم يتم اعتماد التصوير كأساس للإدانة، مع أن الصور صورها، مما اضطرت النيابة العامة إلى الدخول معها في صفقة على طريقة النموذج الأمريكي، أي الاستفادة من تخفيض العقوبة إذا اعترفت بالذنب. وقد اختارت عهد التميمي الاعتراف، وبعدها تم الأخذ بالتصوير. وعليه، فهذا التصوير لوحده لا يعتد به ولا يعتمد عليه، فالدليل في المادة الجنائية ينبغي أن يكون من الصلابة والمتانة والقطعية والوثوقية مما لا يمكن أن يدخل عليه الشك، فيضعفه أو يسقطه. ثالثا، إن المحكمة لم تطلب من الخبرة تحديد شخوص الفيديوهات وهوية من يظهر فيها، لأنها وقفت على الأخطاء التي وقعت فيها، بل وقع فيها خبراء الفرقة الوطنية للشرطة القضائية الذين أخطؤوا في فيديوهات برناني، حسب ادعاءات أسماء حلاوي، والمحكمة وقفت على عجز خبراء الفرقة الوطنية بكل الإمكانيات التقنية التي لديهم، على تحديد هوية ثلاث نساء في الفيديوهات، وظللن مجهولات رغم توفير خبراء الفرقة على وسائل تقنية وبرامج متطورة ومعطيات وأرقام هواتف، ولهذا لم ترد المحكمة تحكيم خبرة لم تنتج حكما يقينيا. رابعا، لقد قال محامو دفاع الأطراف المدنية إن المحكمة لم تطلب من الخبرة المنجزة التعرف على هوية الأشخاص الظاهرين في الفيديوهات لأنها ببساطة تعرفت عليهم بالعين المجردة، ولم تعد في حاجة إلى خبرة الخبراء، وهذا القول مردود عليه أيضا، لأن المحكمة لو اكتفت برؤية العين وتعرفت على كل ظاهر في الفيديوهات، بلا وسائل تقنية، فكان عليها ألا تصدق أقوال من ادعين تحت القسم عدم ظهورهن في الفيديو، ونفين هذا مثل حنان باكور ومارية موكريم وعفاف برناني وأسماء حلاوي في شريطين، وكان على المحكمة أن تتابع هؤلاء بتهمة شهادة الزور، لكن المحكمة لم تقم بأي شيء من هذا، وهذا ما يدل قطعا أن المحكمة لم تشكل قناعتها حول هوية الظاهرين في الفيديوهات بالعين المجردة أو ادعاءات حلاوي. ثم إذا كان خبراء الفرقة الوطنية قد عجزوا عن تحديد هوية ثلاث نساء ظهرن في الفيديوهات وأخطؤوا في فيديوهات بين عفاف برناني وأسماء حلاوي، حسب ادعاءات هذه الأخيرة، ومارية موكريم، التي أخرجها السيد الوكيل العام للملك من الملف، وهذا يعني أنه نفسه صدق أقوالها ولم يعتمد على العين المجردة. فكيف تريدون من المحكمة أن تشكل قناعة لا يساورها الشك، والخبراء أنفسهم لم يصلوا إلى اليقين، في أغلب النساء اللواتي حضرن؟ إن هامش الخطأ في تحديد هوية الأشخاص الظاهرين في الفيديوهات، كان في الأول هو 50 في المائة، وإذا أضفنا الثلاث الآخرين اللواتي لم تتعرف عليهم الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، إلى الأربع الأخريات، فسنصبح أمام سبع غير متعرف عليهن، وهذا يعني أن نسبة الخطأ ارتفعت إلى أكثر من 80 في المائة. الشكوك زادت خامسا، إذا قارنا الوضع ما قبل الخبرة بالوضع ما بعدها، فإن السؤال الذي يبقى عالقا هو: هل زالت الألغاز والشبهات والتناقضات حول أشرطة الفيديوهات أم نقصت؟ أقول، بكل تجرد وموضوعية إن الشكوك زادت والأسئلة تناسلت وبقيت دون أجوبة، وإلى المحكمة بعضها: لقد اختلفت هوية المحجوزات التي تم تحديدها في محضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، بحيث أصبحت الكاميرا البيضاء في محاضر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ميكروفونا في خبرة الدرك الملكي، وظهرت محجوزات لم تعرض على المحكمة، وظهر اختلاف كبير بين “بيكسيل” الكاميرا و”بيكسيل” الفيديوهات المعروضة، واتضح أن موقع الكاميرا لم يتغير منذ سنوات، وهذا مستحيل عمليا، وظهر اختلاف في