على بعد أيام قليلة من استفادة 11 معتقلا للسلفية الجهادية محكومين في قضايا التطرف والإرهاب، من عفو ملكي جزئي، بعد خضوعهم لبرنامج “مصالحة” في دورته الثالثة، سارع معتقلون سابقون باستنكارهم لاستثناء العشرات من الخاضعين له من العفو الملكي، مشددين أن حلحلة هذا الملف تتم ببطء شديد رغم المتغيرات الكبيرة والأحداث السريعة التي تفرض على السلطات التعجيل بحل هذا الملف الشائك ليشمل معتقلين مازالوا يقبعون في سجون المملكة لأزيد من 18 سنة، بالرغم من قيامهم بمراجعات فكرية قدموا نسخا منها للمسؤولين. وشدد عدد من المعتقلين السابقين الذين أُفراج عنهم، في تصريحات ل”أخبار اليوم”، أنه كان الأولى أن تفرج السلطات على كافة المعتقلين الخاضعين لبرنامج المصالحة، خصوصا منهم الذين خضعوا له في نسخته الأولى. وكشفت مصادرنا أنه تم استثناء الصنف الأول من المعتقلين المحسوبين على تنظيم القاعدة، الذين قاموا بمراجعات فكرية من تلقاء أنفسهم دون الحاجة إلى تدخل الدولة، إلا أن الغريب أن السلطات أفرجت عن البعض منهم، في حين مازال أغلبهم لم يغادر أسوار السجن. وفي الوقت الذي لوحظ فيه إقبال غير مسبوق من المعتقلين المحسوبين على داعش على برنامج المصالحة، فإن الدولة ولدواعي أمنية، مازالت تصر على حرمان بعض المعتقلين المشاركين في برنامج المصالحة من الاستفادة من العفو الملكي، في حين يتم رفض الطلبات المتكررة لبعض السجناء الذين عبروا عن رغبتهم في الخضوع لبرنامج المصالحة، وفي مقدمتهم المعتقل عبدالقادر بلعيرج، الذي عبر أكثر من مرة عن رغبته في الانخراط في هذا البرنامج إلا أن ملفه رُفض، قبل أن يتم الإفراج عن ثلاثة من المعتقلين في خلية بلعيرج. وحسب المصادر ذاتها، فإن معايير انتقاء الخاضعين لهذا البرنامج مازالت غير واضحة. محمد مصباح، مدير المعهد المغربي لتحليل السياسات، قال إن الدولة اختارت تسوية ملف معتقلي السلفية عن طريق إخضاعهم لبرنامج المصالحة، وهي تنظر إليه كأحد مخرجات تسوية الملف، فأهم شيء فيه هو التخلي عن الأفكار المتطرفة كمرحلة أولى، ثم بعد ذلك الاعتراف بثوابت الدولة. وتعليقا منه على ملتمسات العفو التي سبق لمعتقلي السلفية الجهادية، رفعها إلى الملك محمد السادس، بعدما راجعوا مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية، وأعلنوا بشكل رسمي نبذهم لكل أنواع التطرف والإرهاب وتشبثهم المتين بثوابت ومقدسات الأمة ومؤسساتها الوطنية، كشف مصباح في اتصال مع الجريدة، أن برنامج المصالحة هو مجرد آلية جزئية غير كافية لتدبير ملف معتقلي السلفية الجهادية، كما أنها لا تقوم بحل المشكل، لأنها لا تعالج مرحلة ما بعد السجن، ولا تعالج أيضا الوقاية من التطرف. وعاد مصباح ليؤكد على أن عدد الأشخاص الذين يخضعون لبرنامج المصالحة، هو عدد محدود مقارنة مع وجود 1000 معتقل يتابعون بقانون الإرهاب، مشددا على أنه آلية محدودة الأثر، لأنه لا توجد بعد العفو الملكي برامج إعادة الإدماج، وحتى إذا ما توفرت، فإنها ضعيفة جدا ولا تحقق مبدأ الإدماج في المجتمع بعد الخروج من السجن. وأكد المتحدث ذاته أن برنامج المصالحة لا يعتمد على المراجعات الفكرية بالمعنى المتعارف عليه، فهو يعتمد أساسا على اعتراف المعتقلين الجهاديين السابقين، بثوابت الدولة، ولا يتوفر على تراجعات عميقة، يتم فيه التراجع عن الأفكار المتطرفة، والالتزام بثوابت البلاد وفي مقدمتها الملكية والمذهب المالكي. وحول استثناء بعض المعتقلين من برنامج المصالحة، أوضح مصباح أن البرنامج هو اختياري وليس إجباريا، وقدرته الاستيعابية محدودة، وفي جولته الثالثة تسلمت السلطات أكثر من 300 طلب، لم يتم قبول إلا ب 50 طلبا، مشددا على صفته الانتقائية والاختيارية. ونفى المتحدث إقصاء الدولة لأي من المعتقلين في هذا البرنامج، لأنه برنامج اختياري ويمكن لأي معتقل أن يعبر عن رغبته في الخضوع له عن طريق التقدم بطلبه، إلا أنه طلب يمكن أن يُقبل أو يرفض، يضيف مصباح، مؤكدا على وجود إقبال على البرنامج إلا أن بنية استقباله محدودة جدا. من جانبه، عبدالعالي بريك، المعتقل السابق في ملف الإرهاب بفاس، الذي أدين سابقا بخمس سنوات عقب أحداث الدارالبيضاء في 2003، قبل استفادته من العفو الملكي ومغادرته السجن في 2006، تساءل بدوره عن المعايير التي تعتمد عليها لجنة العفو، وكذلك، اللجنة المكلفة بمشروع المصالحة في انتقاء المستفيدين من العفو الملك، مع العلم أن هناك خللا في موضوع المفرج عنهم، منهم العائدون من جحيم سوريا ومعتقلو أحداث 16 ماي الإرهابية، والذين لا علاقة لهم لا من قريب أو بعيد بأي عمل إرهابي أو التحريض عليه لأن التحريض اختصاصه شيوخ الإرهاب، والذين كانوا سببا في الزج بالآلاف من المغاربة في هذا الملف الذي عرف خروقات كثيرة باعتراف أعلى سلطة في البلاد. وفي الوقت الذي نوه فيه بريك بهذه المبادرة، فإنه دعا إلى تعميمها على باقي المعتقلين. إلى ذلك، كانت اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين، كشفت أن أحد عشر معتقلا إسلاميا استفادوا من العفو بمناسبة عيد الفطر ويتوزع المستفيدون منه، من العفو مما تبقى من العقوبة السجنية لفائدة ثمانية (08) نزلاء، وتحويل السجن المؤبد إلى السجن المحدد في 25 سنة سجنا نافذا لفائدة نزيل واحد (01)، وتخفيض مدة العقوبة السالبة للحرية لفائدة سجينين اثنين (02). كما يشار إلى أن محمد صدوق تم تخفيض حكمه من المؤبد إلى 25 سنة، وخير الدين، من عكاشة، تم تخفيض حكمه ب 3 سنوات، والأمر عينه بالنسبة إلى رفيع محمد، من القنيطرة، الذي خفض حكمه ب 3 سنوات.