تتعالى أصوات تطالب بتعديل دستوري، كما تتعالى معها أصوات مضادة تحذر من مراجعته لأنه “لعب بالنار” لأن دوافع تعديله، وهو الذي لم يمر على المصادقة عليه إلا ثماني سنوات أمر يخفي تنافسا محموما للفوز باستحقاقات 2021، ليس إلا. عبدالحميد بنخطاب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، يرى بأن دعوات هذا التعديل مرهونة بحسابات سياسوية وجب أن تتجاوز منطق الصراع، لأن التعديل ليس حلا للخروج من الأزمة التي أطلت برأسها. فحين يستحيل وجود ممارسة دستورية سليمة، ويتعذر إنتاجها على هامش الدستور، ساعتها سيكون المغرب في حاجة إلى تعديل دستوري فعلا. خصوصا وأن مراجعة الدستور لن تكون ذات معنى إلا في الوقت الذي تعبر فيه عن إرادة الأمة، ويساهم في تنظيم وتوزيع السلط، وتحقيق التوازن والتعاون والتكامل فيما بينها، ومعالجة الاختلالات وسد فراغاته، بما يقلص هامش التأويل غير الصحيح الذي من شأنه أن يفرغ النص الدستوري من مضمونه ويجعله بدون روح. إلا أن رأيا آخر يرى بأن فتح النقاش حول الوثيقة الدستورية، وتحديدا في العلاقة بين المؤسسة الملكية والحكومة، بعد التجربتين الحكوميتين الأولى والثانية، أمر ضروري لتطوير الممارسة الديمقراطية، بعدما تعالت أصوات تطالب الملك بالتدخل لتجاوز الأزمة المؤسساتية غير المعلنة وعجز الحكومة عن إيجاد حلول عملية لاحتواء وامتصاص الغضب الشعبي. في مقابل هذا التحليل، الذي يدافع عن التعديل، فإن فريقا آخر، يعتقد أن النص الدستوري يتفاعل مع الواقع دون أن يخضع له، فمقتضياته ليست أسيرة وضع سياسي ظرفي، فالدستور، حسب عبداللطيف وهبي، “لا يتم وضعه للمرحلة التي يصاغ فيها فقط، بل يوضع لبناء مرحلة زمنية طويلة، لأنه يستند على رؤية فلسفية وأخلاقية قد يطالها الغموض فقط، لأنها لا تغرق في تفصيلات وتدقيقات قانونية من شأنها أنها تجازف باختزال دلالته”. إن تفسير الدستور يفترض فيه أن يكون وسيلة لحوار سياسي تساهم فيه جميع الأطراف دون استثناء، وعلى جميع الفاعلين السياسيين أن يستحضروا معطيات المرحلة الظرفية والمكسب السياسي الآني لهذا التعديل. المدافعون بإجراء تعديل دستوري، يعتقدون أن الخطاب السياسي ظل دائما يطالب بتنزيل الوثيقة الدستورية وتطبيق بنودها، خصوصا بعد المنهجية الديمقراطية التي نص عليها الفصل 47 من الدستور، والتي أفضت إلى تنصيب حكومة عبدالإله بنكيران، ومن بعدها حكومة العثماني. غير أن هذا المسار السياسي لمغرب ما بعد 2011 يؤكد عبدالمطلب أعميار، سيعرف “فرملة واضحة لمنطوق الوثيقة الدستورية الجديدة، وتعطيلا للعديد من المقتضيات، بل وتراجعات على مستوى الدينامية السياسية التي أفرزت هذه الوثيقة”. إن حاجة المغرب إلى مراجعة الدستور لم تعد قائمة في نظر البعض، على اعتبار أن سؤال “التنزيل”، هو من أضحى يطرح إشكالية السياسات العمومية التي أصبحت تتعارض مع روح الوثيقة الدستورية. وإذا كان دستور 2011 قد نقل المغرب من سنوات الصراع حول منظومة الحكم، إلى إعمال مطلب الحكامة، فما معنى إذن، أن يتم إقرار سياسات عمومية تضرب العديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية المنصوص عليها دستوريا، إلا أن الرافضين لتعديل الدستور، وفي مقدمتهم البيجيدي، يشددون على أن استئناف النقاش حول مراجعة الدستور تحت طائلة معالجة وضعيات سياسية، ليس بريئا، وليس في محله، من ورائه قصد تراجعي ونكوصي، يستهدف به أصحابه الإعداد للانتخابات بالكيفية التي يرونها مناسبة لهم واقتناص فوز غير ديمقراطي في الاستحقاقات المقبلة.