“لا يمكن للقضاء الإسباني أن يسجنني بتهمة رعاية أبنائي وبيتي”؛ هكذا علقت الجهادية يولندا مارتينيث، زوجة المغربي عمر الحرشي، أحد أخطر الجهاديين المعتقلين في سجن سري لدى قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا بعد مغادرتهما بمعية أطفالها الأربعة بلدة الباغوز، آخر معاقل داعش في شرق شمال سوريا، قبل القضاء على التنظيم نهائيا ورسميا على الأرض في أواخر شهر مارس المنصرم. برقع يخفي المعاناة رغم الجحيم والمآسي والجوع الذي يتحدث عنه الكثير من بين آخر المغادرين لمخيم الباغوز، إلا أن هذه الجهادية، البالغة من العمر 34 عاما والمحتجزة في مخيم “الهول”، التابع لقوات سوريا الديمقراطية في مدينة الميادين بمحافظة الحسكة، لازالت متشبثة بالفكر المتطرف، بل أكثر من ذلك تحكي أن الحياة كانت هادئة تحت سماء ما سمي ب”الدولة الإسلامية”. إذ حاولت الدفاع عن نفسها والتنظيم قائلة: “عند وصول زوجي إلى البيت كان يجد المائدة جاهزة والأطفال في أحسن حال”. دافعت عن مواقفها بصوت رخيم وهادئ، وهي تضع نظارات تخفي عينين جاحظتين من وراء برقع ترتده، وفق وصف الصحافية ناتاليا سانتشا الإسبانية، التي أجرت معها الحوار لصالح صحيفة “إلباييس” في الغرفة التي تعيش فيها بمخيم “الهول”. وعن الكيفية التي وصلت بها إلى سوريا، صرحت قائلة: “وصلت إلى سوريا دون أن أعلم بذلك، لكنني كنت جد مسرورة، لأن زوجي وعدني بالسفر إلى تركيا. وعليه، اقتنينا تذاكر الذهاب والعودة انطلاقا من المغرب”. وفي الوقت الذي كانت تعتقد فيه أنها ستسافر إلى تركيا فقط، على حد قولها، يبدو أن زوجها المغربي عمر الحرشي كانت لديه مخططات أخرى بالنسبة إلى مستقبل الأسرة. إذ بعدما حطت الرحال بتركيا، أخذها عمر إلى مدينة في جنوبتركيا على الحدود السورية، حيث انتظرا حلول الظلام ليتسللا في سيارة إلى الأراضي السورية التي كانت يسيطر عليها داعش في ذلك الإبان، وبالضبط مدينة الشدادي في الفورات. في الشدادي تسر الزوجة قائلة: “منحونا بيتا وبدأ زوجي في العمل بمحكمة داعش، حيث كُلف ببعض المهام. هكذا أصبح وضعنا المادي مستقرا”. وعادت لتؤكد أنه قبل السفر إلى سوريا قاما بالعديد من الرحلات بين المغرب ومدينة سبتةالمحتلة التي يتحدر منها زوجها عمر، فيما كان سفرهما إلى تركيا في شهر ماي 2014، أي قبل إعلان أبو بكر البغدادي تأسيس ما يُسمى “دولة الخلافة”. “الضلع الأعوج” تعترف يولندا مارتينيث أنها ولدت بحي سالامنكا بمدريد، حيث ترعرعت ودرست إلى أن حصلت على الباكالوريا في الفنون الجميلة، لأنها كانت تريد أن تصبح فنانة تشكيلية، سيرا على خطى والدتها. في البداية اشتغلت موزعة للملصقات الإشهارية في مدريد، قبل أن تنتقل إلى العمل في محل تجاري تابع للعلامة التجارية ” El Corte Inglés” إلى أن تعرفت على عمر الحرشي، حيث تزوجا وهي في سن ال22 ربيعا؛ وأنجبا أربعة أبناء تتراوح أعمارهم بين أربع وعشر سنوات. ورغم أنها عاشت في كنف أسرة ميسورة، إلا أنها تعتقد أنها “ضلع أعوج”، بلغة المغاربة في أسرتها، وفي هذا أقرت قائلة: “كنت دوما السيئة وعندما كشف لي زوجي الإسلام أدركت أنني أحمله بداخلي”، وحتى قرار وضع النقاب والبرقع لم يُفرض عليها، وإنما هو قرار شخصي أملته عليها قناعتها، وكانت مواظبة كل جمعة على صلاة الظهر في