قصاصة إخبارية مختصرة وتصريحات لمسؤولين حكوميين هي فقط، ما نقلته وسائل الإعلام الرسمية عن زيارة مسؤولين كبار من البنك الدولي إلى الرباط ولقائهم عددا من الوزراء، وعلى رأسهم محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية، ولحسن الداودي، وزير الشؤون العامة والحكامة، ومضمون الزيارة هو تقديم الإطار الجديد للشراكة بين المغرب والبنك الدولي للفترة 2019-2024، والذي خصصت له ميزانية تصل إلى 5 ملايير دولار ضمنها 1,5 مليار دولار برسم سنة 2019. اللقاء يأتي ضمن مجموعة لقاءات نظمت عقب موافقة مجلس إدارة مجموعة البنك الدولي، في فبراير الماضي، على إطار الشراكة الجديد الممتد على مدى 6 سنوات، ويرجى منه “توجيه برنامج المساعدة المالية والتقنية للمجموعة في المملكة خلال هذه الفترة، ودعم طموحها في تعزيز ميزتها التنافسية في الاقتصاد العالمي”. يقول محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية، في تقديمه لهذا الإطار الجديد للشراكة إنه “يتماشى مع الإصلاحات التي يتطلع إليها المغرب، سيما في مجالات النهوض بالتشغيل، وتنمية التماسك الاجتماعي، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية”. بنشعبون يضيف “أن هذا البرنامج الجديد، الذي يعد ثمرة حوار ومشاورات بين البنك الدولي والحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، يتضمن، كذلك، تدابير تهم تعزيز استعمال تكنولوجيات المعلومات والتواصل، وجعلها دعامة لتعزيز المهارات المغربية”. وحسب المعطيات التي يقدمها البنك الدولي، فالأمر يهم 3 مجالات تركيز أولها تعزيز خلق فرص الشغل ونمو القطاع الخاص، والذي يتفرع بدوره إلى 3 أهداف رئيسة هي أولا، الارتقاء بالبيئة التنظيمية والتنافسية في مجال الأعمال، حيث تساهم مجموعة البنك الدولي في تحسين البيئة التنظيمية والتنافسية، بما يمكن للقطاع الخاص من منافسة الشركات القائمة والاستفادة من زيادة التمويل من أجل التنمية. أما الهدف الثاني، فيتمثل في توسيع فرص نمو القطاع الخاص مع التركيز على الشركات الصغرى والصغيرة والمتوسطة وأهلية الشباب للتوظيف، حيث ستساهم مجموعة البنك الدولي في توسيع فرص نمو الشركات الصغرى والصغيرة والمتوسطة، وتطوير قدراتها لاعتماد التكنولوجيات الكاسحة وتكييفها مع السياقات المحلية، وفتح أسواق جديدة، والوصول إلى سلاسل القيمة الرئيسية، والمنافسة في الأسواق المحلية والإفريقية والأوروبية. في حين يشمل الهدف الثالث تحسين فرص الوصول إلى التمويل، من خلال دعم المبادرات حول السياسات التي أطلقها المغرب، فيما يتعلق بتمويل الشركات الصغرى والصغيرة والمتوسطة ودعم برنامج الإدماج الاقتصادي، سعيا إلى تعزيز الطابع النظامي للأنشطة الاقتصادية. بدوره، يتفرع مجال التركيز الثاني المتعلق بالنهوض بالرأسمال البشري، إلى مجموعة من الأهداف، أولها تحسين جودة وفعالية أنظمة تقديم الخدمات الصحية. وتشير المعطيات المقدمة إلى أنه بالاعتماد على مخطط الصحة 2025، والهدف المتمثل في تحقيق تغطية صحية شاملة، سيدعم برنامج إطار الشراكة تحسين تقديم الخدمات الصحية عبر تعزيز سياسة الموارد البشرية وتوسيع التغطية الطبية، وتحسين جودة خدمات الرعاية الصحية في مختلف مستويات المرافق الصحية. أما الهدف الثاني، في هذا المجال، فيسعى إلى تعزيز الحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة والهشة، حيث ستستمر مجموعة البنك الدولي في دعم المبادرة الحكومية في مجال تطوير البنية التحتية الخاصة بتقديم خدمات برنامج الحماية الاجتماعية، من خلال تفعيل السجل الوطني للسكان والسجل الاجتماعي. وينص الهدف الثالث على تعزيز أداء أنظمة المدن والقرى، من خلال دعم الحكومة من أجل تقوية التخطيط العمراني والإدارة والحكامة وأنظمة المدن. وعلى صعيد متصل ينص مجال التركيز الثالث على تشجيع التنمية الشاملة والمرنة للمجالات الترابية، ووضع أيضا عددا من الأهداف، منها تحسين إدارة الموارد المائية واستدامة الخدمات المتصلة بها. أما الهدف الثاني، في هذا المجال، فينص على تعزيز التكيف مع تغير المناخ والقدرة على مواجهة الكوارث الطبيعية، وفي هذا الصدد ستقدم مجموعة البنك الدولي مقاربة متكاملة لتحسين القدرة على مواجهة تغير المناخ والكوارث الطبيعية في المغرب. ومن أجل تحسين الشفافية ووضع اللبنات الأساسية لتعزيز التفاعل بين المواطنين والدولة، وهي الهدف الرابع في هذا المحور، فقد قررت المجموعة دعم عملية إنتاج البيانات والتحليلات التي يمكن أن تستند إليها النقاشات المرتبطة بالسياسات العمومية، والتي من شأنها أن تضمن وجود آليات توفر الوصول المفتوح إلى البيانات على المستويات المناسبة من أجل تعزيز المساءلة والشفافية. وأخيرا، ينص الهدف الرابع المتعلق بكفاءة الإنفاق العمومي، على أن يقدم البنك باقة من الخدمات، بما فيها التمويل والمساعدة التقنية والخدمات الاستشارية والقدرة على عقد الاجتماعات لدعم المغرب في مجالات تطوير الحكومة الإلكترونية، بما في ذلك رقمنة أنظمة وعمليات إدارة المالية العمومية؛ وتصميم وتنفيذ إطار عمل منسَّق لإدارة محفظة الاستثمارات العمومية المغربية بهدف تحسين كفاءة البلاد التوزيعية؛ وإصلاح إطار عمل حوكمة ومراقبة الشركات المملوكة للدولة على المستوى الكلي، وكذا في قطاعات معينة، حيث تقدم هذه الأخيرة خدمات اجتماعية حيوية؛ وإصلاح الميزانية والشروع في الميزانية القائمة على البرامج؛ ودعم نظام المشتريات؛ وإصلاح نظام الضرائب والمعاشات. ويعيد إطار الشراكة الجديد الذي وقعته الحكومة مع مجموعة البنك الدولي إلى الواجهة نقاش مدى استقلالية المغرب في تنفيذ سياساته التنموية وحقيقة وجود إملاءات من المؤسسات المقرضة، كما هو الحال بالنسبة إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. هذا النقاش أثاره قبل أسبوعين لحسن الداودي، وزير الشؤون العامة والحكامة، في لقاء جمعه مع ممثلة مجموعة البنك الدولي، وممثل الشركة الدولية للتمويل، حيث قال “إن الصورة المروجة عن الحكومة المغربية في الاستجابة للإملاءات الدولية غير صحيحة، وخصوصا فيما يتعلق بالبنك الدولي، مشددا على أن الحكومة المغربية هي التي تحدد توجهاتها الاقتصادية، والبنك الدولي يوفر لها الدعم فقط، إما بالتمويل المادي، أو بتوفير خبراته”. الداودي أضاف “أن المغرب يحدد الإجراءات التي سيمضي فيها ويدعمها البنك الدولي في إطار الشراكات الاستراتيجية، التي تجمع الطرفين سواء من خلال التمويل أو من خلال الخبراء التي تتوفر عليهم هذه المؤسسات في المجالات ذات الاهتمام المشترك”. يقول الخبير الاقتصادي، إدريس الفينة، تعليقا على هذا الأمر: “مادمنا