الأرقام التسلسلية ل”dvr”، والخلاصة هي أن الخبرة زادت من الشكوك وأضعفت من حجية وسيلة الإثبات الوحيدة الموجودة في هذا الملف. فماذا قال الشهود الذين حضروا أمام المحكمة، وكلهم أدوا اليمين القانونية، وجلهم لم تعد لهم علاقة تبعية بالماثل أمام المحكمة، أولا المهدي الأيوبي شهد بأنه لم يسمع ولم ير بأي تحرش جنسي ولا باستغلال بإحدى العاملات بالمؤسسة، وشهد بأنه كان يتردد على مكتبي بالمؤسسة حتى ما بعد السادسة مساء ودون سابق إعلان، وأن الأجهزة المحجوزة ليست في ملكية المؤسسة، ولم يسبق له أن رآها أو اشتراها أو طلبها، كما شهد بأنه هو من استقبل أسماء حلاوي وسارة المرس أثناء التوظيف، وكذا خلود الجابري، وأيضا استقبلهن بمساعدة المسؤول عن الموارد البشرية، وليس بحضوري أنا. ثانيا مراد موعبير شهد بصدق الرواية التي حكيتها أنا بخصوص دخول الشرطة إلى مكتبي وخروجها قبل التفتيش في زيارة لباقي المكاتب، مما سمح لآخرين، ربما، بدس الأجهزة الغريبة عن المكتب. مراد موعبير شهد كمسؤول أول عما هو تقني وإلكتروني عن كل ما يوجد في مكتبي، بعدم رؤية الأجهزة المحجوزة، خاصة وأنها كانت في مكان بارز، وقال إنه هو من يملك كلمة السر، هذا فيما رفضت الشرطة القضائية الاستماع إليه، بينما قبلت ذلك المحكمة التي استمعت إليه. هشام الزيتوني، شهد بالمشاكل التي كانت بين خلود الجابري وجل زملائها كما شهد بأنه لم يسبق له أن تلقى أي شكاية من أسماء حلاوي، وأن هذه الأخيرة لم تتعرض لأي ضغط وأي استغلال في العمل وأن راتبها تضاعف خلال أربع سنوات من العمل، وأنها هي من اقترحت سارة المرس وكذا عفاف برناني للعمل، كما كذب هذا الشاهد (هشام الزيتوني) ادعاءات خلود الجابري حول توقيف برنامجها. فؤاد وكاد، الذي لم يعد يشتغل معي بعدما انتقل للعمل بموقع هسبريس، هو من اقترح ابتسام مشكور لأخذ موقع مديرة نشر موقع “سلطانة” بسبب توفرها على الشروط الجديدة التي فرضها القانون الجديد، وهذا وقع قبل تسلم الشركة التي تصدر “سلطانة”، كما شهد أنني لم أكن أباشر معه العمل في موقع “سلطانة” خلافا لما صرحت به ابتسام مشكور. المحجوب فريات، الذي يشتغل بقناة “دوزيم” وطلب الطرف المدني شهادته، شهد بأنه كان رئيس تحرير موقع “اليوم 24″ وصحافي سابق ب”أخبار اليوم” ولم يسبق له أن سمع أو اطلع على أي شكوى من أي صحافية، وأن صديقته وداد ملحاف لم يسبق لها أن اشتكت له مني، ولم تغادر “أخبار اليوم” مكرهة. كما أن أمال أبو العلاء التي لم تعد تشتغل بمؤسستي، شهدت على كذب خلود الجابري، كما شهدت بالمشاكل التي كان لخلود الجابري مع زملائها، ونفت علمها بأي شيء، مؤكدة أنها لم يسبق لها أن رأت كاميرات بمكتبي الذي كانت تدخله مرارا وتكرارا لتسجيل مقابلات مع الضيوف. كما أن الشاهدة عائشة شعنان شهدت على الأمر نفسه، وكذا شهادة أنيسة بداح، وهي الكاتبة الخاصة التي تعتبر أول من يدخل مكتبي وآخر من يغادره، حيث أكدت بأنها لم يسبق لها أن رأت الأجهزة المذكورة في مكتبي، كما شهدت تحت القسم بأنها لم تر نعيمة الحروري التي ادعت حضورها إلى مكتبي حوالي الخامسة مساءً، من أحد أيام أكتوبر 2015. كما أكدت أنيسة بداح أنها كانت توجد قرب المكتب خلال التوقيت الذي قيل إن الفيديوهات صورت فيها، مؤكدة تحت القسم بأنها لم تر ولم تسمع شيئا. إن كل الشهود أدوا اليمين وتعرضوا لاستجواب قاس، ولم يقدموا أي شهادة تدينني، بل كانوا شهود براءة ونفي لكل التهم، وإذا وضعنا شهاداتهم في الميزان، وأشرطة الفيديو في ميزان آخر، فلمن سترجح الكفة. أترك الجواب للمحكمة الموقرة.