في السياسة كما في مجالات أخرى مثل الرياضة والاقتصاد… يجري التنافس بكل حدة لكونه يعزز الطاقات ويعبئ هؤلاء وأولئك حول هدف معين، بل إن التنافس قد يدور أحيانا حول مشاريع كبيرة لغزو الفضاء وإطلاق الأقمار واستكشاف المريخ… في المجال الانتخابي يحفّز التنافس المناضلين ويدفعهم إلى جانب قياداتهم على تحقيق الأفضل وتسجيل نتائج أجود بين استحقاق وآخر، وهو ما يستدعي تعبئة الرأسمال البشري وتثمينه وقيادته نحو أفق معين. مسلك استعمال التنافس يتسم ببعض الخصوصية في المجال المغربي، حيث يخضع الأمر لكثير من النقاش، بل هناك من يعتبره غير مجد أصلا. بماذا يتعلّق الأمر بالتحديد؟ إنني أقصد السباق نحو انتخابات 2021، بين بيجيدي العثماني وتجمع عزيز أخنوش، حيث يسعيان إلى تصدّر الترتيب في تلك الاستحقاقات، خاصة منها انتخابات تجديد مجلس النواب. الرهان السياسي لا ينحصر في هذه المؤسسة الدستورية، بل يشمل أيضا استحقاقات انتخابية أخرى ستعرفها السنة نفسها، فالناخبون سيكونون مدعوين إلى تجديد مؤسسات منتخبة أخرى، مثل مجلس المستشارين ومجالس الجهات ومجالس العمالات والأقاليم والجماعات المحلية. نحن أمام تجديد انتخابي شامل سيهم هؤلاء الذين تم انتخابهم في 2015 لولاية من ست سنوات. النتائج التي ستحصدها الهيئات الحزبية في العام 2021، سترافقها إذن، إلى غاية سنتي 2026 و2027، وهو ما يعني أن الخريطة الانتخابية لما بعد 2021 ستسمح بإعادة تمفصل النظام الحزبي الحالي، حيث ستحمل البعض إلى موقع الحكومة، والبعض الآخر إلى موقع المعارضة. لكن، هل يبرّر مثل هذا الرهان الانتخابي الكبير تلك الصراعات المستمرة بين حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار، والتي انطلقت منذ الشهور الأولى لتنصيب حكومة العثماني متم أبريل 2017، فالمناخ التنافسي هيمن بشكل فوري، وأعين كل من الحزبين اتجهت فورا نحو النتيجة التي سيحققانها في الانتخابات المقبلة، صيف 2021. عزيز أخنوش، الرئيس الجديد لحزب التجمع الوطني للأحرار، أي منذ أكتوبر 2016 عقب الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر من السنة نفسها، حيث خلف الرئيس السابق صلاح الدين مزوار، باشر بشكل فوري عملية إعادة هيكلة الحزب وحرص على التموقع في ساحة المعركة. والهدف هو بدون شك الفوز بانتخابات 2021 والإطاحة بحزب الإسلاميين الذي يوجد على رأسه سعد الدين العثماني. مخططات لم تتأخر في الهيمنة على الأجواء الداخلية للأغلبية الحكومية، والمكونة من البيجيدي وخمسة أحزاب أخرى. وضع جعل هذه الأغلبية تتوزع بين محورين أساسيين، الأول يهم حزب العدالة والتنمية، بينما يتمثل الثاني في حزب التجمع الوطني للأحرار وحلفائه الثلاثة، أي أحزاب الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي. بينما يواجه حزب التقدم والاشتراكية مشكلة عدم التمتع بوضع الحليف المفضل لحزب العدالة والتنمية، كما كان الحال في عهد حكومة بنكيران. ونحن في بدايات العام 2019، كيف هي وضعية الأغلبية الحكومية إذن؟ لا بد من تسجيل أن التشخيص لا يمكن إلا أن يكون مقلقا. فمبادئ التنسيق والتعاون والتضامن المتضمنة في ميثاق الأغلبية الحكومية الموقع في 19 فبراير 2018، لم تعرف حتى الآن سوى تطبيقات نادرة. اجتماعات قادة أحزاب الأغلبية كانت نادرة، وحين انعقدت في لقاءات مثل ذلك الذي تم في 4 أكتوبر 2018 للاتفاق حول موقف موحد من انتخابات تجديد رئيس مجلس المستشارين، خرج حزب العدالة والتنمية ليخوض معركة الترشيح وحيدا. وفيما انعقد لقاء آخر انعقد في منتصف أكتوبر همّ مشروع القانون المالي لسنة 2019، كان يفترض أن يلتقي زعماء الأحزاب الستة، وهو ما تم يوم 5 مارس الجاري بهدف تحسين العلاقات الداخلية. التفاوت يخيم بقوة على اختيارات حزب العدالة والتنمية مقارنة بتلك التي يتبناها حزب التجمع وحلفاؤه داخل الأغلبية. فموضوع لغات التدريس في النظام التعليمي للمغرب، كشف تناقضا في المقاربات لدرجة تسببت في «بلوكاج» لمشروع القانون الإطار حول التعليم، داخل اللجنة البرلمانية التي لم تتمكن من التوصل إلى توافق حول هذا النص، رغم أنه صُودق عليه في مجلس حكومي، ثم في مجلس للوزراء. لا بد من القول إن فكرة مراجعة الفصل 47 من الدستور، والذي ينص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر الانتخابات التشريعية، تشق طريقها. ذلك أن هذا المقتضى يرهن الحياة التنظيمية للأحزاب السياسية بالترتيب الذي تسفر عنه الانتخابات، ويجعل الصراع كله يدور حول احتلال الصدارة في الاقتراع، ما يغذي الديماغوجية والشعبوية. ألا يؤدي هذا الفصل بالصيغة التي يرد بها في الدستور، إلى عقم في الحياة الحزبية والسياسية؟ إن مثل هذا التساؤل لا يمكنه أن يحجب أهمية إصلاح النظام الانتخابي بالشكل الذي يسمح بهيكلة وإعادة ترتيب للأحزاب السياسية، على أساس أقطاب واضحة ومتباينة، وذلك قبل موعد الانتخابات. موضوع لا يبدو أنه يحظى بالأهمية لدى مختلف الفرقاء، مادامت الخطابات المحافظة والتدبير المرتهن للمصالح الحزبية يحتلان الصدارة.