في سابقة من نوعها، استهلت غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بمراكش الجلسة الأخيرة من ملف كازينو السعدي، الملتئمة صباح أول أمس الخميس، بالتنبيه إلى إمكانية إعفاء متهمين اثنين من حضور باقي جلسات المحاكمة، بسبب تدهور صحتهما وتقدّمهما في العمر، وهي الإشارة التي لم يتأخر محامياهما في التقاطها، إذ تقدّما بملتمس في الموضوع، لتستجيب له الغرفة، برئاسة القاضي حسن عقيلة، مع تكليفهما بإحضارهما للإدلاء بتصريحاتهما الأخيرة، خلال جلسة النطق بالأحكام. المحكمة وافقت على الإعفاء من الحضور للمقاولين المتقاعدين: عبد الغني المتسلي (90 سنة)، المحكوم عليه ابتدائيا بثلاث سنوات نافذة لإدانته بجناية “الإرشاء”، المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفقرة الثانية من المادة 248 من القانون الجنائي والمادة 251 من القانون نفسه، على خلفية اتهامه بتقديم ست شق كرشوة للرئيس السابق لبلدية المنارة جليز بمراكش، القيادي الاستقلالي، عبد اللطيف أبدوح، لتسهيل الحصول على الوثائق الخاصة بمشروعه السكني “سينكو”، وإحداث طريق بتمويل من البلدية في قلب المشروع نفسه، وأحمد البردعي (89 سنة)، الذي تمت تبرئته ابتدائيا، فيما يتابع، استئنافيا، بتهم تتعلق ب”المشاركة في تبديد أموال عامة، والتوصل إلى تسلم رخص إدارية عن طريق الإدلاء ببيانات غير صحيحة، واستعمالها”، المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفقرة الأولى من المادة 241 من القانون الجنائي، والمادتين 129 و361 من القانون نفسه، وذلك على خلفية اتهامه بالحصول على ترخيص لإحداث الشطر الخامس من تجزئته “سيدي عبّاد” فوق عقار سبق له أن التزم بالتنازل عنه لفائدة الجماعة لاستغلاله كمساحة خضراء وتشجيره بخمسين نخلة، بمقتضى تنازل مؤرخ في 16 شتنبر من 1982، يحمل بصمته وتوقيع رئيس بلدية مراكش حينئذ، القيادي الاستقلالي مولاي امحمد الخليفة، قبل أن يحصل من أبدوح على ترخيص، بتاريخ 12 أكتوبر من 2001، تحولت معه المساحة الخضراء المذكورة إلى تجزئة سكنية. وإذا كان مصدر مطلع اعتبر بأن المحكمة اتخذت قرارها لدواعٍ صحية وإنسانية، واصفا إيّاه ب”القانوني”، وموضحا بأن الحاجة لم تعد قائمة لحضور المتهمين بعد الاستماع إلى تصريحاتهما، فإن مصدرا قانونيا اعتبر الإعفاء مؤشرا صريحا على أن مسار المرحلة الاستئنافية من المحاكمة لا زال طويلا، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات وخمسة أشهر على انعقاد أولى جلساتها، موضحا بأن تأخيرها، لأكثر من شهرين آخرين، لجلسة قادمة من المقرّر أن تنعقد قبل شهرين من حلول موعد العطلة القضائية، وإعفاء متهمين من حضورها، يؤكد بأنها لن تكون الأخيرة، وأن المرحلة الاستئنافية ستمتد إلى أواخر السنة الجارية، أي أنها ستقفل سنتها الرابعة لا محالة. واستنادا إلى المصدر القانوني نفسه، فإن قرار غرفة الجنايات الاستئنافية، المختصة في جرائم الأموال، يعتبر استثنائيا بكل المقاييس، على اعتبار بأن حضور المتهمين في مادة الجنايات يعد إلزاميا، بخلاف الملفات الجنحية، التي يجوز إعفاء المتابعين فيها، في حالة سراح، من حضور جلسات محاكمتهم. ورغم أن الملف كان جاهزا للمناقشة، فقد اقتصرت المحكمة، خلال جلسة أول أمس، على مواجهة المتهمين ال 11، المتابعين، في حالة سراح، بتهم متعلقة ب”تبديد أموال عامة، واختلالات مالية ببلدية المنارة جليز، خلال ترؤس أبدوح لمجلسها بين 1997 و2003″، (مواجهتهم) بإفادات الشهود والتعقيب عليها، خاصة شاهد الإثبات الوحيد في الملف، قبل أن يتقرّر تأخير المحاكمة لجلسة الخميس 30 ماي المقبل، من أجل إفساح المجال أمام مرافعات المطالب بالحق المدني الوحيد الذي لازال يحضر المحاكمة، ممثلا في الجمعية المغربية لمحاربة الرشوة “ترانسبرانسي المغرب”، والنيابة العامة، والدفاع. وحسب مصدرنا الأخير، فقد كان بالإمكان تفادي إطالة أمد المحاكمة، خلال جلسة أول أمس، التي لم يتغيب عنها أي متهم، بمن فيهم المتهمان المذكوران اللذان حضرا على متن كرسيين متحركين، والتي كان منتظرا أن تكون آخر الجلسات، لو تم إفساح المجال خلالها للمرافعات المذكورة، خاصة وأن المحكمة سبق لها أن استمعت إليها، قبل أن تحجز الملف للمداولة، خلال الجلسة المنعقدة بتاريخ 4 ماي من 2017، لتعود وتقضي بإخراجه من المداولة، في نهاية الجلسة نفسها، من أجل الاستماع إلى المشتكي وشاهد الإثبات الوحيد في الملف، ثم تعود وتوافق، خلال جلسة أخرى لاحقة، على ملتمس بالاستماع إلى ثلاثة شهود للنفي.