تعرضت العلاقات المغربية السعودية في السنتين الأخيرتين لهزات غير مسبوقة في تاريخها، يصعب توقع مآلاتها، رغم محاولة الطرفين احتواءها دبلوماسيا، ما دفع بعض المحللين إلى القول إنه من الصعب أن تعود إلى “عهدها الذهبي”، خصوصا بعد وصول جيل جديد في السعودية والإمارات إلى السلطة، لا يأتمر بالقيم العربية، ويتسم بالبرغماتية إلى حد الغلو، كما ذهب إلى ذلك الأكاديمي والجامعي، حسن أوريد. لم يكن تقرير قناة “العربية”، المشكك في مغربية الصحراء، سوى النقطة التي تفجرت عندها الأزمة علنا. بينما بدأت العلاقات في الانحدار من التوافق شبه الكامل إلى الصدام الحاد قبل نحو سنتين على الأقل. أول صدام حدث في هذا السياق كان حين أعلن المغرب وقوفه على الحياد في الأزمة الخليجية في يونيو 2017 (حصار قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، مؤكدا استعداده “لبذل مساع حميدة من أجل تشجيع حوار صريح وشامل”. لكن الاقتراح لم يلق القبول في السعودية والإمارات، وردّا على ذلك أرسل الملك محمد السادس طائرتين محمّلتين بمواد غذائية إلى الدوحة، تعبيرا عن رفضه لقرار الحصار. وفي نونبر 2017، استُدعي الملك محمد السادس إلى الإمارات لحضور حفل افتتاح معهد “اللوفر- أبو ظبي” بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزوجته، غير أن الاستقبال كان فاترا، ويبدو أن وساطة فرنسية بين الطرفين حاولت تقريب وجهات النظر حينها، لكن دون جدوى، وبعد خمسة أيام غادر الملك محمد السادس إلى الدوحة، حيث كان أول رئيس عربي يكسر الحصار على قطر. لم يستسغ السعوديون ولا الإماراتيون الخطوة، وعبّر عن الانزعاج صراحة بعد ذلك، تركي آل الشيخ، المقرب من ولي العهد السعودي، بقوله على حسابه “تويتر” :”هناك من أخطأ البوصلة. إذا أردت الدعم، فعرين الأسود في الرياض هو مكان الدعم. ما تقوم به هو إضاعة للوقت، دعم الدويلة تنفعك…! رسالة الخليج ل”المحيط”. وفي 2018 ظهرت خلافات أخرى، أبرزها ترشح المغرب لاحتضان كأس العالم 2026، وهو الترشح الذي نال دعم القمة العربية التي انعقدت في العاصمة السعودية في الرياض، لكن السعودية اختارت الخروج عن الإجماع، وقد حاولت فرنسا فيما يبدو تقريب وجهات النظر مرة ثانية، كما دلّ على ذلك لقاء مارس 2018 في باريس بين الملك محمد السادس وولي العهد السعودي ورئيس وزراء لبنان (وُثق بصورة)، لكن ما أتى بعد ذلك أكد أن الابتسامة خلفها خلافات عميقة. ألقت هذه التطورات السلبية بثقلها على التحالف العربي في اليمن، وهو ما أعلن عنه وزير الخارجية والتعاون، ناصر بوريطة، في حوار مع قناة “الجزيرة” بقوله إن “المغرب غيّر مشاركته”. في إشارة إلى امتناع المغرب المشاركة في مناورات الموج الأحمر، التي دعت إليها السعودية نهاية شهر دجنبر 2019، وامتناع وزير الثقافة والاتصال محمد الأعرج عن المشاركة في اجتماع لوزراء الإعلام بمدينة جدة السعودية. وحين اختفى الصحافي، جمال خاشقجي، في القنصلية السعودية في اسطنبول التركية، قبل أن يتأكد مقتله على يد مقربين من ولي العهد محمد بن سلمان، الذي صار بدوره متهما ومحاصرا من قبل خصومه عبر العالم. وفي الوقت الذي كانت السعودية تريد دعما من المغرب، التزم الحياد مرة أخرى، ورفض استقبال ولي العهد محمد بن سلمان خلال قيامه بجولة عربية ومغاربية لكسر الحصار حوله. ظلت الأزمة صامتة، إلى أن أجرى وزير الخارجية والتعاون الدولي حواره الصحافي مع قناة “الجزيرة”، معلنا عن تعليقه المشاركة في التحالف العربي في اليمن، وهو الحوار الذي ردّت عليه قناة “العربية” بتقرير مصور استهدف التشكيك في مغربية الصحراء، بتمجيد جبهة البوليساريو. ردّ المغرب بهجوم إعلامي كذلك، حيث تحدثت القناة “الثانية”، شبه الرسمية، عن ضلوع مسؤولين في النظام السعودي في مقتل الصحافي جمال خاشقجي، وهي الورقة التي تزعج ولي العهد ابن سلمان أيما إزعاج. تفادى الدبلوماسيون في المغرب والسعودية تأزيم الوضع أكثر، لكن مستقبل العلاقات يبدو غامضا. من وجهة نظر حسن أوريد، أكاديمي ومحلل سياسي، فإن “العلاقات المغربية السعودية لن تعود لسابق عهدها الذهبي”، والسبب “جيل جديد في كل من السعودية والإمارات” ممن “لا يأتمر بالقيم العربية، ويفضل عليها الانسكاب في التوجهات المالية العالمية، ويتسم بالبرغماتية إلى حدّ الغلو، ويرى في الإسلام أو الحركات التي تنشط باسمه خطرا، ويواجهه بالعداء”. ويتوقع أوريد أن “ما أقدمت عليه السعودية ليس قرصة أُذن، بل مؤشرا على تعامل جديد حيال المغرب، لن تستنكف فيه من كل أساليب الإيذاء والتشهير”. وهو الرأي الذي عبّر عنه محمد المختار الشنقيطي، أستاذ الأخلاق السياسية بجامعة قطر، بقوله إن الأزمة تعبير عن “خلاف عميق في التصور حول المنطقة كلها”، مؤكدا أن المغرب “سيتجه وجهة الابتعاد الكامل عن السعودية”.