المسجد. ومع ذلك، ألمحت أن نظرات غير المسلم كانت تضايقها بشوارع إسبانيا، لهذا كانت تشعر بالسعادة عندما انتقلا إلى العيش بالمغرب، مسقط رأس زوجها عمر. وأرجعت هذه السعادة إلى أن المغرب “بلد يمكن للمسلم أن يتجول فيه بحرية بالنقاب دون أن يتعرض لأي تحرش”. وتحكي أن زوجها عمر الحرشي، الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى أحد أكبر الجهاديين المبحوث عنهم من قبل المخابرات المغربية والإسبانية والعالمية؛ كان يشتغل “كبّاصا” بمدريد، وأنهما كان يعيشان لوحدهما، قبل أن ينتقلا خلال سنوات الأزمة الاقتصادية (2008) للعيش في بيت والديها بمدريد لشهور. وعن إسلامها في علاقة بوالديها تقول: “كان والدي عنصريا، ولم يكن يقبل اعتناقي للإسلام، لهذا كانت العلاقة معه صعبة”. وفي الوقت الذي تنتظرهما عقوبات سجنية في حالة عادا إلى المغرب أو إسبانيا، كما ينص على ذلك قانون البلدين، حاولت يولندا مارتينيث تبرئة نفسها، وذلك بالتوكيد على أنها خلال السنوات الخمس التي قضتها في معسكرات داعش لم تكن شاهدة على أي عملية تصفية أو قتل أمام العلن، وإنما اقتصر “دورها فقط، على رعاية بيتها وأطفالها، ولم تكن تغادر البيت قط، إلى جانب جهلها باللغة العربية”، في إشارة منها إلى أنها لم تكن تتواصل مع غالبية عناصر التنظيم الناطقين بالعربية. وعلى غرار الظروف الصعبة التي حكتها مغربيات أخريات نجون من أتون داعش، تروي هذه الجهادية أنها حرمت وأطفالها من امتلاك تلفاز، لأن داعش أدرجته ضمن المحرمات. وبعدما حاولت تبرئة نفسها، سعت إلى تبرئة زوجها من كونه “مقاتل خطير” وأحد “أكبر المجندين”، بالقول إنه لم يسبق أن شارك في معارك التنظيم، لهذا تتساءل قائلة: “كيف يمكن أن يشارك في القتال إذا كان يخرج باكرا للعمل ويعود في المساء إلى البيت”. لكن القضاء الإسباني له رواية أخرى، إذ يعتبر عمر الحرشي أحد أكبر المجندين للشباب المغاربة والإسباني، إذ اعتبره حكم صادر من الغرفة رقم 5 بالحكمة الوطنية بمدريد سنة 2014 ك”زعيم عملي” لشبكة متخصصة في أحد مساجد مدريد. وأردف الحكم أن عمر كان “يلعب دورًا تنفيذيًا في التنظيم، لأنه الشخص المسؤول عن تقرير كيف، ومتى يسافر أعضاء المجموعة” إلى تركيا، قبل التسلل لسوريا. كل يوم جمعة، تذهب مارتينيث إلى صلاة الظهر في هذا المسجد مع المتحولين الإسبان إلى الإسلام. خيانة داعش ويبدو أن يولندا مارتينيث وزوجها عمر كانا من بين المقاتلين الذين قرروا الاستمرار مع داعش إلى آخر رمق، بحيث أنهما لم يستسلما ويسلما نفسيهما لقوات سوريا الديمقراطية حتى فاتح مارس المنصرم، أي قبل أيام قليلة من سقوط بلدة ” الباغوز”، آخر معقل الدواعش في سوريا، والذي سقط بفعل القصف الجوي المكثف للتحالف الدولي والتدخل البري ل”قسد”. رغم كل هذا، لم تتخل يولندا عن أفكارها المتطرفة، إذ لازالت متشبثة بأن سقوط داعش سببه الرئيس خيانة بعض العناصر ل”الخلافة”. وبينما تصر على أن زوجها عمر يعيش بعيدا عنها والأطفال في سجن سري لدى قوات سوريا الديمقراطية، تحاول كسب عطف الحكومة الإسبانية والإسبان من أجل ترحيلها وأطفالها وزوجها قائلة: “لم أقم بأي شيء. إذا كان القانون في إسبانيا يحكم فعلا بالعدل، فلماذا سيزجون بامرأة في السجن عانت الويلات وكانت ترعى أطفالا في البيت، لا غير”.