نوقع هذا النوع من القروض، كما هو الشأن، أيضا، بالنسبة إلى خط الوقاية والسيولة، فهذا دليل على أننا تحت رحمة الإصلاحات التي يفرضها البنك الدولي، وبهذه الصورة نظهر لمسؤوليه أننا غير قادرين أن نكون مثل مقاولة مربحة، بل نحن مجرد مقاولة مفلسة تخضع لشروط المقرضين، وما يحدث الآن بخصوص مشكل التعاقد مع الأساتذة والإجراءات المرة التي يطبقها المغرب تدخل في هذا الباب لأننا في وضعية إفلاس”. الفينة يضيف: “إطار الشراكة الاستراتيجي بين المغرب والبنك الدولي حسب المعطيات التي قدمها وزير الاقتصاد والمالية يهم التشغيل وتنمية التماسك الاجتماعي، ثم تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، لكن هذا يطرح أمامنا إشكالية تمويل البرامج الاجتماعية عن طريق قروض خارجية، ولهذا فمن الضروري البحث وراء المبررات المقدمة من طرف الحكومة ومدى صدقيتها. واقتصاديا ليس مقبولا أن نقترض من الخارج لتمويل مشاريع اجتماعية مثلما ليس مقبولا أن نقترض لتسديد أجور الموظفين”. “كان الأمر سيكون مقبولا لو تعلق الأمر بتمويل البنى التحتية من قبيل إنشاء مطارات أو طرق سيارة، ، لكن أن نخصص 5 ملايير دولار من قرض للبنك الدولي للتنمية الاجتماعية فهو أمر مزعج، وكان من المفترض أن يتم تمويلها بموارد مالية محلية، وهذا يظهر أننا نفتقد إلى اقتصاديين ممن يمكنهم تدبير مثل هذه الملفات”، يوضح الفينة. من جهته، يرى إبراهيم منصوري، أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق مراكش، أن “الإشكالية ليست في نية المؤسسات الدولية، بل في قدرة الحكومة على استغلال هذه القروض من أجل النهوض بالاقتصاد الوطني وتنفيذ الإصلاحات في مجموع المجالات المقترحة؟ والحال أن الأمر يتعلق بمبالغ عالية تقدر بنحو 5 مليارات دولار، وهل لدى الحكومة القدرة على تغيير بنية الاقتصاد المغربي لتطبيق المفهوم الجديد للتنمية الذي بدأ الحديث عنه؟”، يضيف منصوري. المسألة يشدد منصوري، “ليست مرتبطة بحكم القروض، بل أساسا بالقدرة على استغلالها على أمثل وجه، وهنا يجب أن نتجاوز الإيديولوجية التي تحصر النقاش في خلفيات البرامج التي تفرضها هذه المؤسسات الدولية إلى نقاش كيف سندبر هذه المساعدات أو القروض، وهي قروض تستفيد منها حتى الدول التي تصنف في خانة الدول المتقدمة. ومن الضروري أن يتم فتح نقاش حول الغاية من اقتراض هذه المبالغ، وما هي البرامج التي يمكن أن ندعمها بواسطتها، خاصة أن البنك الدولي ينص على تخصيصها لخلق مزايا جديدة بالنسبة إلى المغرب في قطاعات معينة خصصت لها استراتيجيات، كما هو الشأن برنامج “المغرب الرقمي”. ما الذي يمنع من تدبير هذه القروض بشكل جيد؟ يتساءل منصوري. ويتابع قائلا: “الأمر مرتبط بمشكل صياغة الإصلاحات الضرورية، ومشكل التنفيذ، وفي الغالب يتم صياغة الإصلاحات المطلوبة بشكل متسرع دون تدقيق في الحاجيات الحقيقية، وهذا يفترض أيضا فتح حوار مع جميع المتدخلين المعنيين بالإصلاحات. أما شق التنفيذ، فهو مرتبط بالصياغة من حيث جودتها أو رداءتها، ثم هناك أمر مهم هو غياب الأطر الكفأة التي بإمكانها تنفيذ الاستراتيجيات، فضلا عن غياب منطق المتابعة وتقييم نجاح البرنامج على مراحل بما يسمح بتعديل الاختلالات. وفي غياب هذا الأسلوب من الحكامة تضيع العديد من البرامج والمبالغ المرصودة لها”.