بعد أسابيع من تناقل إشارات تفيد بأن الملك محمد السادس سيزور نظيره السعودي الملك سلمان في الرياض متم الشهر الماضي، فإن الزيارة لم تحقق بعد. وفي هذا السياق، يشير تقرير مطول على موقع لوبي لوگ الخاص بالتقارير المحللة للشؤون الخارجية، إلى أن تعذر إجراء زيارة إلى حدود الآن يبقى علامة جديدة على تصاعد التوتر بين البلدين، وأشار الموقع إلى أن هناك احتمالا لإلغاء رحلة كانت مبرمجة، وسط تدهور في العلاقات الثنائية التي ظهرت علاماتها في العام قبل الماضي. وقالت كاتبة التقرير تشينسيا بيانكو التي تعمل من لندن محللة لدى مركز گولف ستايت أناليتيكس (Gulf State Analytics ) للأبحاث، إن غيوم التوتر بدأت في التكتل بين المغرب وأهم حليفين في الخليج العربي (السعودية والإمارات)، بعد الأزمة التي تفجرت بين دول أعضاء مجلس التعاون الخليجي في يونيو 2017، وتشير بيانكو إلى أن الرباط وبالرغم من أنه على علاقة وثيقة بالرياض، فإنها لم توافق على تفاقم المواجهة بين السُنّة، ليعلن المغرب بموقفه هذا الحياد في الأزمة بين قطر وجيرانها الخليجيين، وتقدم المغرب بعرض مساعيه الرامية للتوسط بين المتنازعين، وذلك عبر إبقاء العاهل المغربي محمد السادس خطوط الاتصال مفتوحة مع جميع الأطراف، بل أكثر من ذلك، قام الملك بزيارة كل من قطر والسعودية والإمارات، كما رفض الانضمام إلى الدول الرامية إلى عزل الدوحة، ويبقى هذا المعطى أكثر ما أغضب الرياض حسب بيانكو، التي رأت في تحليلها للصورة السياسية المغربية، بأن المغرب كان حذرا من آثار هذه الأزمة حتى لا تنعكس على وضعه الداخلي، حيث يوجد حزب العدالة والتنمية الإسلامي في زعامة الحكومة، كما أن الإسلام السياسي في المغرب يلعب دورا كبيرا، ومادام العداء ضد الجماعات السياسية وكل الحركات التابعة لمنظمة الإخوان المسلمين والإسلاميين محور المواجهة السعودية الإماراتية مع قطر، فإن المغرب كان قلقا من أن يكون للدخول على الخط المعادي لقطر مزعزعا لشأن البلاد السياسي الداخلي. ويشير تقرير لوبي لوگ إلى أن هناك نقطة فاصلة أخرى في العلاقات المغربية السعودية، وهي تلك المتعلقة بالقدس، فالملك محمد السادس كان يراسل كلا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو گوتيريش، للتعبير عن رفضه قرار ترامب، كما كان المغرب يراسل السعودية بشكل مباشر في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية بما فيها صفقة القرن، وذلك بالتواصل بشكل مباشر مع الملك سلمان، وذلك بشكل فيه تجاوز للأمير النافذ في الرياض محمد بن سلمان، وبالتالي فإن المدونة المتخصصة في القضايا الجيو استراتيجية تشير إلى أن تجاوز بن سلمان قد يكون من أسباب التوتر بين المملكتين. ويعود التقرير المفصل للتذكير بأن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، أجرى زيارة شملت دول شمال إفريقيا في أعقاب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وسط مزاعم تورط الأمير المشهور في الإعلام الغربي بلقب “إم بي إس” في مقتل الصحافي في قنصلية السعودية في إسطنبول، واستثنت جولة الأمير المغرب، وبالنظر إلى وضع العلاقات العميقة تاريخيا بين آل سعود والعلويين، كان استثناء الرباط من جولة بن سلمان شاذا. كما أنه في الوقت الذي خرجت فيه دول عربية ببيانات داعمة لمحمد بن سلمان بعد تصاعد التصريحات الغاضبة على تورطه في تصفية خاشقجي، ظلت الرباط في حالة صمت. وقبل بضعة أشهر فقط، اتُهمت السعودية بالضغط ضد ترشح المغرب لتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2026. وقالت تشينسيا بيانكو إن عرض قناة العربية التابعة لمجموعة إم بي سي الإعلامية السعودية، والتي يوجد مقرها في دبي، (عرض) فيلم وثائقي يشكك في سيادة المغرب على الأقاليم الصحراوية، وتصوير جبهة البوليساريو الانفصالية كممثل شرعي للصحراويين، شكل تجاوزا لخط أحمر لدى الرباط، ما دفع إلى استدعاء سفراء المغرب في كل من الرياض وأبو ظبي. وفي الشهر نفسه، أعلن المغرب انسحابه الرسمي من التحالف الذي تقوده الدولتان الخليجيتان في اليمن، وسط انتقادات إقليمية ودولية للأحداث الدموية التي تشهدها حرب اليمن، رغم أن مساهمات المغرب كانت ضئيلة منذ 2018، إلا أن الخطوة المغربية كانت لها دلالات سياسية. ولم يفوت تقرير لوبي لوگ إعلان كل من الرياض وأبو ظبي في مارس الماضي، عن خطط لزيادة الاستثمارات في الموانئ والمنشآت العسكرية في موريتانيا، وهو ما اعتُبر محاولة لتجاوز المغرب، إضافة إلى تشييد منشآت في نواذيبو المتاخمة للحدود المغربية الموريتانية، وذلك حتى تنافس المدينة الشمالية مشاريع الداخلة وأيضا ميناء طنجة المتوسط، وبالتالي فإن حصول الإمارات على موطئ قدم في جارة المغرب الجنوبية، سيعزز من استراتيجيتها البحرية، ورجح التقرير أن هذا سبب تخطي وزير الخارجية والتعاون المغربي ناصر بوريطة دولة الإمارات خلال جولته الخليجية في أبريل الماضي، وبعد ذلك بفترة وجيزة استدعت الإمارات سفيرها فالرباط لإجراء مشاورات. ويخلص التقرير في النهاية إلى أن العلاقات المغربية والسعودية بالأساس، استمرت لخمسة عقود، وكانت دائما متينة وقوية بما يكفي لجعل المغرب مساندا للرياض في مواجهة العراق وإيران، ولتكون الرياض إلى جانب المغرب في قضاياه الاستراتيجية والإقليمية، وتصر بيانكو في ختام تقريرها على أن السعودية تسعى للعب دور الزعيم الإقليمي في المنطقة، لكن استثناء أو عزل لاعب رئيسي كالمغرب، قد تكون له نتائج عكسية تماما.